في مثل هذا اليوم 8 دجنبر 1952، قمع بونيفاس الانتفاضة الشعبية العفوية التي عرفتها مدينة الدار البيضاء مباشرة بعد تلقي المغاربة لخبر اغتيال المناضل الوطني والزعيم التونسي فرحات حشاد، يوم 5 دجنبر 1952 من طرف منظمة فرنسية إرهابية سرية تسمى اليد الحمراء، التي تولت قيادتها أعضاء بارزين في الادارة الاستعمارية في تونس، مثل «بونس» الكاتب العام لدى المقيم الفرنسي العام والعديد من محافظي الامن. لقد قامت تلك المنظمة الارهابية بتصفية العناصر الوطنية التونسية المعروفة مثل الهادي شاكر والزعيم النقابي فرحات حشاد الذي كانت ترى فيه الرأس المدبرللنضال المسلح، حيث اعترضت طريقه سيارة تابعة لليد الحمراء وأمطرته بوابل من الرصاص، وحاول حشاد اللجوء الي سيارة اخرى وهناك تم قتله . وعلى إثر تلك الجريمة الشنعاء التي دبرها الاستعمار الفرنسي، تقرر شن اضراب عام بمدينة الدارالبيضاء من طرف النقابيين المغاربة في جميع القطاعات يوم 8 دجنبر 1952 . وجاء الاضراب أيضا على إثر إقدام الاستعمار الفرنسي على تزوير إرادة الشعب المغربي بتعديل نظام انتخابات الغرف التجارية و الصناعية المغربية ، حيث رفع عدد من يحق لهم المشاركة في الانتخابات من 8000 تاجر و صانع إلى 22 ألفا نصفهم تجار و صناع من البوادي، حيث يلعب الضغط الفرنسي دوره كاملا في تزويرإرادة الناخبين، فرد حزب الاستقلال آنذاك، بدعوة الناخبين لمقاطعة الانتخابات. ولما وصل خبر إعلان يوم الاضراب الى السلطات الاستعمارية، جندت هذه الأخيرة صحف «ماص» لنشر أخبار كاذبة يوم 8 دجنبر وصور جثث الاوروبيين القاطنين بالمدينة، كما وظف بونيفاس هذه الحملة لتدبير كمين للنقابيين المغاربة، ذلك أنه سمح لهم شفويا بتنظيم تجمع ببورصة الشغل، ومنعهم غيابيا دون إبلاغهم قرار المنع، و لما وصلوا الى البورصة منعهم البوليس ليجدوا في الشارع تجمهرا أوروبيا كبيرا ينتظرهم ، وهو جمهور جاء لمواجهتهم ، حيث كانت المواجهة بينهم بمساعدة السلطات الاستعمارية ، وكانت الحصيلة مئات الضحايا والعديد من الاعتقالات في صفوف رجال المقاومة و رجال الحركة الوطنية واعضاء من حزب الاستقلال و مسؤولين نقابيين. وفي تلك الفترة طالبت الصحف الفرنسية الحرة بتشكيل لجنة تحقيق في حوادث الدار البيضاء، الا أن الجنرال غيوم رفض دخول تلك اللجنة الى المغرب وهدد بالاستقالة، ومن بعد اكتشف المحقق العسكري في تحقيقه لتلك الاحداث أنه ليس ثمة أسباب قانونية لملاحقة المعتقلين المغاربة، و رفض قبول تصريح الجنرال غيوم حول أسباب الشغب. في مارس 1944، استقال من النقابة التابعة للكنفدرالية العامّة للشغل - الفرع الاقليمي - بسبب تحيزها ضد العمال التونسيين ، وعمل على تأسيس نقابة تونسية بدأت في نونبر 1944، واسمها «اتحاد النقابات المستقلّة لعمّال الجنوبالتونسي» في صفاقس وتولى أمانتها العامّة، ومن رحم هذه النقابة سيولد "الاتّحاد العام التونسي للشغل" في 20 يناير 1946 . وكان حشاد يسير على خطى محمد علي الحامي في العمل النقابي الوطني. انضم سنة 1950 الى الكونفدرالية العالمية للنقابات الحرّة (السيزل)، واكتسب شهرة عالمية وشارك في مؤتمر المنظّمة في ميلانو بإيطاليا في يوليوز 1951 بوفد من الاتّحاد، واختاره المؤتمر في عضوية نائب رئيس في المكتب التنفيذي للسيزل مكلّف بافريقيا ، وخطب في المؤتمر فقال : «نحن مصمّمون على التحرّر من عبوديتنا بالاعتماد على أنفسنا وعلى مجهوداتنا الخاصّة،..إنّ الأنظمة الاستعمارية الموجودة تعكّر هذا السلم لدى الشعوب المضطَهدة،..نحن في حالة حرب دائمة مع النظام الاستعماري لاستعادة حرّيتنا، وبدونها لا مجال للسلم، ..