أشرفت مديرية الإعلام والتوجيه بوزارة التربية الوطنية على إعداد دليل أنشطة الإعلام والمساعدة على التوجيه بدعم من منظمة الأممالمتحدة للطفولة UNICEF، وذلك في إطار تنزيل وترجمة المنظور الذي جاءت به المذكرة 17 الصادرة في 17 فبراير 2010، والتي تبنت مقاربة تربوية وتشاركية في التوجيه، حيث جعلت «التوجيه السليم شأنا عاما يتقاسم مسؤوليته» كل من المجتمع المدرسي والفاعلين الخارجيين الذين لهم صلة بتوجيه وتشغيل الأجيال الصاعدة. ويقدم هذا الدليل إطارا مرجعيا لأنشطة الإعلام والمساعدة على التوجيه، سواء على مستوى الأهداف والمبادئ والمقاربة المعتمدة أو على مستوى آليات تفعيل وتصريف الأنشطة ودور مختلف المتدخلين في ذلك، بالإضافة إلى وضع بطاقات وصفية لنماذج من هذه الأنشطة. المختار شعالي قد حددت هذه الوثيقة دور المجلس التربوي للمؤسسة في «إعداد مشروع برنامج أنشطة الإعلام والمساعدة على التوجيه وتتبع تنفيذه وتقويمه»، وحددت دور مجلس التدبير في المصادقة على هذا البرنامج وإدراجه ضمن برنامج العمل السنوي الخاص بأنشطة المؤسسة وتتبع مراحل إنجازه، وأوكلت «مهمة التنشيط لكل فاعل تربوي أو إداري يتوفر على الكفايات الأساسية في مجال التنشيط»(دليل أنشطة الإعلام والمساعدة على التوجيه). ويتم إخضاع حاليا هذا الدليل إلى «التجريب على مستوى المؤسسات الثانوية بأكاديميات ثلاث (وجدة ومراكش وأكادير)». كما يتم أيضا، مند السنة الماضية، تكوين الأساتذة وأطر الإدارة التربوية في مجال الإعلام والمساعدة على التوجيه على المستوى الوطني. ويندرج هذا المقال في إطار دعم هذا التوجه والمساهمة في إشاعة المستجدات في أدبيات التوجيه، وتعتبر المقاربة الموجهة في التربية من أهم هذه المستجدات. ما هي هذه المقاربة؟ يتميز عالم اليوم بالسرعة في التحول والتغيير، حيث يشمل التغيير كل شيء حولنا، يشمل المعرفة والاقتصاد والمجتمع والمناخ. لقد صار التغيير شعارا اجتماعيا وسياسيا وتربويا بل أضحى قيمة في حد ذاته. لذا بات لزاما على كل الشعوب والأفراد على السواء التواقة إلى التطور والمتطلعة إلى التغيير، الانشغال بالبحث عن كيفية مواكبة هذه التحولات السريعة القائمة في المحيط من أجل فهمه وإدراك اتجاهاته قصد الاستعداد لمواجهة تحدياته وإكراهاته، بل الانخراط في ديناميته من أجل مسايرة هذه التحولات التي تحدث له والتنبؤ بملامح ورهانات مستقبل محتمل. هكذا يفرض علينا هذا الواقع ضرورة طرح سؤال المآل وكيف نكون اليوم وكيف نصير في المستقبل؟ وكيف نحين باستمرار ذواتنا ومعلوماتنا عن هذا العالم؟ وكيف نواكب هذه السرعة في التحولات وهذه الدينامية المتجددة قصد إيجاد موقع في هذا العالم المتحول؟ لمواجهة هذه الأسئلة اعتمدت كثير من الدول المتقدمة ( كندا على سبيل المثال لا الحصر) مدرسة جديدة منفتحة على تفكير وحركية هذا العصر وعلى المستجدات والمتغيرات المرتبطة بالتطورات الطارئة في المحيط المباشر والمحيط العالمي، إنها المدرسة الموجهة. لماذا المدرسة الموجهة؟ و ما هي المدرسة الموجهة؟ ما هي غاياتها والمبادئ التي ترتكز عليها والمنهجية التي تعتمدها؟ تلك هي الأسئلة التي سنحاول مقاربتها في هذا الموضوع بشكل مقتضب. لماذا المدرسة الموجهة؟ وما هي المدرسة الموجهة؟ انحصر دور المدرسة التقليدية في نقل معرفة في مجالات مختلفة، انطلاقا من الاعتقاد أن امتلاك معرفة عن كل شيء يمكن الأفراد من النجاح في الحياة، وانطلاقا أيضا من الاعتقاد أن إدراك الإنسان للأشياء والظواهر يكتمل حينما يسميها ويصف طبيعتها ومكوناتها، لذا أضحت كل الحقائق محصورة في تعارف شكلت الأسس الثابتة للمعرفة والاعتقادات والقيم التي تمررها المدرسة. وبذلك شكلت المحتويات الجاهزة والمطلقة محور العملية التربوية. لم يعد ممكنا الآن مواجهة تحديات هذا العصر انطلاقا من هذا المنظور الثابت، حيث لم يعد ممكنا حصر هذا الواقع المتحول في مصطلحات وصيغ ومفاهيم ثابتة وقطعية، كونه عالم يتحول تحت تأثير الفعل المتجدد، ولا يمكن معرفته إلا في السياق الموجود فيه، مع استحضار مسلمة تعقده وتعدده عوض تجريده وانتزاعه من واقعه. لم يعد اليوم كاف تعريفه والوقوف على ماهيته، بل ينبغي أيضا إدراك التغييرات والتحولات والتطورات التي تحدث له والمآل التي تتجه إليه. إن سرعة التحولات التي نعيش في خضمها تحفزنا على اعتماد مفاهيم مفتوحة تترك مكانة لتداعيات وانعكاسات غير المتوقعة، حيث ينبغي أن نتحدد باستمرار من خلال التحولات والإبداعات والأحداث التي نحدثها أو التي تطرح نفسها على تفكيرنا وتثيرنا وتسائلنا. إن المقاربة الموجهة تتوافق مع هذا الواقع المتغير والمتعدد الذي يفرض تفكيرا معاصرا يستوعب المستجدات ويساير المعلومة الجديدة التي تمكن من امتلاك قدرة عالية على التكيف والتموقع الاستراتيجي الملائم. إن التعرف عن الذات، من منظور المقاربة الموجهة، تعني اكتشافها من خلال الفعل والاحتكاك بالأوساط والسياقات وعبر رفع تحديات في وضعيات متنوعة تتطلب الفعل وتعبئة الذات وحشدها. ويعني فهم العالم الخارجي وعالم الشغل استيعاب حركيته واتجاهاته ومتطلباته المتجددة من خلال معاينة ومواكبة تجليات ذلك في الواقع المعيش. ومجمل القول إن المقاربة الموجهة تمنحنا اليوم المفتاح لفهم حاجات الشباب في التعلم وفي التوجيه، حيث لم يعد ممكنا اليوم الاستجابة إلى حاجاتهم عبر الخطابة والتلقين داخل غرفة منغلقة ومعزولة، بل إنهم يرغبون في التواجد في أوساط الفعل ليتمكنوا من الوقوف على التطور الحاصل في الواقع وفهمه، ويرغبون في التواجد في السياقات المؤطرة للفعل ليتمكنوا من كشف واكتشاف ذواتهم وتحيينها. إنهم يرغبون في ملاحظة أوساط العمل في الواقع الملموس من خلال المشاركة في تداريب داخل مؤسسات الإنتاج، ويشاركون في أيام تكوينية حول عالم الشغل والتكوين والمهن وحول القيم والكفايات التي يتطلبها الاندماج والتكيف والفعل في هذا العالم المتحرك. ويتطلعون إلى مدرسة متصلة