السابعة مساء، حركة وضجيج في درب مولاي الشريف، مازال للبائعين القدرة على أن يصيحوا ليتخلصوا مما بقي لديهم من بضاعة, ومازال الوقت للشارين أن يستقصوا ويختاروا, وكأن درب مولاي الشريف كنهاره, يستمد الواحد من الآخر فورة الحياة. في أركان الأزقة شباب حصنوا قلاعهم, إيذانا ببداية سمر وسكر علني لا ينتهي... من بين هذا الضجيج يخرج باخالق بجسده النحيل، وسنيه العشرين، متأبطا محفظة صغيرة إلى مقهى ببشار الخير، حيث يبدأ الشباب في الالتحاق بمكان الاجتماع، المقهى, هي كل ما وجدوه كمقر رغم شساعة هذا الحي, كي يتداولوا كيف يبصمون خطاهم وسط هذا الضجيج. منهم الطالب والتلميذ والموظف والعامل والعاطل, شباب لا يتعدون الثلاثين من العمر. يعزفون الموسيقى, يخرجون المسرحيات, يمثلون ويرسمون ..أيضا يتطوعون لمساعدة من هم في وضعية صعبة بما أوتوا من خبرات اكتسبوها مالقنوها لهم. يناقش الشباب في المقهى السياسة والأدب والفن وقضايا مجتمعهم، بحنكة كبيرة وبإطلاع عميق, من قال إن شباب الفايسبوك سطحي وتافه؟ ربما لم نسمح لأنفسنا كي نفسح لهم مكانا بجانبنا, وربما اعتقدوا أننا حطام نكسات، فشاحوا عنا، صانعين لأنفسهم عالما افتراضيا, من النجاح. هم شباب »(كيرا 13« ),هكذا اختاروا أن يعرفهم الجميع, من خلال ذاكرة الحي المحمدي, يؤسسون بثبات شرف الانتساب لحي تمعن الدولة في تهميشه ويصر إلا أن ينتج علامات فارقة على أصعدة شتى، تبقى ظاهرة ناس الغيوان أبرزها, ومفتاح باطما, بوجميع أحد معالمها. يقول محمد با خالق، رئيس الجمعية, »ارتأينا ان تحمل جمعيتنا طابع انتمائنا ووفاء لأسماء طبعت ذاكرة الحي المحمدي, من بينهم كيرا, (حميد رابحي) ابن درب مولاي الشريف، سوسيكا تحديداً، فقير وصاحب نكتة، ينثر الضحك في الأزقة والدروب، يحصل بالكاد على ما يقتات به ويمنح الفرح بسخاء. يقول عنه الزميل حسن نرايس في أحد مقالاته، »»إنه من أهم الوجوه الساخرة التي أنجبها كاريان سنطرال.. الكل يعرف كيرا, أو على الأقل، الكل سمع عن كيرا حتى تجاوز اسمه المكان، وطرائفه يحكيها العباد.. لسانه ذو حدين السخرية و الهجاء بدون عنف، ولكن بالمعنى، ترك طرائف ومستملحات نادرة لا يبدعها إلا الراسخون في فن السخرية«« أما 13 فهي حصيلة ما رصده الشباب من رواد الحي: محمد مفتاح، باطما، بوجميع، السوسدي، عزيز الفاضلي، عمر السيد، مصطفى با خالق.... وغيرهم, ولو أن حسن نرايس رصد 28 منهم. 13 أيضاً يقول باخالق إحالة على كوميسارية الحي، (كوميسارية 13) بما تحمله من إحالات أليمة. في البداية، يقول، «كان اهتمامنا منصبا على المسرح، جرفتنا الغيرة على ماضي الحي الفني. فقررنا أن نكمل ما بدأه الرواد حتى نحافظ على ذاكرتهم. بدأنا بالاشتغال على مسرحيتين، لكن أثناء اجتماعاتنا، تبلورت الفكرة ,تساءلنا لماذا لا نؤسس نحن أيضاً مسارا لنا ونترك بصمتنا كما تركها الرواد دون أن نتخلى عن حضورهم الغائب، أن نكون نحن الامتداد حتى يبقى الحي المحمدي رحماً خصباً. كنا أربعة، أخرجنا كيرا 13 للوجود في 20.06.2011، فأصبحنا اليوم 75 منخرطاً في جمعية بلا مقر، بلا دعم» لا أحد في هذا الحي, رغم شساعته, يمد يدا لشباب اختاروا أن يثوروا ضد الإقصاء وضد انحطاط الفكر والقيم ,ضد واقع الحي الذي يغرق شبابه في المخدرات والانحراف ثم يسوقهم لغياهب السجون,ضد الهدر المدرسي ...وأساسا ضد التهميش الذي يطال ساكنة الحي في غياب أندية وفضاءات للثقافة والابداع. تدعم بعض الأطر الجمعوية باخالق ورفاقه, أقدير والرهوني يفتحون لهم طريقا للاستفادة من شبكة الانترنيت وغيره, كما يفتح رضوان الشعيبي مسرح «المدينة للأطفال»مساء لينجزوا تداريبهم المسرحية,دون أن ينسى الشباب التنويه بمحمد امجيد ,الكهل الذي آمن بالشباب, لا يتقاعس في تقديم العون. في جعبتهم اليوم 5 مسرحيات ,أولها «مازالت الدنيا بخير» قدمتها الجمعية في ورزازات ,ثانيها «طجين مغربي» التي تنتقد الوضع الحالي للبلاد, ثالثة تناقش الهدر المدرسي تم عرضها في مجموعة من المدارس, ثم «شكون بغا يخدم» تناقش موضوع الشركات التي تستغل الشباب في فترات التدريب دون أجر ثم تطردهم , والخامسة مسرحية «في دقيقة» التي تنهض على فكرة فلسفية كونية يرسلون من خلالها رسالة للشباب للتريت والتعقل, مفادها أنه ليس من العبث أن نخسر دقيقة من الحياة, ولكن العبث أن نخسر الحياة في دقيقة. تهتم كيرا 13 أيضا بالموسيقى, حيث تم تكوين مجموعة موسيقية من أبرز أعضائها مكفوفين, نزار وزكرياء ,فنانون بالفطرة, يطورون مهاراتهم بمجهود شخصي. يتطوع الشباب لإعطاء دروس الدعم للتلاميذ في وضعية صعبة مساعدة منهم لوضع حد للفشل الدراسي ويقومون بأنشطة تحسيسية وترفيهة للأطفال, يجمعون الملابس ويوزعونها على معوزي الحي... طموح باخالق ورفاقه لا يقف عند هذا الحد ,لهم برنامج حافل بالأفكار التي تصب في نهضة فكرية ,ثقافية وفنية واجتماعية للحي المحمدي : سلسة رسوم متحركة للأطفال و موقع على الأنترنيت يتضمن راديو الحي....الخ من أين يأتون بكل هذه الطاقة للصمود والأمل, بالرغم من أن واقع حاضرهم محبط ؟ يخططون للمستقبل ويتفاءلون بالغد, ألايستحق هذا الطموح الفتي موقع قدم , أرض ثابتة لانطلاقة ثابتة , عوض أن يبقى هؤلاء الشباب يلفون المقاهي ويلجون الحدائق للتدريب على قطعة موسيقية أو تمثيل مسرحية, هل تعجز جماعة الحي المحمدي في فسح مساحة للشباب كي يفجروا طاقاتهم الابداعية .الا تستحق كيرا 13 دعم التنمية البشرية والتفاتة فعاليات الحي المحمدي لهم حتى يستعيد الحي من خلالهم روح الإبداع التي دفنها التهميش والإقصاء الممنهج للحي ولشبابه.