- الجرائد الناطقة بالفرنسية تهيمن على عائدات سوق الإشهار خلال 2009 و2010 - محمد العوني،إذاعي ورئيس منظمة حريات الإعلام والتعبير: يجب سن قانون واضح ينظم علاقة الصحافة بالمجال الإشهاري - علي أنوزلا (مدير موقع ''لكم''): الرقابة الناعمة تتوسل عبر المال إلى الإخضاع وتكميم الأفواه - يحيى اليحياوي( أستاذ الاقتصاد الرقمي وخبير إعلامي). - التحكم في ''قناة'' تصريف الإشهار الأسلوب الحديث في ضبط الصحافة بالمغرب كشفت الأرقام الخاصة بالاستثمارات الإشهارية في قطاع الإعلام برسم سنتي 2009 و2010 عن استمرار عدد من الاختلالات في القطاع الإعلامي المغربي. فمع أن المغرب عرف على امتداد سنة 2010 جولات الحوار الوطني حول الاعلام والمجتمع، إلا أن الوضع على الأرض ظل موسوما بعدد من الإشكالات. فصدور تقريرين متزامنين يكشف وضعية ''النفق المسدود'' الذي يتواجد فيه القطاع بمختلف تشكيلاته. فالتقرير الأول حول الاستثمارات الاشهارية في قطاع الإعلام بالمغرب ونسب مبيعات الصحف الوطنية يكشف عن اختلال الوضع بين صحف عربية تبيع أكثر، بالمقابل هناك صحف فرنسية ''تتلقى دعما أكبر''. التقرير الثاني هم نسب مشاهدة المغاربة للتلفزيون، هذا التقرير يبرز إلى أي حد يضطر المواطن المغربي إلى الهروب إلى القنوات التلفزية الخارجية لتعويض ''النقص'' وعدم الثقة ''كليا'' في المنتوج الإعلامي الوطني. المبيعات للصحف العربية والإشهار للعناوين الفرنسية فيما يخص الصحافة المكتوبة ، يسجل هيمنة العناوين الصحفية الفرنكفونية في الاستحواذ على العوائد الإشهارية في سوق الصحافة المكتوبة بالمغرب. فالمراتب العشر الأولى من قائمة الإشهار لسنة 2009 استحوذت عليها ثمان عناوين فرنكفونية إضافة إلى عنوانين باللغة العربية فقط. وأشارت الإحصائيات التي أوردتها إحدى المؤسسات المتخصصة في تتبع سوق الإشهار في المغرب أن الإعلام المكتوب في المغرب يتميز باستحواذ العناوين الصحفية العربية على مساحة القراء، بالمقابل تهيمن العناوين الفرنسية على عائدات الإشهار. ومن خلاصات التقرير أن المعلنون المغاربة يفضلون الجرائد الفرنكفونية بالرغم من أن حجم انتشارها يظل ضعيفا بالمقارنة مع العناوين العربية. من جهة أخرى أكد تقرير المؤسسة أن قراءة الصحافة المكتوبة بالمغرب تعتبر ظاهرة حضرية و ذكورية. كما أن المستوى السوسيو ثقافي يؤثر في نوع الجريدة التي يقتنيها القارئ واللغة المفضلة لديه. من جهة كشف التقرير ازدياد ظاهرة إصدار الصحف الجهوية والمحلية، إضافة إلى تنامي سوق الصحف المتخصصة والمرتبطة بمهن محددة، أيضا ازدياد ظاهرة الجرائد المجانية. وأكدت الإحصائيات أن السوق الإشهاري الإعلامي في المغرب(الذي استقطب 21 بالمائة من مجموع الإعلانات) عرف ركودا سنة ,2009 لكن رقم المعاملات عرفت سنة 2010 ارتفاعا بنسبة 17 بالمائة. وبلغ حجم الاستثمارات الاشهارية في قطاع الإعلام سنة 2010 رقم 47,4 مليار درهم، موزعة بين التلفزة 127,2 مليار