1 وسع الربيع العربي من مجال ثورته بالإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي . وأصبحت ليبيا ثالث بلد عربي يضطر رئيسه التخلي عن كرسي الرئاسة تحت ضغط الشارع . في البدء كانت تونس التي فر رأس النظام فيها وعائلته إلى السعودية. تلتها مصر التي أقال شعبها رئيسها وقدمه إلى المحاكمة. وهاهي ليبيا تنجز ثورتها ويهرب أقدم رئيس في العالم، تاركا وراءه آلاف الضحايا خلال الستة أشهر الماضية، بعد أن جرب أولاده وكتائبه كل أشكال التنكيل من القتل والحرق والإعدام والإبادة الجماعية في حق شعبه . في المغرب العربي الآن، تم إنجاز ثورتين.ومن الصدف أن الثورة الليبية اتخذت لها نقطة انطلاق هو يوم 17 فبراير ذكرى تأسيس اتحاد المغرب العربي، التجمع الإقليمي الذي تم تأسيسه سنة 1989 . وبرحيل العقيد القذافي يكون آخر وجه من تلك الصورة الجماعية التي احتضنت الموقعين على معاهدة مراكش وهم يطلون من شرفة بلدية مدينة النخيل قد خرج من السلطة. في البدء غادر الرئيس الشادلي بنجديد الذي اضطر, تحت ضغط المؤسسة العسكرية للإستقالة في يناير 1992 عقب انتخابات تشريعية حصلت في دورها الأول الجبهة الإسلامية للإنقاذ على أغلبية المقاعد. وفي يوليوز 1999 توفي الملك الحسن الثاني إثر مرض ألم به بعد 38 سنة من الحكم. وفي غشت 2005 سقط الرئيس معاوية ولد الطايع بانقلاب وهو خارج بلاده ؛بعد عقدين من الرئاسة التي جاء إليها من خلال انقلاب عسكري في دجنبر 1984، ويوجد حاليا لاجئا بقطر. وفي يناير الماضي هرب الرئيس التونسي زين العابدين بنعلي إلى السعودية قبل أن يكمل ربع قرن في الرئاسة التي استولى عليها من خلال انقلاب طبي على الرئيس الحبيب بورقيبة. وهاهو القذافي الذي جثم على صدر ليبيا أربعة عقود يتم اقتلاعه بالحديد والنار ومطلوب رأسه حيا أو ميتا مقابل مليون دولار. لم يجد ملك ملوك إفريقيا من يسنده في تقتيل شعبه والتشبث ب»الجماهيرية» سوى النظام الجزائري. فصديقه عبد العزيز بوتفليقة ظل يراوده الأمل في أن يصمد باب العزيزية وتنكسر ثورة 17 فبراير.واتخذ لهذا الأمل مبررا :»عدم التدخل في الشؤون الداخلية» . إذ يبدو أن طعم السلطة استطاب لدى الرجلين ، فالقذافي الذي جاء عن طريق انقلاب عسكري إلى رئاسة ليبيا عايش خمسة رؤساء جزائريين وجرب كل الخطابات ليبحر ببلاده في متاهات كرست وجهه الدكتاتوري :»وحدويا»و»قوميا»و»ثوريا»و»مغاربيا»و»إفريقيا» و... وبوتفليقة يعد اليوم أقدم شخصية سياسية عربية وإفريقية تولت الشأن العام الوزاري والدبلوماسي ، وواحد من عناصر الثورة الجزائرية ورموز الحكم في عقدي الستينات والسبعينات حيث لمع نجمه في عهد الرئيس أحمد بنبلة وبصفة أكبر في ظل الرئيس الهواري بومدين الذي قاد الجزائر عقب انقلاب في 1965 وإلى نهاية السبعينات. وحينما قرر بوتفليقة العودة إلى الجزائر في نهاية التسعينات اشترط على المؤسسة العسكرية أن تحمله إلى الرئاسة التي قضى فيها إلى الآن إثنى عشر سنة. كان حبل الود متينا بين رجلي باب العزيزية والمرادية . لقد وجد القذافي في النظام الجزائري الجدار المغاربي الذي يستند إليه وهو يصوب صواريخ «غراد» ضد شعبه ويصفه بأبشع النعوت .وبالرغم من أن الثوار دخلوا العاصمة طرابلس، لم تشأ الجزائر الإعتراف بهم وبشرعيتهم . بل قدمت دعما لوجستيكيا لبقايا نظام «ملك الملوك» أبرزت عدة مصادر دبلوماسية وإعلامية ليبية ودولية بعضا من أوجهه: تجنيد مرتزقة وتسليم ضباط منشقين عن القذافي والزج بشركة الخطوط الجوية الجزائرية لنقل آلاف المتطوعين من بلدان إفريقية لنجدة صاحب «الكتاب الأخضر». و...إستقبال عائلة القذافي وعدد من أتباعه وأمواله فوق أراضيها وتوفير أحد القصور لهم بنواحي العاصمة الجزائر. 