أظهرت تجربة عشرات السنين الماضية بوضوح أنّ الدفاع عن المصالح الاجتماعية للجماهير بغاية الارتقاء بالوضعية العمّالية، لا يمكن أن يعطي نتيجة إيجابية ما دامت بلداننا خاضعة للآلة الاستعمارية المجرمة». كما حضر مؤتمر سان فرانسيسكو في شتنبر 1951 ، وزّع فيه على الحاضرين مذكّرة حول الأوضاع في بلدان المغرب العربي الثلاثة، ومن أمريكا سافر إلى بروكسيل لحضور اجتماع المكتب التنفيذي (للسيزل) ، وتمكّن من إقناع بقيّة اعضاء المكتب بإصدار بيان يعربون فيه عن تضامن المنظمة مع الشعوب المستعمَرة التي تكافح من أجل تحرّرها، كما وافق المكتب على اقتراح حشّاد بفتح مكتب داخل المنظّمة خاصّ ببلدان شمال افريقيا وعلى بعث لجنة إلى المغرب الأقصى. كان يدرك الشهيد حشاد أنه عرضة للإغتيال، ففي يوم الأحد 30 نونبر 1952، أرسل عائلته إلى سوسة، بعد شعوره بالخطر ، وحين عبّرت له زوجته عن تخوّفها ممّا آت وسألته إن كان مهدّدا بالدخول للسجن، فأجابها وهو يركبها سيّارة الأجرة بأن تقرأ له الفاتحة حتى يدخل السجن، لأنّه كان مدركا تمام الإدراك أنّ موته قريب كما قصّ لها حلمه وهو يشقّ الطريق الرابطة بين محطّة قطارات الضاحية الشمالية (ت.ج.م) وحلق الوادي لوحده على رجليه بين طابورين من الجند الفرنسي اللذيْن اصطفّا من أجله، كي يركب باخرة فرنسية راسية في ميناء حلق الوادي، وقد أسرّ إلى زوجته بأنّه ضحك في منامه متعجّبا من هذه القوّة الفرنسية الكبيرة من أجل شخص واحد سيركب إحدى البواخر الفرنسية . اغتيل الشهيد فرحات حشاد برادس (الضاحية الجنوبية للعاصمة تونس) يوم 5 دجنبر 1952 ، ونقل جثمانه على متن بارجة حربية فرنسية راسية في ميناء حلق الوادي، وسط اجراءات أمنية وعسكرية مشدّدة في ظلّ حالة الطوارئ إلى مسقط رأسه قرقنة كي يدفن هناك. حينما تجرأ قاتل فرحات حشاد على الإعلان عن هويته بمجرد اعتراف الضابط الفرنسي أنطوان ميليور في العام 2010 بوقوفه وراء اغتيال الزعيم النقابي التونسي، قامت عائلة النقابي التونسي برفع دعوى قضائية في باريس، ضد ضابط فرنسي اعترف بقتل والدها قبل نحو 58 عاما في فترة الاحتلال الفرنسي لتونس. وقالت جميلة حشاد ابنة الزعيم الراحل، إن العائلة كلفت محاميين اثنين من فرنسا ومحاميا من تونس برفع الدعوى في العاصمة الفرنسية إثر اعتراف الضابط الفرنسي أنطوان ميليور بقتل والدها في الخامس من دجنبر من عام 1952 رميا بالرصاص. ويعد حشاد قيمة تاريخية وأحد رموز النضال التونسي ضد الاستعمار الفرنسي إلى جانب الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة والزعيم أحمد بن صالح، وهو من مواليد 1914 بجزيرة قرقنةجنوب البلاد. وقد اكتسب شعبية كبيرة بعد تأسيسه الاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال) في عام 1946. وقد برزت قضية اغتيال حشاد من جديد على سطح الأحداث في تونس عقب بث قناة الجزيرة الوثائقية شريطا وثائقيا مطولا عن ملابسات جريمة اغتياله. وتضمن الشريط اعترافات لأحد أعضاء مجموعة "اليد الحمراء" الفرنسية ويدعى أنطوان ميليور أكد فيها أنه نفذ عملية الاغتيال وأنه ليست لديه مشكلة في ذلك وإذا طلب منه تكرارها فلن يتردد. وأثارت هذه الاعترافات الصريحة استياء الأوساط السياسية والنقابية والثقافية التونسية التي طالبت بفتح ملف جرائم الاستعمار الفرنسي، ودعوة فرنسا إلى تعويض تونس عما جرى أثناء الحقبة الاستعمارية. كما دفعت الاتحاد التونسي للشغل إلى تشكيل لجنة لمتابعة قضية الاغتيال، فيما أعلنت مجموعة من الناشطين السياسيين المقيمين في باريس إنشاء منظمة أطلقوا عليها اسم الحقيقة والعدالة لفرحات حشاد، كما انطلقت على موقع فيسبوك حملة لجمع التوقيعات على عريضة تطالب بفتح تحقيق في اغتياله. وقالت ابنة الزعيم النقابي الراحل «أخيرا تجرأ القاتل على الظهور علنا ليتباهى بفعلته وليستفزنا على الملأ، نحن لن نصمت، سنلاحق حق والدنا ووالد كل التونسيين». وأضافت أن عائلتها مصممة أيضا على أن تعرف مدى مسؤولية الحكومة الفرنسية عن الاغتيال. ومنظمة «اليد الحمراء» وحدة خاصة بالاغتيالات تابعة لأجهزة الاستخبارات الفرنسية، نشطت في منطقة المغرب العربي وداخل أوروبا ما بين عامي 1952 و1960 حيث استهدفت رموز الحركات الوطنية في تونس والجزائر والمغرب.