درهم، اللوحات الإشهارية 804 مليون درهم، الصحافة المكتوبة 936 مليون درهم، الإذاعات 607 مليون درهم. من حيث المعلنين عرفت سنة 2009 وكذلك 2010 صعود عدد من القطاعات في تمويل الصحافة المكتوبة. فقد احتلت سنة 2010 قطاع السيارات المرتبة الأولى بنسبة 19 بالمائة من حجم المصاريف الإشهارية، يليها العقار 18 بالمائة، قطاع الاتصال والإعلام 11 بالمائة، الأبناك والتأمينات 8 بالمائة. بالمقابل تراجع قطاع الاتصالات ليسجل 7 بالمائة فقط. وعلى سبيل المقارنة، فإن قطاع الإشهار في الصحافة المكتوبة الذي حقق سنة 2009 رقم معاملات بلغ 1273 مليون درهم، فقد بلغ متوسط مبيعات أول جريدة تصدر باللغة العربية ''المساء'' 100933 نسخة كل يوم. لكن عوائدها الإشهارية بلغت 72 مليون درهم برسم 2009 . بالمقابل بلغت عائدات الصحيفة الفرنكفونية ''ايكونومست'' 166 مليون درهم، بالرغم من أن متوسط مبيعاتها اليومية لسنة 2009 لا تتعدى 19805 نسخة في اليوم.نفس الأمر يقال عن جريدة ''لوماتان'' التي بلغت عوائدها الإشهارية سنة 2009 رقم 128 مليون درهم ، في حين أن متوسط مبيعاتها اليومية لا تتجاوز 23805 نسخة. أي أفق بعد تقديم الكتاب الأبيض حول الإعلام ومن خلال نتائج بعض الدراسات التي أنجزتها هيئة إدارة الحوار الوطني حول الإعلام والمجتمع عن عدد من جوانب الإعلام المغربي خاصة دراسات'' اقتصاد الإعلام بالمغرب'' و''المقاولة الصحفية'' أهمية رفع رقم معاملات الإشهار، وضرورة إعادة هيكلته بالمغرب باعتبار أن الأرقام المسجلة خلال سنة 2008 تقارب 500 مليون درهم في الصحافة المكتوبة، 70 في المائة منها بالقطاع الخاص و30 في المائة بالقطاع العمومي. وبخصوص ''المقاولة الصحفية''، أشارت الدراسة ''المقاولة الصحفية'' إلى ضرورة اعتماد نموذج اقتصادي جديد للمقاولة الصحفية مبني على التشخيص الأولي حول تكاليف الانتاج والتوزيع والجانب القانوني والإداري، داعية إلى إجراء إصلاحات للنموذج الاقتصادي للصحافة المكتوبة ولاسيما فيما يتعلق بإعادة تنظيم شبكة التوزيع وإدخال التكنولوجيات الحديثة وإحداث نقط جديدة للبيع. في هذا السياق، اعتبر محمد بنعياد، متخصص في الإعلان، أن الإشهار في المغرب''سياسي بامتياز''، مشددا على ضرورة أن يفسح الكتاب الأبيض حول الإعلام (وهو خلاصة أشغال ورشات الإعلام والمجتمع) الفرصة لإعادة طرح سؤال الإشهار في الإعلام في المغرب، ومن تم، يضيف بنعياد، فإنه لا سبيل إلى تحقيق حرية التعبير وبالتالي أن تلعب الصحافة دورها في بناء الديمقراطية الحقة إلا بنزع الغطاء السياسي عن الإعلان. وأكد بنعياد من جهة أخرى، أن الإعلان يساهم من جهة في خلق الهوة بين الصحف العربية والفرنسية (تكريس هيمنة اللغة الفرنسية) هذا من جهة. ومن جهة أخرى، يشدد بنعياد، على أن عائدات الاشهار تكرس المنطق الذي تتبناه الدولة حتى داخل خانة الجرئد العربية(إغناء عناوين صحفية مقابل تفقير صحف أخرى) لمصلحة الجرائد التي تخدم بشكل