فوجيء المتتبعون للشأن العام بالمقال الموقع من قبل الاستاذ خالد الناصري المنشور في جريدة البيان عدد 6534 بتاريخ 11-12 / 1 / 2012 تحت عنوان ( منازعات المعارضة في حاجة الى شيء من الرصانة) ، ليس فقط بمضمون الطروحات التي قدمها و إنما ، على الخصوص ، بعنف الكلمات التي اختار أن يؤثث بها انتقاده للمعارضة ، ولكل من أبدى رأيا حول ما تعرفه بلادنا من حراك . مع أن الأستاذ الناصري بحكم المهام التي تولاها كأستاذ جامعي و محام و ناطق باسم حكومة، يملك من العبارات ما يعفيه من استعمال كلمات تتقرب من القذف و السب العلني مثل عبارة « الحاجة الى شيء من الرصانة» و غيرها من الكلمات والعبارات التي لا يليق ترديدها مرة أخرى على القارئ. إن الإشكال المطروح اليوم على الحكومة و على النخبة السياسية المدعمة لها، و التي يجب أن تكون حاضرة و مؤطرة لعمل هذه الأخيرة يوميا حتى لا تخرق الدستور مرة أخرى ، هو مدى استيعاب التحول الكبير الذي حمله دستور 2011 و الى أي مدى يمكن للنخبة السياسية بصفة عامة أن تتعود الاشتغال تحت سقف الدستور و ليس فوقه بإعطائها تفسيرات لمقتضيات الدستور لا وجود لها في أي فصل من فصوله، بل أحيانا مناقضة لقواعد ذلك الدستور نفسها . إن الدستور هو الميثاق الذي توافق عليه المغاربة بأغلبية جد كبيرة ، و بالتالي لا يحق لأي كان و من أي موقع كان، أن يدبر الشأن العام خارج تلك القواعد و خارج ما ينص عليه الدستور ، وهو المبدأ المعروف بسمو الدستور ، أي خضوع من يدبر الشأن العام للقواعد التي توافق عليها المغاربة في نص الدستور. إن الفكر الذي أسس و أطر دستور 2011 هو فكر مختلف عن الذي أطر دستور 1996 ، و الذي كان يحصر تنصيب الحكومة في تعيين الملك لها ، و الذي لم تكن تشاركه في ذلك التنصيب أي سلطة أخرى، وهو الأمر الواضح من الفصل 60 من ذلك الدستور الذي كان ينص على ان الحكومة تكون منصبة بمجرد تعيينها ، و لم تكن تحتاج الى الحصول على ثقة البرلمان . بل حصر ، الفصل المذكور ، مهمة البرلمان في التصويت على برنامج الحكومة و ليس على الحكومة . بل إن حرص دستور 1996 على تثبيت أحادية التنصيب جعله يشترط للتصويت ضد البرنامج سلوك المسطرة المنصوص عليها في الفقرة الثانية و الثالثة من الفصل 75 . و التي بالرجوع الى الفقرة الثانية ومثلا من ذلك الفصل نجدها تنص على مايلي : « لا يمكن سحب الثقة من الحكومة أو رفض نص قانوني إلا بالاغلبية المطلقة». فهذه الفقرة تؤكد أن الحكومة في ظل دستور 1996 لا تحتاج الى حصولها على ثقة البرلمان . بل إن على البرلمان إذا ما أراد أن يسحب منها تلك الثقة أن يصوت عليها بالأغلبية. غير ان التحول الكبير الذي سيعرفه دستور 2011 يتمثل في كونه قلب هذه المعادلة و أصبحت الحكومة هي الملزمة بالحصول على ثقة البرلمان لكي تصبح منصبة و بالتالي يمكنها ممارسة السلطة التنفيذية ، وهذا التحول يتلخص في أمرين: - الاول : هو الربط بين التعيين الذي هو سلطة خالصة للملك، و بين التنصيب الذي هو اختصاص للبرلمان - الثاني : هو التأكيد على أن الحكومة المعينة لكي تمارس السلطة التنفيذية يجب عليها أن تحصل على ثقة البرلمان وفق ما تنص عليه الفقرة الأخيرة من الفصل 88 من دستور 2011 التي ورد فيها مايلي : « تعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة البرلمان» . بينما الفصل 60 من دستور 1996 لم يكن يلزم الحكومة بالحصول على ثقة البرلمان لكي تكون منصبة و تتمكن من ممارسة السلطة التنفيذية. إن هذا هو الرأي الذي أجمع عليه عدد من أساتذة القانون الدستوري مثل الأستاذ امحمد مالكي و أحمد مفيد و أستاذ التعليم العالي أحمد حضراني (الرجوع الى آرائهم المنشورة في جريدة الوطن الآن عدد456 ليوم الخميس 12-01-2012 ) . و هكذا يتأكد أن ما عبرنا عنه من عدم دستورية تسليم السلط و عدم دستورية ممارسة السلطة التنفيذية قبل الحصول على ثقة البرلمان، هو التنزيل الحقيقي للدستور ، إذ أن الدستور لا يحتاج ما أصبح يتداول من « تنزيل ديموقراطي» و تأويلي للدستور ، و إنما هو محتاج فقط الى تنزيل دستوري للدستور ، أي تطبيق قواعده كما هي وليس كما نريدها ان تكون. إن النقاش الدستوري هو الوسيلة السليمة لتطوير العمل السياسي في بلادنا مما يتعين القبول به و التجاوب معه بروح علمية . إن المعارضة ، كما سبق للأخ فتح الله ولعلو ان عبر عن ذلك، هي معارضة اتحادية ترمي الى تعزيز البناء الديمقراطي للمؤسسات و ستكون دعما لكل عمل يسير في هذا الاتجاه و منبهة لكل خرق بكل موضوعية و مهنية و بدون تشنج.