بهذا العالم المركب لا مفصولة عنه، مدرسة موجهة تقوم بوظيفتين متزامنتين ومنصهرتين، وظيفة التربية والتكوين ووظيفة التوجيه. ولا تعني وظيفة التوجيه فرض الاختيارات أو التأثير عليها، بل عكس ذلك تماما، تعني هذه الوظيفة تحرير التلاميذ من الاختيارات النمطية السائدة ومن الجهل السائد في المدرسة عن العالم الخارجي وعن مستجدات العصر ومحدداته وعن احتمالات وتنبؤات عن المستقبل والمآل. تتوفر المدرسة الموجهة إذن على برامج ومناهج تدمج أهداف التوجيه بأهداف التعلم. وتتمثل أهداف التوجيه في جعل التلميذ يتعرف على ذاته ومقوماتها والتعرف على عالم التكوين وعالم الشغل، ويمتلك كفايات تمكن من القدرة على وضع اختيارات واتخاذ قرارات تنتج عن احتكاك وتفاوض واع وممفهم بين الفرد والمحيط الدراسي والمهني. هكذا ستتمكن المدرسة الموجهة من إعداد التلميذ للحياة المعيشة بشكل عام والحياة الدراسية والمهنية بشكل خاص، كونها مجالات لتحقيق الذات وتفتحها وتحرير طاقاتها وفرصة للفرد للإتيان بمساهمته في تحويل محيطه وتشكيله، وفرصة للتعبير عن أسلوبه في رسم ملامح مستقبله. إن أحسن طريقة لمنح أبنائنا هذه الفرصة تتمثل في ردم دعائم المدرسة التقليدية المنغلقة على الماضي العتيق والمنغلقة عن نفسها، وإرساء دعائم المدرسة الموجهة المنفتحة على العصر وعلى المستقبل وعلى المآل، ومنفتحة خصوصا على حاجات التلاميذ المتجددة واهتماماتهم وتعابيرهم الذاتية وتطلعاتهم وأحلامهم. المبادئ التي ترتكز عليها المدرسة الموجهة تندرج المقاربة الموجهة ضمن المنظور البنائي التفاعلي باعتبارها مفهوما مفتوحا على التفاعل القائم في الواقع وعلى التطور الحاصل في المحيط والتطور الحاصل لحاجات التلاميذ، والبحث عن صيغ للتكيف والملاءمة مع السياقات والأهداف والرؤى المحلية. وتنبثق فكرة المدرسة الموجهة عن الحاجة إلى ضمان وتأكيد ودعم النجاح الدراسي والمهني للتلاميذ بإعطاء معنى للتعلمات من خلال إقامة علاقة بينها وبين العالم الخارجي وعالم الشغل من جهة، وبينها وبين إجراءات التوجيه من جهة أخرى. إن ربط التعلم بعالم الشغل يبين قيمة الفائدة من كل تعلم، في حين أن ربط التعلم بالتوجيه الذاتي يشكل باعثا شخصيا على التعلم. ويرتكز هذا الإجراء على المسلمة التي ترى أن حافزية التلميذ ستزداد إذا ما تمكن من إدراك وتقدير المغزى والجدوى المستقبلية لتكوينه الدراسي، حيث ستمنح المدرسة الموجهة للتلميذ فرصا أتناء دراسته لاستيعاب العلاقات بين المادة الدراسية وما يحدث في الخارج بشكل عام وفي الشغل بشكل خاص. وبذلك يصبح المدرس بمثابة «موجه» إن صح التعبير حينما يتبنى في مادته الدراسية مبدأ الإدماج بين أهداف الدرس وأهداف التوجيه الذي يعتبر أحد المبادئ التي ترتكز عليها المدرسة الموجهة. ترتكز المدرسة الموجهة إذن على ثلاثة مبادئ: مبدأ الإدماج ومبدأ الشراكة ومبدأ التعبئة. مبدأ الإدماج يقترح مبدأ الإدماج إدماج أهداف الدرس بأهداف التوجيه، حيث