كشف المحامي التونسي المقيم بالمغرب والممارس بهيئة مراكش عادل بن حسين باعتباره من أعضاء الدفاع عن البغدادي المحمودي، أمين اللجنة الشعبية العامة (رئيس الوزراء) في النظام الليبي السابق الذي لا يزال رهن الاعتقال لدى السلطات القضائية التونسية، بعد اتهامه بدخول الأراضي التونسية بشكل غير شرعي عن أسرار وملابسات اعتقاله وأماط اللثام عن الكثير من القضايا المتعلقة بالملف، متهما السلطات الجديدةبتونس بالتواطؤ مع نظيرتها الليبية، ومستغربا تعامل دولة ذات سيادة متوجة بثورة في ملف قضائي وسياسي كبير مع فاكسات صادرة من فندق بدولة أخرى .. وحول قبول الأستاذ عادل بن حسين الدفاع عن الوزيرالليبي السابق، رغم أنه كان محسوبا على نظام ديكتاتوري استبد بشعبه، قال في تصريح للاتحاد الاشتراكي بأن مهنة الدفاع مهنة صعبة والمحامي يقتضي عمله أن يكون حقوقيا قبل كل شيء، وبالتالي فهو يجب أن يعمل على تحقيق العدالة.. و يجب أن يتوفر كل طرف أمام أي قضاء على حصانة الدفاع.. وما لم يتم هذا الحق تكون العدالة عرجاء ولا يمكن أن تؤدي هدفها.. وبالنسبة لوجوده كمحام للدفاع عن الدكتور المحمودي البغدادي، قال بأن ذلك لم يكن وليد الصدفة، فقد سبق له وشارك في ندوتين في ليبيا. الأولى :نظمها اتحاد محامي شباب ليبيا بتنسيق مع جمعية محاميي وحقوقيي البحر الأبيض المتوسط ، والتي هو عضو بها ورئيس لجنة حقوق الإنسان بها ،في شهر ماي الفارط أثناء قصف حلف «الناتو» للبيا أي في عز الأزمة الليبية.. الثانية: تتعلق بالإعلان عن وثيقة حقوق الإنسان من طرف الجماهيرية العربية الليبية مع مجموعة من الحقوقيين العرب والأجانب، جاؤوا من فرنسا وبلجيكا وهولندا بحضور عضو من الكونغرِس الأمريكي، والكاتب العام للحزب الشيوعي البريطاني والباحث والصحافي المعروف «ميشيل كولون» وعديد من الفعاليات الحقوقية والإنسانية من مختلف ديار المعمور، والهدف ليس الوقوف مع النظام الليبي السابق، لكن ضد هجمة «الناتو» التي تعد استعمارا مشرعنا بواسطة قرارات دولية. بل أسندت له مع الدكتور محيي الدين بنجمعة مختص في القانون الدولي ومحامي بباريس مهمة الدفاع عن الضحايا الليبيين من جراء عدوان «الناتو». وفي سؤال حول ما إذا كان الدفاع عن المحمودي البغدادي هو دفاع عن نظام استبدادي رفضه شعبه، أكد أن الانضمام إلى هيأة دفاع المحمودي لم يكن دفاعا عن النظام الليبي السابق، فالمحامون الذين قبلوا الدفاع عنه ومن ضمنهم «روبير شارفان» وهو دكتور مختص في القانون الدولي و العميد الفخري لكلية الحقوق بنيس، يعتبرون أن قضية البغدادي هي قضية إنسانية قبل كل شيء خاصة بعد المشاهد المشمئزة للطريقة، التي تمت بها تصفية رموز النظام السابق، إضافة إلى ما تعرضت لها عناصر محسوبة على ذلك النظام وهي موثقة ومحل بحث وتحقيق من طرف المحكمة الدولية بواسطة المدعي العام الأستاذ «أوكامبو» وحول الملف القضائي للمحمودي البغدادي قال محاميه عادل بن حسين بأن الدفاع وقف على عدة حقائق جعلته يتأكد من وجود صفقة ما بين جهات سياسية نافذة في تونس وأخرى في ليبيا، نظرا لكون الدكتور المحمودي دخل الديار التونسية بطريقة قانونية وبجواز سفره الدبلوماسي والذي كان مختوما بختم الدخول بمعبر «رأس أجدير» وأثناء وصوله إلى الحدود الجزائرية التونسية وقع إيقافه، وبعد الاتصال بجهات عليا وقع اعتقاله في الحين، ووُجهت له تهمة دخول البلاد التونسية بصفة غير قانونية، وعرض على المحكمة الابتدائية في «توزر» وحكم عليه بستة أشهر نافذة، رغم أن الأمر يتعلق بمخالفة وليس بجنحة، وهو الحكم الذي وقع استئنافه. وأمام الهيئة القضائية الاستئنافية سخر رئيس الجلسة من المحاضر حين فتح الملف ووجد