لم يبق من مؤسسي الاتحاد المغاربي في السلطة أي أحد من الموقعين على معاهدة مراكش في 17 فبراير 1989 .واحد من الخمسة لبى داعي ربه عشر سنوات بعد ذلك هو الراحل الحسن الثاني ، وواحد أطاحت به الثورة قبل سنة في ذكرى موعد تأسيس هذا التجمع الاقليمي ، إنه زين العابدين بنعلي . وفي موريتانيا غادر الرئاسة معاوية ولد الطايع بانقلاب في غشت 2005 بعد أن جاء اليها بنفس الطريقة في سنة 1984 . وفي الجزائر أقالت المؤسسة العسكرية الشادلي بنجديد في يناير 1992 . والرئيسان ولد الطايع وبنجديد مازالا على قيد الحياة ، الأول يعيش لاجئا في السعودية كما هو الشأن بالنسبة للهارب بنعلي، والثاني معتكف في إحدى ولايات بلاده. أما العقيد معمر القذافي ، حاكم ليبيا السابق، فلقي مصيرا مأساويا بعد أن أبادت كتائبه في السنة الماضية حوالي 50 ألف ليبي وانتهى به المطاف مختبئا في «قناة صرف المياه» ليقتل ببشاعة. اليوم خماسي المغرب الكبير لم يحضر قط مجلس الرئاسة الذي تنص عليه المادة الرابعة من معاهدة التأسيس . إنهم الجيل الثاني الذي جاء إلى السلطة من بوابات مختلفة ، جاؤوا في مرحلة جمود اتحاد المغرب العربي بعد أن أغلقت الجزائر حدودها مع بلادنا في غشت 1994 وابتدعت مقاربتها التي تربط فيها بين عودة الروح لجسد الاتحاد بملف الصحراء، وهو تعبير سياسي تفسيره الوحيد معاداة جارتنا الشرقية لوحدتنا الترابية . وفي كل مناسبة يبرز فيها بريق الأمل بأن تستعيد معاهدة مراكش مسارها الطبيعي، تخرج الرئاسة الجزائرية وإعلامها الصيغة المبتذلة لتُجهض هذا الأمل. في نهاية الاسبوع الماضي تصدر موضوع اتحاد المغرب الكبير تصريحات مسؤولي المنطقة المغاربية الذين تواجدوا بتونس للاحتفال بالذكرى الاولى لثورتها التي تصادف 14 يناير. فالرئيس التونسي منصف المرزوقي جعل من أولويات السياسة الخارجية لبلاده تفعيل الاتحاد من خلال ماوصفه ب«الحريات الخمس»، أي حرية التنقل داخل بلدان المنطقة ، وحرية الاستقرار وحرية العمل وحرية التملك، وحق المشاركة في الانتخابات البلدية للمستقرين ، مؤكدا أنه سيقوم قريبا بزيارة المغرب والجزائر وموريتانيا لبحث هذا الموضوع ، مشيرا إلى أن «الكثير من العقليات تغيرت ، وأننا سنذهب سريعا باتجاه الفضاء المغاربي، مع حفاظ كل دولة على خصوصيتها واستقلالها وسيادة قرارها ». وكان المرزوقي قد زار ليبيا في 2 يناير الجاري ودعا من طرابلس إلى إحياء «مشروع المغرب العربي» والعمل من اجل «بناء الوطن المغربي الكبير». نفس التوجه ، أي إخراج الاتحاد من جموده ، عبر عنه المسؤولون بموريتانيا والمغرب وليبيا التي سيصادف احتفالها بالذكرى الاولى لثورتها ، ذكرى تأسيس اتحاد المغرب العربي ( 17 فبراير ) ، وحدها الجزائر التي رددت على لسان رئيسها عبد العزيز بوتفليقة في كلمته بتونس ، صيغة الربط بين تفعيل الاتحاد وقضية الصحراء. والغريب أن الإعلام الجزائري الذي يدور في فلك النظام وأجهزته، اعتاد على ترديد نفس اللازمة ، بل حتى الحوارات التي تجريها هذه المنابر حتى ولو كانت مع كائن فضائي نزل على الارض، تتضمن السؤال حول الصحراء و«تقرير المصير»؟! ، سؤال على المقاس الجزائري. إن استئناف قطار الاتحاد المغاربي لمساره يلزمه رفع الصخرة التي تضعها الجزائر على سكته . لقد ضاع عقدان من الزمن بسبب العرقلة الجزائرية وضاعت فرص عديدة لتنمية المنطقة وفتح فرص الاندماج والتكامل بين إقتصادياتها والتواصل بين شعوبها . ونتمنى أن ينجح الرئيس منصف المرزوقي في تنقية مسار القطار، كي نركبه جميعا ونحن على عتبة الذكرى الثالثة والعشرين للتأسيس.