أو بآخر أجندة الدولة. محمد العوني إذاعي ورئيس منظمة حريات الإعلام والتعبير: "مسألة تحكم السلطة السياسية في حقل الاعلام والصحافة تأكدت دائما عبر عدد من المؤشرات. لعل من أبرزها التساؤل عن أين تتوجه عائدات الإعلانات العمومية أساسا والخاصة كذلك. وباعتبار أن حرية الاعلام والصحافة تشكل جزءا أساسيا في البناء الديمقراطي، وخلق التنمية المجتمعية. فقد حان الوقت لكي تتعامل السلطة مع حقل الاعلام والاعلان بنوع من الشفافية. المغرب انتهج ولازال منطق التحكم في موارد الاعلان بالنسبة للصحف الوطنية بشكل ممنهج. وبالتالي المفروض في ظل الأوضاع التي ترفع فيها الشعوب العربية مطلب''الشعب يريد'' أن يتم ترشيد مجال الإشهار، وسن قانون واضح ينظم علاقة الصحافة بالمجال الإشهاري.هناك تحركات نقابية على عدد من المستويات للمناداة بإصلاح الإعلام في المغرب، هناك أيضا الدعوة إلى تنظيم يوم وطني لدمقرطة الإعلام. نشير أيضا إلى توصيات لقاءات الحوار الوطني للإعلام والمجتمع. وفي ظل دروس تونس ومصر التي كانت أبرز مطالب الجماهير هي مطلب تحرير وسائل الاعلام وتكريس منطق الشفافية والمنافسة الشريفة، فإنه على المغرب القيام بإصلاح كل أوجه الاعلام والصحافة الوطنية. ذلك أن الوصول إلى الأهداف(أبرزها تكريس منطق دولة الديمقراطية) فإنه من المطلوب إصلاح الأدوات والدعامات. ومن أهم مداخلها تحرير مجال الإعلان من التسييس والهيمنة.". علي أنوزلا مدير الموقع الإلكتروني ''لكم'': لقد طرأت تغيرات على علاقة الصحافة بقطاع الإعلان، ليس فقط في المغرب. بل في أوروبا أساسا، حيث أصبح المعلن هو الذي يتحكم في المنتوج الإعلامي، مما ولد ظواهر مثل ظاهرة ''برلسكوني'' في إيطاليا و''ماردوخ'' في التجربة الأنكلوساكسونية، حيث أصبح صاحب المال هو الذي يتحكم في الإنتاج الصحفي. مما أصبحت معه تهتز مكانة الإعلام كسلطة رابعة. فالمعلن هو الذي أصبح يحدد للعديد من وسائل الإعلام سقف تحريرها. وأدى بمنظري الإعلام الجدد إلى الحديث عن موت السلطة الرابعة نتيجة هذا التدخل المستفز لصاحب المال والسلطة. المغرب ليس بعيدا عن هذا الواقع، فتاريخ صحافة المغرب يبرز أن صحافة الأحزاب كانت تعتمد على أريحية المناضلين، لكن مع ولادة صحافة مستقلة تحولت كثير من الصحف إلى مقاولات تجارية، مما جعل الإعلان يدخل في صناعة الصحافة. لكن أصبح الإعلان يتدخل في التوجيه عن طريق التمويل، وتحديد سقف خطوط التحرير.. حتى هذا الحد كانت الأمور ربما مفهومة ونمطية، لكن بما أننا نعيش في دولة ''غير ديمقراطية'' حيث السلطة السياسية هي نفسها تملك السلطة المالية(وهذا هو الفرق بيننا و بين الدول الغربية) فقد أصبحت السلطة عندنا تتدخل في التوجيه والتأثير، ومحاولة حمل الصحف على الرضوخ لخط تحريري معين . وبالنسبة للتجارب التي لم تفلح السلطة السياسية في تغيير خط تحريرها (عبر محاكمات وغرامات وتكميم أفواه ) فإنها تلجأ إلى وسيلة أكثر سلاسة لمراقبة