ختم الدخول إلى الأراضي التونسية مثبتا على الجواز. وفي نفس الجلسة ودون تأخير ، قضت المحكمة بإلغاء الحكم الابتدائي وبراءة المحمودي من التهم المنسوبة إليه. لكن الأمر لم ينته عند هذه اللحظة حيث لم يتم الإفراج الفوري عن الدكتور البغدادي، بل تم إيداعه في سجن «قفصة» ثم نقل إلى سجن بالعاصمة بناحية «المرناقية» و بطريقة اعتباطية وتحكمية، بعدها يأتي أحد المبلغين من طرف الوكيل العام للجمهورية لدى استئنافية تونس ليبلغه بقرار تسريحه بناء على الحكم الاستئنافي وفي الوقت نفسه يبلغه بصدور قرار باعتقاله لوجود مسطرة تسليمه إلى الجهات الليبية. وفعلا أبرقت الجهات القضائية الليبية طلب تسليم البغدادي المحمودي للدولة الليبية برفقة محاضر الاتهام والتحقيق وذلك انطلاقا من «نزل كورانتية» المتواجد بمدينة الدارالبيضاء المغربية، ليحال البغدادي على دائرة الاتهام العاشرة لدى محكمة الاستئناف بتونس ووقع النظر في ملفه و تقرر تسليمه. وفي الإبان تقدم الدفاع بطلب الإفراج عنه فحصل على السراح المؤقت، لكن قبل تسريحه يصل طلب ثان بالتسليم من طرف الجهات الليبية ومن نفس المصدر أي فندق «كورانتي» بمدينة الدارالبيضاء. وعوض أن يتم ضم الطلب الثاني إلى الملف الأصلي للتسليم، وقع اعتماد ملف جديد لتفتح مدة اعتقال جديدة.. وعند فتح ملف التسليم الثاني و الذي أصبح منظورا من طرف غرفة الاتهام التاسعة طالب دفاع المحمودي بمعية الأستاذ «شورفان» المدة الزمنية الكافية للحصول على إذن بالتقاضي من لدن وزارة العدل. وفعلا فإن رئيسة الغرفة تفهمت هذا الموقف القانوني إلا أنها رفضت منحه مهلة للحصول على هذا الإذن، وتأخير الملف، وسمحت للدفاع بالحضور كملاحظين و الترافع على سبيل الاستئناس -لأول مرة في عالم الدفاع يشار إلى شيء اسمه الترافع على سبيل الاستئناس !!!- وأثناء مناقشة الملف وجد كتاب صادر عن إدارة السجن يُعلِم فيه المحكمة بعدم إمكانية إحضار المحمودي أمام المحكمة، بعلة وجود تهديدات على أمنه وحياته.. وهنا وقعت مطالبة المحكمة والنيابة العامة التي كانت حاضرة بالبحث في موضوع جريمة التهديد بالقتل هذه وتأخير الملف حتى تكون المناقشة بمحضر من يهمه الأمر، أي المطلوب في مسطرة التسليم.. وعبر الدفاع أنه في الوقت الذي لن تأخذ فيه المحكمة بعين الاعتبار هذه الدفوع، فإنه سينسحب دون مرافعة لعدم توافر المحاكمة العادلة.. و فعلا رفضت المحكمة هذه الدفوع واستمرت في مناقشة القضية بعدم حضور الدفاع. وبعد أكثر من أربع ساعات من المداولات صدر قرار بتسليم البغدادي للسلطات الليبية مرة ثانية. وفي نفس المساء وأثناء متابعة للأخبار بقناة فرنسا 24 وكأنها الصدفة البحتة، يعبر وزير الخارجية الفرنسي «آلان جوبي» عن استعداد فرنسا و تعهدها بقبول الليبيين المحسوبين على النظام السابق كلاجئين لديها، مما جعل دفاع المحمودي وبصحبة الأستاذ «شارفان» يتقدم بطلب اللجوء السياسي للسيد المحمودي للسلطات الفرنسية في شخص سفارتها بتونس، علما بأن فتح إجراءات اللجوء يوقف إجراءات التسليم. إضافة إلى أن الاتهامات التي وجهت إلى المحمودي في أولها كانت تتعلق بالفساد المالي والإداري وعندما دحضها المحمودي بعدة أحكام صادرة ببراءته، قامت السلطات القضائية الليبية بتوجيه ملفات أخلاقية من قبيل أن الدكتور المحمودي كان يحرض كتائب القذافي على اغتصاب الفتيات الليبيات خاصة بنات قبيلة.. وتحدث الأستاذ عادل بن حسين عن لقاءاته بالمحمودي البغدادي في معتقله بتونس، حيث قال بأنه التقاه أربع مرات في سجنه، و أنه زج بهذا الرجل مع سجناء الحق العام والمخدرات وهو في ظروف صحية مزرية، حيث يعاني من مرض السكري وضغط الدم إضافة إلى ما يعانيه من البرد القارس داخل الزنزانة الإسمنتية علما بأن بإمكان تونس أن توفر له مكانا آمنا تعتقله فيه ويليق بشخصه.. وأضاف: « لسنا ضد تسليم المحمودي لليبيا لكن في أية ظروف؟ ولمن ؟ وإذا كان جهاز القضاء الليبي متواجدا في فندق بمدينة الدارالبيضاء، فلمن يسلم؟ وهل يعقل أن تتعامل دولة ذات سيادة في شؤونها القضائية مع فندق؟ حقا هذا يضر بدولة تونس بل بثورة تونس.» وأضاف بأن الرجل كان متماسكا مؤمنا بمصيره وقد خصه شخصيا باهتمام بالغ باعتباره محاميا من المغرب، وعبر له عن إكباره للسلطات المغربية وخاصة لبعض الشخصيات وأنه يعتبر نفسه بريئا من أي تهمة تسند له، مؤكدا أن المهام التي كانت أوكلت له في عهد نظام القذافي هي مهام إدارية بحتة لا علاقة لها لا بالجانب الأمني ولا بالجانب العسكري وأن جميع التهم الصادرة عن الأجهزة القضائية الليبية الحالية كانت موضوع أبحاث سابقة في عهد القذافي، ووقعت تبرئته منها وفي البعض الآخر وقع حفظها.. أما بالنسبة للتهم الأخلاقية فإنه يعتبر نفسه زعيما روحيا لقبيلة «النواولة» الواقعة غرب ليبيا على الحدود التونسية، ولا يمكن لشخصه ووضعيته ومركزه في القبيلة أن يأمر بالاعتداء الأخلاقي على فتياتها بل لن يرضى بذلك. ويعتبر تسليمه لليبيا هدفا لتصفيته، خاصة وأن لديه من الإثباتات والأدلة التي من شأنها أن تزلزل أرض ليبيا تحت أقدام حكامها الجدد بما لديه من وثائق تثبت تورط هؤلاء في عدة جرائم مالية وغيرها، هذا هو الهدف الذي تسعى إليه السلطات الليبية الجديدة من المطالبة بتسليمه. وحول رد السلطات الفرنسية لطلب اللجوء السياسي للمحمودي البغدادي قال دفاعه بأن السلطات الفرنسية مازالت بصدد دراسة الملف ،والسلطات التونسية مضطرة إلى عدم التسليم إلى حين رد السلطات الفرنسية علما بأن مفوضية اللاجئين دخلت على الخط وطالبت السلطات التونسية بعدم تسليم الدكتور المحمودي البغدادي إلى السلطات الليبية، كما أن الحكم القضائي بتسليمه غير قابل للتنفيذ إلا بعد أن يصادق عليه رئيس الجمهورية. وقد رفض الرئيس السابق التسليم على أساس أنه سيقع التنكيل به أو إعدامه.. واعتقد الأستاذ عادل بن حسين أن الرئيس الحالي المنصف المرزوقي باعتباره رجلا حقوقيا، وهو من مؤسسي الرابطة التونسية لحقوق الإنسان في أوائل السبعينيات وترأسها في التسعينيات، وسبق له أن كان منفيا في فرنسا ومطلوبا لدى السلطات التونسية السابقة، كما أن والده ذاق المنفى بالمغرب لأكثر من ثلاثة عقود وأن المغفور لهما محمد الخامس والحسن الثاني رفضا أن يسلماه للنظام البورقيبي. بالنسبة لرئيس كهذا تربى في أحضان النضال منذ نعومة أظافره وعانى من الظلم والاستبداد، زيادة على تكوينه الحقوقي، لا يمكن أن يقوم بتسليم المحمودي البغدادي إلى الجهات الليبية في الظروف التي تعيشها ليبيا الآن. وحول ما إذا كان دفاعه عن المحمودي البغدادي كرمز من رموز النظام السابق سيشجعه للدفاع عن سيف الإسلام، قال الأستاذ عادل بن حسين بأن بعض الجهات الليبية اقترحت عليه وعلى الأستاذ «شارفان» التوجه إلى طرابلس رفقة الصليب الأحمر الدولي وبعض المنظمات الدولية لحقوق الإنسان لزيارة بعض المعتقلين المحسوبين على النظام السابق، والوقوف على حالة الاعتقال ووضعيتهم. أما بالنسبة لسيف الإسلام فغالب الظن أنه لا يوجد في حالة اعتقال، وأنه تحت حماية قبائل «الزنتان» التي رفضت الاعتراف بالحكم الليبي الجديد ورفضت قيادتها تسلم وزارة الدفاع، وبالتالي رفضت تسليم سيف الإسلام إلى الجهات القضائية الليبية الحالية، ويبدو أن الأمر يوحي بصفقة سياسية تُلْعَبُ قبليا بين قبائل «الزنتان» و»القذاذفة» و»ورفلة» وهي التي تحضر لمشهد مستقبلي لليبيا.