هل يمكن أن ترسم قهقهة، يمكن إذا استطعت أن ترسم رائحة الخوخ في قصيدة هايكو؟ عليك أن تتمرن على العيش بالقرب من عنيبة الحمري، وقتها سيسعفك الصدى، وهو يتجول بين السماء وصديقه الجبل، على أن تجد الألوان. ربما قد يليق الأصفر الجعوي في أن نرسم البهجة على ملامحه، أو لعله الوفاء نفسه للعبارة التي تسعف صاحبها، هو الذي يجعل منه قوس قزح في ليالينا البيضاء.. القهقهة ليست هي دائما سكر الكآبة المضاد، ولا مبيد الحشرات التي تتراكم كثيرا بفعل الإشاعة النمطية ، هي الضحكة، التي تعني بصمة صاحبها في الحياة، كما هي القصيدة بصمته أيضا في الحياة وفي الصمت البعيد. إنها خطة شبه حربية ليتركنا بعيدين عن مركز القيادة أو المختبر الذي يركن فيه إلى صمت الكتابة، هل سمعتم أبدا قصائده تقهقه و صخبه؟ هي عميقة جدا، لا تصلنا ذبذباتها، بسرعة الصوت، كما الضحك، بل بسرعة خاصة، سرعة المجاز بالذات. عشت مع عنيبة قبل أن ألقاه، كجيل واسع، كشتاء من الأصدقاء ومن العشرة. عشت معه في شارعه الطويل الذي يندد بالليل الطويل، وبالإيديولوجيا وبالبوليس ويسخر من الحب.. إمعانا في المشاكسة، وإمعانا في الالتزام، ولربما كمقدمة لكي ينتصر الشعر من بعد على المهزلة. جيله يقرأ جيلنا، ويرسم ملامح تشبهه، وعنيبة هو الوحيد في ظني الذي لم أرسم له صورة ما، ولعلها تلك طريقته في استدراجي إلى معرفته. من يدري، فهو بمجرد أن يفارقنا يختفي، ألا يمكن أن يكون ساحرا مثلا. ساحر يكتب الشعر .. ويضحك بجلبة. طويل الخاطر فعلا، حتى ونحن نبالغ في الجعة.. أعرف أن معرفتي به كانت فخرا لي.. أول مرة كان ذلك في مقهى ابن بطوطة ، إذا ما أسعفني تاريخ الذاكرة، وبعدها لم ألتق به أبدا في مقهى ولا في مطعم أو حتى في مكتبة. ألتقيه دوما في مكان موضوعي للغاية وفي القصيدة، مكاننا الذي نحمله ويحملنا، ونمشي به ويمشي بنا.. لم ولم أخصه بالمجاملة التي يستحق.. فهو لو أنه اكتفى فقط بعنوان «داء الأحبة» لكان شاعرا .. هو يدرك أن الإبحار ،، الرعشات والبياض هما رياح الشعر، الذي يطير في الاتجاه المعاكس له.. ومن شدة ما يحيط نفسه بالصمت، يبدو لي أنه لا يكتب القصيدة، بل يرسمها، كما هي اللوحة قصيدة صامتة، أو كما هي القصيدة لوحة ناطقة.. لا يحب عنيبة أن نثرثر كثيرا في حبه، يريدنا مقتضبين جدا لخجله الذي لا تستطيع القهقهة، مهما علت، أن تخفيه، وأيضا لأنه يريدنا أن نكون مكدسين في محبته، متراصين، متوجهين إلى قلبه، مثل مطر طارىء .. في المخيلة، يريدنا أن نكون مثل طلقة، أو مثل رصاصة من عطر.. ونمر إلى ما يهم، كأسنا .. فصاحتنا الدائمة.