وضع تلك الصحف، وذلك من خلال مايطلق عليه الرقابة الناعمة. وهي أسوأ أنواع الرقابة ، لأنها تتوسل عبر المال إلى الإخضاع وتكميم الأفواه. يحيى اليحياوي أستاذ الاقتصاد الرقمي وخبير إعلامي: الإشهار ليس فقط سلاح بيد السلطة السياسية، بل هو أيضا سلاح بيد المقاولات الكبرى( اتصالات المغرب، ميديتيل، أونا...). وعلى اعتبار أن هاته المقاولات الكبرى تتحكم فيها غالبا خلفيات فرنكفونية فإنها بالنتيجة تتعامل مع الصحف الفرنسية. واعتبر أن أرقام عائدات الإشهار منذ ثلاثين سنة وهي في نفس التوجه. وهو مايثير التقزز، بالنظر إلى الخلفيات المتحكمة فيها في منح الإشهار إلى هاته الجهة من عدمه.من جهة أخرى، اعتبر أن مجال الاشهار في المغرب، مثله مثل منح مايسمى ب''الكريمات'' في مجال النقل، أو رخص الصيد في أعالي البحار، أو غيرها من المنافع التي لاتمنح وفق الضوابط القانونية والشفافية المسطرية اللازمة. بل تعطى بمنطق الزبونية والولاءات. وهو مايؤدي وفق هذا المنطق، إلى نفخ العوائد الاشهارية لبعض العناوين الصحفية، و''تفقير'' العناوين التي تحاول(عبر خطها التحريري) مناهضة لوبيات الفساد، أو مناهضة بعض توجهات السلطة. إن الأولوية في سبيل بناء نظام إعلامي وطني، يجب أن تتجه إلى سن قانون ينظم علاقة الاشهار بالاعلان. قانون منصف يستند في منح الإعلان إلى معايير دقيقة، ووفق مؤشرات مضبوطة. لكن في غياب اللوائح والتشريعات الضرورية يصبح ''العطاء'' يتم وفق ضوابط تفتقر إلى الشفافية وبدون محاسبة. وهنا أتساءل: لماذا كل المرافق الاقتصادية والاجتماعية مؤطرة وفق قوانين ويستثنى من الضبط قطاع الاشهار في الصحافة؟ أليس كل من لايمسه القانون يخضع بالتالي لمنطق الحسابات والرهانات، بل يصبح مصدر للغنيمة؟ التحكم في ''قناة'' تصريف الإشهار الأسلوب الحديث في ضبط الصحافة بالمغرب علي الباهي:ظل الإعلام والصحافة في المغرب منذ الاستقلال آلة بيد السلطة السياسية تستعملها لشرعنة سياساتها في مختلف المجالات، وفي تنفيذ سياساتها العمومية. فقد لعبت التلفزة والاذاعة الوطنية وعدد من المنابر الصحفية دورا أساسيا في إعلاء صوت السلطة في الساحة التي ساد فيها منطق الصراع. وكانت الصحافة ركيزة لاستمالة المتلقي المغربي لتبني مجمل الطروحات الرسمية. ولإن عرفت حقبة التسعينيات من القرن الماضي بروز عناوين صحفية خرجت عن ثنائية صحافة السلطة أو صحافة أحزاب المعارضة، إلا أن هذا الوضع الذي طرأ على مستوى العناوين لم يغير الكثير على صعيد الاستراتيجيات الإعلامية المتنافسة على أرض الواقع. لقد ظلت وظيفة الصحافة من منظور السلطة السياسية بالمغرب عبارة عن أداة (ليس لتنوير الرأي العام والرقي به ومنبرا لفتح نقاشات عمومية) بل هي أداة لتصريف مواقفها واستراتيجياتها في السياسة والاقتصاد والثقافة والفن، أي وسيلة لتكريس مواقفها وإستراتيجيتها العامة والقطاعية. لقد شكل وما يزال الإشهار سلاح بيد السلطة لخلق توازنات مرغوب فيها