لقد أكدت الأبحاث الإجتماعية أن المرأة الأمازيغية إستطاعت عبر مر العصور أن تتبوأ مكانة ريادية في جميع المجالات الحيوية ، و ذلك بفضل حنكتها و قوة عزيمتها و حرصها الشديد على أن ترقى بمجتمعها و بقبيلتها إلى طليعة الحضارات الراقية ، فكيف ساهمت في إغناء موروثها الحضاري الأمازيغي ؟ فهل إستطاعت أن تخوض الغمار السياسي و أن تشارك في الحروب أم أنها إكتفت بالبقاء محايدة تراقب تقلبات الأحدات عن بعد؟ تمكنت المٍرأة الأمازيغية بفضل شجاعتها و حنكتها و حسن تدبيرها أن تجعل لوجودها معنى يفوق داك الذي إعتادت القيام به ، إذ لم تكتف بأشغال البيت وتربية أطفالها و الحرص على المحصولات الزراعية بل تعدت ذلك بأن جابهت المستعمر و دخلت غمار الحروب لتدافع عن شرفها و حرية شعبها ، وبإسترجاعنا لتلك الأسماء التي تردد صداها عبر مر العصور عن طريق أفواه المعاصرين لها والناقلين لأخبارها و مغامراتها عبر الأجيال ، فإننا نقف وقفة إجلال و إحترام لهذه المرأة التي أبت أن تبقى عاقدة الذراعين بل شمرت عن ساعديها و عن ذكائها لتشارك في مجابهة المستعمر . و قد أوردت مجموعة من المصادر التاريخية جملة من أسماء النساء الأمازيغيات اللواتي نقشن أسماؤهن بدماء ذهبية في تاريخ الإنسانية ، إذ كانت من أهم عناصر الجيوش محاربة باسلة لا تعرف الخنوع و لا الركوع ، كما برزت في فنون الأدب و الشعر ، بل لها الفضل في حفظ الذاكرة الإنسانية و نقلها من جيل لآخر عبر تربيتها ، و قد إحتفطت المصادر التاريخية بمجموعة من الأمثلة للمرأة الأمازيغية المحنكة الذكية التي ساهمت في إغناء الثقافة الأمازيغية عبر مر العصور و إذا ما ذكرناها فإنما على سبيل المثال و ليس على سبيل الحصر لأن ما خفي كان أعظم و أجل . فالعصر القديم لم يخلوا من بصمات بعض النساء اللواتي أبين الوقوف في الظل بل جابهن المستعمر بكل قوة و عزيمة أمثال : * الملكة الأمازبغية البطلة “دهيا الأوراسية” الملقبة في المصادر العربية ب”الكاهنة الداهية البربرية”، التي عرفت بشدة بأسها وقوتها فقاومت الرومان وهزمتهم في أكثر من موقع كما تصدت للجيوش العربية فانتصرت على القائد العربي حسان بن النعمان ، حكمت وطنها مدة عشر سنوات وعرفت في حربها مع العرب بسياسة الأرض المحروقة ، هاجمها حسان بن النعمان مرة ثانية سنة 82ه وقضى عليها في موضع يعرف ببئر الكاهنة بجبال الأوراس. وقد أعجب الكتاب الغربيون ببطولاتها فكتبوا عنها روايات تخليدا لشجاعتها وبسالتها إذ أصدرت Magali Boisnard سنة 1925 رواية بعنوان le roman de la kahena d'après .les anciens textes arabes العصر الوسيط هو الآخر بقي شاهدا على بصمات بعض النساء الأمازيغيات أمثال: * كنزة الأوربية ابنة زعيم قبيلة أوربة الأمازيغية التي تزوجت من إدريس الأول العلوي الفار من بطش العباسيين. وقد لعبت هذه المرأة دورا هاما في إرساء قواعد الدولة الإدريسية خاصة بعد وفاة زوجها إدريس الأول حيث أظهرت تفوقا كبيرا في حسن الإعداد لولدها إدريس الثاني ليتحمل عبء الدولة، بل سيمتد نصحها وحكمتها إلى التدخل في الحالات الحرجة . * الأميرة زينب تانفزاويت من قبيلة هوارة الأمازيغية كانت أرملة أمير أغمات وتزوج بها الأمير أبو بكر اللمتوني ، لعبت دورا بارزا وحاسما على مسرح الأحداث السياسية للدولة المرابطية ، حيث كان لها تأثير في توجيه تلك الإحداث. لكونها كانت صاحبة نقل الإمارة والسلطة من أبي بكر وتتزوجها يوسف بن تاشفين. كتب عنها الأستاذ محمد زنيبر مسرحية تاريخية بعنوان (عروس أغمات) دار النشر المغربية سنة 1991. *البطلة فانو بنت الوزير عمر بن يانتان المرابطية الصنهاجية من قبيلة لمتونة التي قامت بدور مهم في الدفاع عن مدينة مراكش وحالت دون استسلام الأمير اسحاق بن علي المرابطي للموحدين كي لا يلجوا مدينة مراكش ، دافعت ببسالة عن قصر الحجر حتى قتلت سنة 545ه ودخلوا القصر. * الأديبة زينب ابنة الخليفة يوسف بن عبد المومن الموحدي كانت عالمة بعلم الكلام و أصول الدين صائبة الرأي فاضلة الصفات، فهي المرأة الموحدية النموذج فكرا وسيرة ومذهبا ، كتب عنها الشاعر علي الصقلي مسرحية شعرية تحت عنوان ( الأميرة زينب). * الأميرة المرينية للا عودة: هذه المرأة الزناتية ي إستطاعت أن تكون سفيرة وديبلوماسية في إسطامبول عاصمة الدولة