خريف 1967. قصر كاردميت بواحة افركلة. حل موسم الثمر وافتتحت مسابقة «الركم»، وهي مسابقة تنظم في القرى الأمازيغية بالمنطقة ويفتتحها شيخ القبيلة. يتسابق سكان القرية مندفعين نحو الحقول ويحق للجميع أن يجمع الثمر في حقول الجميع، وفي النهاية يتوجون من جمع أكبر حصة من الثمر، وفي رأيي هي بقايا مشاع حافظ عليه بعض الأمازيغ. خريف عام 1967، فازت فتاة مليحة تدعى عائشة، ومنذ قرون والنساء في عائلتها يدعين عائشة. وعائشة هي البنت الأخيرة لأسرة بسيطة من الكَصر جاءت بعد أربعة إخوة وكانت عليلة، حتى أنها كانت تنام في الخش ويأتون من حين لآخر للإطلال إن كانت لا تزال حية . وخريف 1967 بلغت خمسة عشرة سنة وكانت فتاة خجولة سبقتها أخت سيرتها سيئة، فاحتشمت عائشة وبالغت في الاحتشام وقدمت فروض الطاعة لذكور العائلة وبالغت في الطاعة، وتدروشت وبالغت في الدروشة. وكان والدها يحبها ويحرسها من أعين الجميع ويعفيها من الذهاب إلى الحطب وأعمال أخرى شاقة، بل كاد يقتل فتى ذات يوم بللها بالماء البارد في زمزم. ضربها أبوها مرة واحدة وكان ذلك بحبل البئر حتى فكتها منه إحدى زوجاته السابقة، كان ذلك لأن عائشة قصت شعر إحدى صديقاتها بزيزوار عثرت عليه في التبن ولايعرف أحد في كَصر كاردميت من أتى بالزيزوار إلى التبن. كانت عائشة حلوة وحظوة الشباب وأمنية الأمهات وكان يمكن أن تتزوج قائدا أو باشا، وفي عائلتها من أمها باشاوات منذ عهد الاستعمار. في متم يوم الركَم حضر إلى الكَصر معلم بنظارتين اسمه موحى، وكان يدرس بطنجة ويتابع دراسته بالمراسلة في السوربون، وزميله في العمل رجل اسمه محمد شكري. هذا المعلم ابن فقير وكان والده تروبادور توفي صغيرا في الأربعين من عمره، وصار لموحى إخوة يتامى في عنقه فغادر الدراسة رغم ماكان يتنبأ له به كل أساتدته، ففي سن التاسعة عمل محاسبا لعمه بالقباب بالأطلس المتوسط قبل أن يزور عمره ليدخل مدرسة تكوين المعلمين ويصير مدرسا ويحتفظ بطموح الدراسة ويصرف على أمه وإخوته. وكان حلمه أن يتزوج امرأة عصرية تلبس التنورة وتذهب معه إلى الشاطئ. في ذلك الخريف أرسلت عمة موحى في طلبه وكانت قد تجاوزت التسعين سنة وقالت له: - هاالسخط وها الرضا تتزوج من فتاة السنة! قبل موحى رغم أنه لاحظ قصر قامتها، واعتقد أنها ستطول إذا ما تقدمت في العمر. وقبلت عائشة وقالت: المعلمون كلهم يضعون نظارات! هكذا تزوجا ولا زالا متزوجين. المعلم في الحكاية أبي. وفتاة السنة أمي. جمع بينهما الثمر فكانت حياتهما معا مرة كالحنظل. - إضاءة: ضبط هذا النص على الهباء المنثور الذي يقود إلى مهزلة اسمها الزواج وأطفال مخبولين مثلي تماما.