في حقل الصحافة الوطنية. هاته الآلية يتم أجرأتها أساسا عن طريق التحكم في قناة تصريف الإعلانات في اتجاه الصحافة. هذا التحكم يسمح للسلطة بدعم الصحافة المرغوب فيها. ثم حجب الاشهار عن الصحافة التي تمتلك بعض مقومات السلطة المضادة. وعبر آلية التحكم في الاشهار تعمد السلطة إلى إعدام منطق المنافسة ضمن منظومة اشتغال الصحافة الوطنية كل هذه المعطيات تجعل من سؤال الإشهار والصحافة سؤال اليوم بامتياز. إستراتيجية الدولة في مجال الصحافة: التحكم في قنوات الأخبار كانت إستراتيجية السلطة في المغرب من ناحية تدبير قطاع الصحافة، يتسم بعدد من السمات، التي ظلت ولعقود تشكل خارطة الطريق للفاعل الرسمي، قصد تدبير هذا القطاع الأكثر حساسية بطبيعة وظيفته المجسدة في التواصل مع الرأي العام. ويمكن الحديث عن إستراتيجية الدولة في سبيل التحكم في مسارات عالم الصحافة من خلال عدد من مؤشرات التسلط على حقل الإعلام: أولا ، رسم عدد من الخطوط الحمراء، وتكريس منطق عدم الاقتراب منها. ثانيا: التدخل في بعض المحطات ضد بعض العناوين الصحفية بدعوى المصلحة العامة. ثالثا: احتكار المعلومة في ظل غياب قانون يسمح لمختلف الفاعلين النفاذ إلى المعلومة. رابعا: ضغط لوبيات وأصحاب المصالح الخاصة على وسائل الإعلام. خامسا: استغلال الدعم الاشهاري لتكميم عدد من المنابر ومحاولة خلق أزمات التمويل لدى البعض الآخر. في هذا السياق، يعتبر يحيى اليحياوي، أستاذ الاقتصاد بكلية الحقوق بالرباط وخبير إعلامي، أن علاقة السلطة بالإعلام علاقة شائكة. هاته المعادلة في المغرب يملؤها التناقض والتنافر والتمنع والممانعة والاحتراب. لهذا نجد عنصر التجاذب غالبا مايتم على خلفية حرية التعبير، بين مستوى يملك السلطة الرمزية والقوة''الخشنة''. وبين مستوى لا يملك إلا بعضا من عناصر القوة الناعمة يفعلها بين الحين والآخر. ويضيف اليحياوي: السلطة بطبيعتها تجنح للتسلط، والتسلط معناه أن تدعم في صلبها كل الفضاءات سيما المناهضة لها، أو المتطلعة للاستقلال عنها، أو الدوران في فلك غير فلكها. ومن تجليات هذا التسلط أن عمدت السلطة في المغرب منذ الاستقلال إلى خلق منابر خاصة لتصريف مواقفها ورؤاها، مع ترك هامش غير مؤثر في الإستراتيجية الإعلامية للدولة. مع تسييج ذلك بعدد بترسانة قانونية وإجراءات تجعل صوت الدولة لا يعلى عليه. بل إنه في فترات تاريخية محددة تم إلحاق وزارة الإعلام بوزارة الداخلية(أيام وزير الداخلية إدريس البصري) كعنوان للسعي لضبط قنوات تصريف المواقف الرسمية. ويذهب محمد بوبوش، باحث في العلاقات الدولية، إلى أن '' هناك أحداث كثيرة في المغرب بينت بشكل واضح أن حرية الإعلام محدودة ومشروطة بالانقياد لضوابط صارمة . مما يعني أن الإعلام المغربي لم يصل لتكسير الحدود الحمراء وليمارس مهمته على أحسن وجه''. وإذا كانت فترات الستينيات إلى حدود التسعينيات من القرن الماضي قد تميز بحضور عناصر الضبط الأمني للمجال