يدمج المدرس مثلا محتويات دروسه بمعرفة لها علاقة بعالم الشغل وقيمه وحركيته ومتطلباته المعرفية والمهارية، وخلق وضعيات وسياقات مستوحاة من الحياة المعيشة الاجتماعية والمهنية تساعد على استيعاب المفاهيم المستهدفة من المادة الدراسية مع تنمية كفايات ذاتية تتعلق باكتشاف الذات والتربية على الاختيار واتخاذ القرار وكفايات مستعرضة أخرى تساعد على حل مشكلة الاختيار في التوجيه باعتبارها مشكلة من مشكلات التعلم التي ينبغي على التلميذ أن يتدرب أتناء التعلم على إيجاد حلول لها. في الواقع يعتبر مبدأ الإدماج إجراءا بيداغوجيا أكثر منه عبئا ينضاف إلى المدرس، حيث يساعد أكثر على استيعاب المفاهيم الدراسية إذا ما وضعت في سياق ممارسة مهنية في الواقع، كون التلميذ سيستوعب المفهوم الدراسي أكثر مما يستوعب معرفة عن المهن، لأنه سيدرك فائدته في الحياة. غير أن هذه المعرفة الأخيرة ستثير فقط اهتمام التلميذ الذي لديه ميل وحاجة للتعرف عن معطيات عن هذه المهنة أو تلك. إن مبدأ الإدماج يسعى إلى ردم تلك الهوة والطلاق القائم اليوم بين المدرسة والحياة المهنية من جهة والقطيعة القائمة بين التفكير في التوجيه والتفكير في الدراسة من جهة أخرى، حيث أن التفكير في حل المشاكل الدراسية يكون غالبا مفصولا عن التفكير في حل مشكلة التوجيه، إذ يتم التفكير فيهما في أزمنة منفصلة، مما جعل التجربة الدراسية لا تفيد في شيء التجربة المهنية كما لا تفيد في صيرورة اتخاذ القرار في التوجيه. لذا تسعى المدرسة الموجهة من خلال مبدأ الإدماج إلى جعل التعلم يستفيد من أهداف التوجيه باعتباره يعطي معنى للتعلم كما يرفع من حافزية الاهتمام بالدراسة حينما يدرك ارتباطها وعلاقتها بالحياة المهنية. كما يمكن أن تقود تجربة الحياة الدراسية إلى دعم الحياة المهنية إذا ما مكنت المواد الدراسية التلميذ من الانفتاح على إمكانيات مهنية، وترسخ لديه عادات وقيما وتفكيرا ومنطقا له علاقة بالنجاح المهني، مما يجعل التجربة الدراسية مفيدة للتجربة المهنية بل مهيئة لها. مبدأ التشارك لاشك أن إدماج المقاربة الموجهة في مشروع المؤسسة سيجعلها في صلب اهتمام مجموع الفرقاء التربويين وشركاء المدرسة، كونها تدعو إلى الانفتاح على إسهامات كثير من المتدخلين من المحيط المباشر للتلميذ ومحيط المدرسة. بداية يفترض مبدأ الإدماج إشراك المدرس، حيث ينتظر منه إدماج معطيات متعلقة بالحياة المهنية بمحتويات دروسه. لذلك تعتبر المقاربة الموجهة الأساتذة الشركاء الرئيسيين لإرساء دعائم المدرسة الموجهة، لذا فإنهم مطالبون بالتنسيق فيما بينهم وبين المستشار في التوجيه، لجعل أهداف التوجيه والكفايات المرتبطة به تنضم وتترتب إلى جانب كفايات المواد الدراسية، للاستجابة إلى كل حاجات التلميذ باعتباره ليس فقط مقبلا على التعلم بل مقبلا أيضا على الاختيار واتخاذ قرارات في التوجيه وفي الحياة. إن مبدأ التشارك يهم أيضا الآباء الذين لا يعرفون كيف يساعدون أبناءهم