2 في المغرب العربي تشكل ليبيا والجزائر حوالي أربعة أخماس مساحة هذا التجمع الإقليمي الممتد من حدود مصر الغربية إلى المحيط الأطلسي بمحاذاة الصحراء الكبرى والضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط ب 5.7 كلم مربع، نصيب البلدين منها أكثر من 4.1 كلم مربع . أما من حيث عدد السكان فيقطنهما 50 بالمائة أي حوالي 40 مليون نسمة. فالجزائر التي تجاور بقية اقطار المغرب العربي تعد أكبر بلد عربي وإفريقي من حيث المساحة بعد انفصال الجنوب السوداني والعاشرة عالميا. أما ليبيا فالسابعة عشر على المستوى العالم . وبين البلدين حدود تبلغ 982 كلمتر . وهذه الخصائص الجغرافية والديمغرافية لم تستفد من الإمكانيات الإقتصادية لديهما . فعائداتهما من المحروقات قاربت ال 100 مليار دولار سنة 2010. لكن هذه المداخيل لم تنعكس على أوضاع الشعبين وعلى البنيات والخدمات الاساسية . فمشاكل الفساد والبطالة والسكن والتطبيب والتعليم وغيرها، شأنها شأن بقية أقطار المنطقة ، تضرب بعمق في المجتمع. والديمقراطية مغيبة عن قصد، فنظام القذافي ألغى العمل السياسي وتنظيماته من أحزاب ومنظمات وإعلام . ولاوجود لإنتخابات أو تعبير عن الإرادة . والمجتمع المدني تم تلخيصه في أنشطة عائلة العقيد التي عاتت في البلاد نهبا وفسادا ...وفي الجزائر التي جاء بوتفليقة إلى رئاستها من خلال بوابة العسكر تم التضييق على المرشحين المنافسين للمنصب في انتخابات 1998 و2004 و2009 إلى درجة انسحابهم تنديدا بالتلاعب في هذه الاستحقاقات . بل إن النظام عمد إلى تعديل الدستور ليفسح المجال لولاية رئاسية جديدة بعد أن كانت محددة في ولايتين. الجزائر اليوم بفضائها الجغرافي أغلقت كل حدودها تقريبا مع جيرانها . فبعد المغرب الذي أدت تطورات العمل الإرهابي بمراكش في غشت 1994 إلى اتخاذ جارته الشرقية لقرار إغلاق حدودها معه والممتدة على طول 1600 كلم ؛ هاهو نفس القرار أتخذ الأسبوع الماضي تجاه الحدود مع ليبيا. أما الحدود الجنوبية ففي حكم المغلقة بسبب تواجد مجموعات مسلحة تنشط في الساحل والصحراء الكبرى. 3 اليوم، بعد التحولات التي عرفتها منطقة المغرب العربي، لابد من إعطاء نفس لهذا التجمع الإقليمي الذي يحتاج إلى إرادة سياسية من كل أعضائه ليساهم بإمكانياته الطبيعية والبشرية في تنمية الاقطار الخمسة وبلورة الأهداف التي نصت عليها معاهدة مراكش والمتمثلة في: « - تمتين أواصر الأخوة التي تربط الدول الأعضاء وشعوبها بعضها ببعض. - تحقيق تقدم و رفاهية مجتمعاتها والدفاع عن حقوقها. -المساهمة في صيانة السلام القائم على العدل والإنصاف. - نهج سياسة مشتركة في مختلف الميادين. - العمل تدريجيا على تحقيق حرية تنقل الأشخاص وانتقال الخدمات والسلع ورؤوس الأموال بينها». ولن يتأتى هذا النفس الجديد إلا بإعادة صياغة أسس جديدة للعمل المغاربي تفتح فيه الحدود في وجه اقتصاديات البلدان الخمس وتتمتع المؤسسات المنتخبة بمصداقية ونزاهة عبر اقتراعات تحترم فيها إرادة الناخبين ,وإفساح مساحات واسعة للمجتمع المدني وللقوى السياسية ، وإحداث آليات لتكريس الديمقراطية ليس فقط من اجل تنمية المنطقة ، بل كذلك وأساسا صون الحق في الحياة. ألم يزهق غياب الديمقراطية بمغربنا العربي أرواح أكثر من 250 ألف شخص في العقدين الماضيين؟؟ حصدت العشرية السوداء في الجزائر التي نجمت عن تراكم ممارسات الحكم الشمولي إلى وفاة أكثر من 200 الف، وهاهو نظام القذافي يتسبب في مقتل مايقارب ال 50 ألف. نحن اليوم بحاجة لمغرب عربي تتمتع شعوبه بالديمقراطية والحرية، لا لأنظمة تمانع في الإصلاح، وتغتصب السلطة وتتشبث بها ولو على جثت هذه الشعوب.