عمر الفرشي.. اسمه وحده علامة نضالية. البارحة أسلم الروح لباريها، في فراشه، بعد أن خاتل الموت لسنوات وسنوات في دروب الفعل النضالي الميداني. في البلاد وفي المنافي. وبرحيله يفقد المغرب طينة خاصة من الرجال، كان الفعل السياسي عندهم انتماء روحيا ووجوديا. وكان «الاتحاد» ليس حزبا، بل زاوية روحية يسلس لديهم الخطو من أجل الموت والفداء من أجل مشروعها السياسي والفكري والنضالي. لم يسع قط لمجد أو جاه، بل عاش متصالحا مع يقينه الخاص أنه ولد ليعيش رجلا. هل للسلالة الناصرية دور في ذلك؟ فهو عمر الناصري، الذي اشتهر باسمه الحركي عمر الفرشي، في منافي البلاد العربية بالجزائر وليبيا وسوريا. رفيق عبد الفتاح سباطة والفقيه البصري زمن مقاومة الاستعمار، وضمن الكوكبة الفاعلة في الميدان، ضمن الحركة الاتحادية، زمن سنوات الرصاص الحارقة، حيث كان ضمن مجموعة شيخ العرب وفي ما بعد مجموعة محمود بنونة المتسللة سنة 1973 من الجزائر، التي كانت تضم أيضا ابراهيم التزنيتي النمري. برحيله، رحلت ذاكرة كاملة لم يدون من تفاصيلها غير القليل. ويكاد يشكل مع جيل من أمثاله من شباب الخمسينات والستينات، في الفعل السياسي، تجربة مستقلة خاصة في تاريخ المغرب الحديث، تصلح مادة للدراسة والتحليل، عن معنى خروج الرجال من أجل الموت من أجل قضية يؤمنون بها حد الوجد. ولم تكن تلك القضية غير أن يكون المغاربة أحرارا في بلد حر. لم تكن الأيام رحيمة به دائما، ولا الكثير من صحبة الطريق، ورغم ذلك ظل عمر الفرشي هو عمر الفرشي، تماما مثلما بقي محمد باهي حرمة وإبراهيم الحلاوي ومحمد بنسعيد أيت يدر (هؤلاء من رفاقه الخلص)، هم هم. ذات الأنفة في كبرياء الروح، وذات النظرة التي تكون للنسر في القمة الشماء. وكم تغري شخوصهم بالكتابة والتأمل والدراسة عن معنى مغربي للحياة. وكم كان جميلا، أن الرجل كان دوما، كما عرفته، رفيقا للفرح والبسمة والانطلاق، رغم كل الضيق المحيط به والخطر الذي كان جاره لسنوات في المنافي وفي معارك سنوات الرصاص. في مكان ما، علينا الاعتراف بأن النضج السياسي الذي بلغه المغرب اليوم، كان لتجربة جيل عمر الفرشي الدور الحاسم فيه. لقد علمونا جميعا أن الممكن السياسي الوطني لا يستقيم بغير التوافق الذي يقي البلاد والعباد من كل استبداد في هذا الاتجاه أو ذاك. وهم أدوا الثمن على ذلك من لحمهم وجلدهم وأرواحهم. ومن هنا غنى تجربة الحياة التي عاشوها، وأيضا غنى التجربة السياسية المغربية، التي تجعل الآخرين يصفونها الآن ب «الخصوصية المغربية». رحم الله عمر الفرشي الناصري، المناضل والإنسان.