العثمانية التركية أيام السلطان أبي سالم المريني. أما العصر الحديث فعرف مجموعة من العقول الذكية التي إكتسحت مجالات لا تعد و لا تحصى من بينهن : * عائشة بنت الأمير علي بن راشد الحسني المعروفة بالسيدة الحرة حاكمة تطوان ، تزوجت من القائد أبي الحسن المنظري حاكم تطوان وبعد وفاته تولت حكم المدينة لمدة 30 سنة ابتداء من سنة 1529م ، تزوجت ثانية بالسلطان أحمد الوطاسي زواجا سياسيا ، اتصفت بكونها قائدة للجهاد ميالة إلى الحروب وقد كتب عنها عبد القادر العافية كتابا بعنوان “أميرة الجبل الحرة بنت علي إبن راشد” سنة 1989. * السيدة يطو زوجة الشيخ رحو بن شحموط وقد عرف اسمها في المصادر البرتغالية لكونها السبب في مقتل الضابط البرتغالي المتجبر “نونوفرنانديش” الذي أتصف بكثرة غاراته على دواوير قبيلة دكالة. وفي إحدى غاراته على دوار من أولاد عمران تمكن من الظفر بغنائم كثيرة وأسرى من بينهم “يطو زوجة الشيخ”. ولما عاد الشيخ وجد البرتغاليين المغيرين فبادر إلى مطاردتهم ونصب لهم كمينا فتمكن من قتل قائد الحملة وفتك بأغلب القوات البرتغالية. فرجع الشيخ منتصرا مستردا زوجته والغنيمة كلها . * السيدة للا لو بنت السلطان احمد الوطاسي تزوجت من السلطان محمد الشيخ السعدي في إطار الصلح المبرم بين السلطانيين عند دخول السعديين إلى مكناس. لكن هذا الزواج لم يثن محمد الشيخ عن القضاء على السلطان الوطاسي صهره. * سحابة الرحمانية أم عبد المالك السعدي رافقت ابنها إلى تركيا، وطلبت مساعدة السلطان العثماني مراد الذي رفض في البداية ثم تحينت الفرصة إلى أن تمكنت من الحصول على نبإ استرجاع العثمانيين لتونس فأسرعت تزف إليه البشرى وطالبته بأن تكون مكافأتها مساعدته لابنها للوصول إلى حكم المغرب فأجاب طلبها. * السيدة للا خناثة بنت بكار زوج المولى إسماعيل: كانت مستشارة لزوجها أكثر من ربع قرن إظافة إلى كونها عالمة وفقيهة كتبت على هامش الإصابة لابن حجر وأشرفت على تربية حفيدها سيدي محمد بن عبد الله ، كانت لها مراسلات مع ملوك فرنسا وهولندا وإسبانيا وقد عثر الأستاذ عبد الهادي التازي على أزيد من عشرين مراسلة من ضمنها كتابه “جولة في تاريخ المغرب الديبلوماسي”، 1967. كما كتبت عنها د. أمينة اللوه كتيبا بعنوان “الملكة خناثة قرينة المولى اسماعيل”، تطوان. * السيدة للا الضاوية زوجة السلطان سيدي محمد بن عبد الله التي لعبت دورا كبيرا في ربط علاقات المغرب مع بعض الدول الأوربية خاصة أن عهد هذا السلطان عرف انفتاحا كبيرا على الغرب وكانت الصويرة مركزا لتلاقح الثقافات ولتعايش الأديان والأعراق. وقد كتب عنها المؤرخ (أولوك بواسوناد) في مجلته. * السيدة رحمة بنت الإمام محمد بن سعيد المرغتي الأخصاصي السوسي دفين مراكش وقد كانت فقيهة وعالمة ألفت مختصرا فقهيا. -4- * بلفروخ الفتاة البكر واسمها تفرياضت من قرية تمسورت بقبيلة لخصاص والتي حملت البندقية ودافعت عن قبيلته عندما غزاها المتمرد بوحلاس. * السيدة للا تعزى تاسملالت الصوفية الصالحة العابدة ذات الشهرة الفائقة وتوصف بربيعة زمانها لها مشهد يقام عليه موسم نسائي. و مع بداية القرن العشرين و بفعل التطورات التي شهدها العالم في مختلف المجالات أقسمت المرأة الأمازيغية على إستخدام حنكتها و دهائها لطرد كل دخييل سولت له نفسه أن يدوس أبناء هذا الوطن أو أن يستغل خيراته بحيث تصدت بكل بسالة وشجاعة للدخلاء ومن أمثلتهن: * يطو زوجة موحا أوحمو الزياني، هذه السيدة التي غيرت زوجها من خاضع للقوات الفرنسية إلى بطل شرس قهر الفرنسيين وانتصر عليهم في معركة “الهري” الشهيرة. *عدجو موح نموذج المرأة العطاوية التي شاركت بفعالة في معركة “بوكافر” بجبال صفرو فقاومت الجيوش الفرنسية سنة 1933 وقاتلت ببسالة حتى استشهدت. * أخت البطل محمد الحراز التي شاركت في قتال الأسبان بالريف وتمكنت من اغتيال ضابط إسباني سنة 1927 . و بإستعراضنا لهذه الأسطر فإننا لن نفي هذه المرأة الأسطورة حقها من الشكر و الإمتنان على ما قدمته لنا من حرية سقتها بدمائها و عزيمتها ، لأنها أبت أن تظل خاضعة للذل و الهوان ، بل فضلت التضحية و مجابهة الدخلاء لبث الرعب في نفوسهم مرغمة إياهم على الرحيل حتى تستطيع اجيال المستقبل العيش داخل وطن حر مستقل . إستعمل حساب الفايسبوك للتعليق على الموضوع