تعوّدت جماهير الكرة الأوروبية على متابعة سباق المنافسة في الدوريات الكبرى من خلال «حصاني سباق» لا أكثر إن جاز التعبير، الأمر ينطبق على الدوري الإسباني الذي يشبّهه البعض بنسخة جديدة من الدوري الاسكتلندي، وكذلك الدوري الإنكليزي الذي بدأ يأخذ نفس المنحى، مع عجز الفرق التقليدية عن مجاراة القوة الصاعدة لمانشستر سيتي، فلم يبقى ليقارعه سوى جاره الأحمر مع تسجيل اختراق لافت حتى الآن من قبل توتنهام، المتفوق على الثلاثي الكبير (آرسنال، ليفربول، تشلسي). إلا أن الدوري الإيطالي مع اقتراب انتصاف الموسم يبدو حالة استثنائية لعوامل عدة، فما الذي تغيّر في «الكالتشيو» حتى أصبح أكثر جاذبية؟ فبالرغم من أنه لا يُغري كثيراً بالنظر للأسماء الموجودة فيه ومقارنتها بنجوم البطولات الأخرى، إلا أن الصورة النمطية المطبوعة في أذهان المتابعين عن شح الأهداف واللعب بطريقة دفاعية صرفة، بدأت بالتغير مع دخول وجوه جديدة للمنطقة الفنية في الأندية. وإذا كان مدرب منتخب إيطاليا تشيزاري برانديلي يعتبر أحد أوائل المجددين في «الكالتشيو» حين قاد فيورنتينا محلياً وأوروبياً، فإن الأسماء الشابة اللاحقة تبدو مقتنعة أكثر من أي وقت بتطويع العقلية الدفاعية للفرق الإيطالية لتتماشى مع أسلوب اللعب الحديث، لكن دون إفراط، ولعل هذا المزج يساهم في تفرد واضح في أداء الأندية الإيطالية جعلها مُقنعة بأدائها أكثر من السنوات الماضية التي شهدت انتقادات جمّة، خاصة بعد التراجع الكبير الذي أصاب المنتخب والأندية معاً، جراء فضيحة «كالتشيوبولي». ولعلّ وصول الأندية الثلاثة في دور المجموعات (إي سي ميلان، إنتر ميلانو، نابولي) إلى الدور الثاني في دوري أبطال أوروبا خير دليل على فاعلية هذه الفرق، حتى لو لم «تستعرض» في كل المباريات، الأمر ذاته انسحب على حضور أودينيزي ولاتسيو في الدوري الأوروبي وقد تأهلا إلى الدور الثاني أيضاً. هذا النجاح يعكس عودة هيبة فُقدت في المواسم القليلة الماضية، وقد تكون سبباً في عودة الرغبة لدى كبار النجوم باللعب في الملاعب الإيطالية مجدداً. وشكّلت استعانة نادي أي سي ميلان بجهود لاعبه السابق البرازيلي ليوناردو في الموسم قبل الماضي ليقود الفريق «مدرباً» حالة جريئة، فتحت الباب لتجارب لاحقة في ميلان نفسه وفي غيره من الأندية، رغم أن ليوناردو لم يحقق نجاحاً باهراً. ولم تكن قيادة المدرب ماسيمليانو أليغري (44 عاماً) لميلان نحو إحراز لقب الدوري الموسم الماضي، بعد صيام لستة مواسم متتالية، السبب الوحيد في الإشارة له كصانع إنجاز في الفريق اللومباردي، فالمدرب الذي أحرز اللقب في موسمه الأول مع الفريق بث روحاً متجددة في الفريق، صاحب المعدّل الأعلى في أعمار لاعبيه، وتلك مفارقة تُحسب دلالاتها لصالحه بكل تأكيد. ويواصل أليغري الإمساك بذكاء بالخيوط الموجودة لديه في الفريق، فرغم عدم تعزيز الفريق بصفقات كبيرة وأسماء رنانة إلا أنه حافظ على توازن كبير وواصل اللعب بأسلوب الفريق «الواقعي»، فبدأ بإيقاع بطيء سرعان ما ازداد تصاعدياً حتى وقف على قدم المساواة مع يوفنتوس في القمة. وأكثر ما يثير في تشكيلة «روسونيري» وجود لاعبين مصنفين كمشاغبين، والقائمة تبدأ بالسويدي زلاتان إبراهيموفيتش والغاني كيفن برينس بواتينغ وتضم المصابين حالياً أنتونيو كاسانو وجينارو غاتوزو، وقد عرف أليغري كيف يتعامل معهم بهدوء، كما أنه استفاد من الثنائي البرازيلي كثير الإصابة أيضاً الكسندر باتو وروبينيو على أكمل وجه في فترات تواجدهم. وجاء الموسم الحالي ليؤكد توجه الأندية للاستعانة بمدربين شبان مقارنة بالحقبة الماضية، ولعل أبرزهم أنتونيو كونتي في يوفنتوس (42 عاماً)، والإسباني لويس إنريكي في روما (41 عاماً)، وفينتشنزو مونتيلا في كاتانيا (37 عاماً) والثلاثة حققوا نجاحات متفاوتة. إضافة إلى دافيز مانجيا مدرب باليرمو (37 عاماً)، والذي أقيل مؤخراً رغم أن فريقه سجل بداية مقبولة جداً، لكنه ذهب ضحية «نرجسية» رئيس النادي، الذي قد يقود الفريق للمجهول، وكان قد سبقه في الرحيل الصربي سينسيا ميهايلوفيتش (42عاماً)، الذي أقيل من تدريب فيورنتينا. بالمقابل نلحظ غياباً لأسماء تقليدية بصمت في لوحة المتوجّين بلقب الكالتشيو، ممثلة بالثلاثي الثقيل المكوّن من فابيو كابيللو مدرب منتخب إنكلترا، وجيوفاني تراباتوني مدرب منتخب جمهورية أإيرلندا، ومارتشيللو ليبي الذي مازال في استراحة منذ خروج الآزوري المخيّب في كأس العالم بجنوب إفريقيا 2010، يضاف إليهم كارلو أنشيلوتي، المنتقل لتدريب باريس سان جيرمان الفرنسي مؤخراً، وروبرتو مانشيني، مدرب مانشستر سيتي الإنكليزي، ولوتشانو سباليتي، مدرب زينيت سان بطرسبرغ الروسي، والأخير لم يفز بلقب الدوري الإيطالي مدرباً من قبل.