الصحفي، من مؤشراته إغلاق عدد من الصحف، ومتابعة بعض الصحفيين، وتغريم البعض من المنابر. بل إن التضييق كان يصل إلى حدود تهديد الصحافة والصحفيين في حياتهم وأرزاقهم. لكن التحولات التي سيعرفها المغرب مع تسعينيات القرن الماضي( خاصة على مستوى حقوق الإنسان والانفراج النسبي على صعيد الحريات العامة) سيفرض على أصحاب القرار الاستناد إلى مقاربات خاصة لضبط مسارات الصحافة والإعلام بالمغرب. ومن أبرز هاته الأدوات يبرز مجال الإعلانات والإشهار. الإشهار سلاح ذو حدين مع تحول أغلب الصحف المغربية مع منتصف التسعينيات من القرن الماضي من صحف تعتمد على مبدأ الدعم الرسمي أو الحزبي، إلى أن تصبح صحف مقاولاتية. أضحى للإعلان الدور الأساسي في تمويل الصحف بمختلف مشاربها وتلاوينها. هذا المعطى أفرز تحولات في الجسم الصحفي الوطني. سواء على مستوى المهنية أو على مستوى طرق تمويل التكاليف الباهظة التي أصبح الإصدار اليومي للصحافة تتطلبها. بالموازاة مع ذلك عرف عالم المقاولات الاقتصادية وعالم الإنتاج نوعا من الاتساع بفعل سياسة تحرير الاقتصاد الوطني المنتهجة منذ 1983(سنة بداية التقويم الهيكلي وإطلاق مسلسل الخوصصة). في ظل هاته المعطيات انتبه أصحاب القرار إلى الدور الحيوي لعائدات الإشهار في خلق خالة من التوازن داخل الجسم الصحفي. من هذا المنطلق، ومن منظور أنه من شبه المستحيل على أية صحيفة أن تعيش بدون عائدات الإشهار، أضحى الإعلان سلاح ذو حدين بيد السلطة. ومما يساعد السلطة في التحكم في هذا السلاح عدو عوامل. أولها: أن عالم الاقتصاد الوطني لم يستقل بعد عن توجهات الدولة، بحكم أن معظم هذا الاقتصاد المخوصص نشأ من منطق اقتصاد الريع. فمن المستحيل أن يعمد أحد أرباب المقاولات في المغرب على تزويد جريدة مغضوب عليها من قبل السلطة بالإعلانات. ثاني العوامل تكمن في أن حصة مهمة من الإعلانات تديرها المؤسسات العمومية والشركات التي تمتلك فيها الدولة حصة من الأسهم. ثالث العوامل التي تمنح السلطة إمكانات التسلط على الحقل الصحفي هو أن قنوات تصريف الإعلانات ''لم يتم تحريرها بعد''، بل إن أشخاصا متنفذون من السلطة هم المتحكمون بزمام هاته القنوات. وكجزء من ضبابية المشهد الصحفي المغرب في علاقته مع مجال الإشهار، يشير يحي اليحياوي إلى ظاهرة الصحف المستقلة قائلا: '' قد تدعي بعض المنابر الغير حزبية أنها مستقلة وصاحبة قرار. قد نسلم بذلك بوجه السلطة مثلا. لكننا لا نستطيع أن نسلم بذات الاستقلالية عندما نعلم من أين يأتي دعم هذه المنابر وكيف تتحصل على الإعلانات، وكيف تجاري هذه الجهة أو تماري تلك''. إن منطق التسلط الممارس على الصحافة خلق نوعا من الالتباس في الرسالة الإعلامية لعدد من المنابر، كما يجعل المنافسة الإعلامية الشريفة أمرا متعذرا. وهو الأمر الذي يجعل من تحرير قطاع الإشهار من التحكم السلطوي إحدى الركائز الأساسية إرساء نظام إعلامي وطني نزيه يساهم في بناء دولة الديمقراطية الحقة.