لاتخاذ قرارات في التوجيه تلائم شخصيتهم وإمكانياتهم. في الواقع يعتبر الآباء «أشخاص مصادر» يستطيعون إفادة المدرسة والتلاميذ من خلال عرض تجاربهم في الحياة المدنية والمهنية، لذا يقتضي منحهم الفرصة لعرض تجاربهم سواء في حصة الدرس أو في حصة الإعلام أو في الأنشطة الموازية، لمقابلة تمثلاتهم حول الشغل وحول الحياة بشكل عام بتمثلات الأبناء وتقاسم الآراء والأفكار بينهم حول الماضي والحاضر والمستقبل والمآل المفترض والمحتمل. يقتضي مبدأ التشارك أيضا الانفتاح على المحيط الاقتصادي والاجتماعي من خلال خلق شراكات مع المؤسسات الإنتاجية والخدماتية والنقابات والمجتمع المدني لتبادل الخبرات وتبادل المعلومات عن هذه الأوساط، كون المدرسة الموجهة تدعو إلى الولوج إلى المعلومة الحية والمعيشة والملاحظة المباشرة للمهن والوظائف والأوساط والأوضاع القائمة في الواقع. إن هذه الأوساط يمكن أن تشكل مصدرا للتربية والتكوين والإعلام والمساعدة على التوجيه في إطار التكوين المستمر سواء بالنسبة للأستاذ أو التلميذ أو المستشار في التوجيه. مما يجعل من هذه الأوساط فضاء مألوفا يسهل الولوج إليه، ويوسع الإحساس بالانتماء لهذه الأوساط لدى التلاميذ وبالتالي تسهل سيرورة اندماجهم مستقبلا. مبدأ التعبئة إن مبدأ الإدماج ومبدأ التشارك إجراءان ضروريان لإرساء دعائم المدرسة الموجهة، إلا أنهما غير كافيين لتحفيز التلميذ على التعلم والاهتمام بمسألة الاختيار والمشاركة في سيرورة اكتشاف ذاته وإمكانياته ومحيطه. إذ بدون الرفع من حافزيته وتعبئة إرادته وإمكانياته سوف لا يكون للمقاربة الموجهة أي مفعول، حيث أكدت عدة دراسات أن انطلاق سيرورة التعلم والتوجيه تفترض موقفا محفزا للتلميذ. يعتبر مبدأ التعبئة إذن وسيلة للتدخل لإيقاظ الرغبة لدى التلميذ في النجاح والتقدم في توجيه ذاته نحو المجالات التي تمكنه من تحقيق هذا النجاح، من خلال الرفع من حافزيته للتعلم والاهتمام بمصيره. وإيقاظ الرغبة لدى المدرسة وشركائها للاهتمام بمساعدة التلاميذ على التخطيط لمستقبلهم وخلق وضعيات والسياقات التي تضعهم في قلب التحولات الجارية في الواقع. منهجية المقاربة الموجهة تسعى المقاربة الموجهة إلى وضع الفرد في شموليته في تفاعل بعالم يتحرك في سياقات. وتعتبر السياقات مسألة جوهرية في المقاربة الموجهة بل إنها المنهجية ذاتها، إذ تشكل وسيلة لتوجيه الفرد أي جعله في مواجهة تفسيرات مفتوحة وقراءات مرتبطة بالسياقات التي يجري فيه الحدث. إن هذه المقاربة تجعلنا ننتقل من توجيه تمثلي وافتراضي إلى توجيه فعلي، لأنه سينتج عن الفعل والتجريب وليس ناتج عن تمثلات فقط، كما لا يعتبر إجراءا نهائيا ومنتهيا بل مشروعا مفتوحا على التطور الحاصل للفرد وللمحيط، باعتبار أن كل معرفة وكل كفاية وكل تعلم ينكشف في وضعيات حقيقية ومحسوسة وناتجة عن التجريب، كون المعرفة تتوقف وتمر، في العصر الحديث، عبر سياقات مرئية ومتغيرة عوض معرفة محصورة في تعارف قطعية وثابتة ووحيدة. ويفترض أن تعمل المدرسة الموجهة على خلق سياقات متعددة ومتنوعة مستوحاة من الواقع، إذ ينبغي أن تتضمن برامجها ومناهجها على كفايات وموارد معرفية ومهاراتية ووجدانية وتواصلية مرتبطة بسياقات واقعية ومعيشة وحية تعطي للدرس معنى مختلفا، وتفتح آفاقا للتلاميذ لإبراز وإيقاظ اهتمامات وميول معرفية ومهنية تحفز على الاكتشاف. ولا ينحصر الاكتشاف على مستوى التصور والتمثل كما كان سائدا في المنهجيات التقليدية بل إنه اكتشاف فعلي. لذا تقتضي المدرسة الموجهة أن تتجه مهمة الفاعلين داخل المؤسسة وخارجها نحو خلق سياقات وسيناريوهات ووضعيات للأنشطة الموجهة تجعل التلميذ يحتك بذاته ويكتسب معلومات عنها وعن الواقع كما يجري ويصير، من خلال إعطاء الكلمة للآباء والعمال والمهنيين والمقاولين داخل المدرسة لطرح تجاربهم ورؤيتهم للواقع وللمستقبل. كما يمكن، من خلال مبدأ التشارك، أن يهيء الشركاء السوسيو اقتصاديين سياقات تضع التلميذ في قلب الحركية الاقتصادية والتكنولوجية والاجتماعية الجارية من خلال أبواب مفتوحة أو تداريب في قلب المؤسسات الإنتاجية أو الاجتماعية. ويحتم المبدأ البيداغوجي الملائم لهذه الإجراءات خلق سياقات متنوعة ومتعددة تسمح لكل التلاميذ بتلبية حاجاتهم واكتشاف ذواتهم كونهم مختلفين من حيث القيم والحاجات والانتظارات. إن منهجية السياقات تقر بأهمية الفعل والتفاعل وتمنح التلميذ فرصا للاحتكاك بذاته ويكتشفها ويكتشف طرق التكيف والتعبئة وحشد موارده في وضعيات وسياقات متعددة لهذا الفعل سواء عند مشاركته في حدث أو إنجاز مشروع . وخلاصة القول فإن المقاربة الموجهة تسعى إلى توفير محيط يجعل التلميذ في وضع أفضل وظرفية مواتية ترفع من جاهزيته للفعل وحل مشكلاته عبر التجربة في سياقات متنوعة للاكتشاف والتعلم، عبر امتلاك كفايات تكيفية وسياقية، من خلال تحقيق أهداف ورهانات في السياقات الدراسية وخارج المدرسة، ومن خلال قراءة جيدة لتفاعلاته مع المحيط (سواء الوسط العائلي أو الثقافي أو الاجتماعي أو الاقتصادي)، وعبر امتلاك موقف محفز للنجاح ومنح نفسه سلطات على مراقبة الحاضر والمستقبل. إنها توجيه تفاعلي يجعل التلميذ في علاقة بالوضعيات الواقعية التي يتطلب اكتشافها بل يمكن تجريبها ويستخلص منها معرفة عن الذات وفهم جيد للمتطلبات والكفايات المرتبطة بالنجاح الدراسي والمهني. إن المدرسة الموجهة بهذا المعنى تسعى إلى توافق هدفين: التفكير في النجاح في الحياة المدرسية والتفكير في النجاح في الحياة المهنية في الآن نفسه، بحيث تصبح تجربة الحياة المدرسية تفيد في الحياة الاجتماعية والمهنية، عكس ما هو قائم الآن في المدرسة التقليدية. مفتش في التوجيه التربوي المراجع: ?Denis Pelletier : L?Approche Orientante : La Clé de la Réussite Scolaire et Professionnelle . Septembre édieur , 2004. ? Jaky Charpentier et Coll : de l?orientation au projet de l?élève , Hachette, 1993