استضاف نادي «أصدقاء ديونيزوس» بمدينة الدارالبيضاء الفنان المبدع الكوليغراف والمخرج المغربي لحسن زينون. وقد حضر هذا اللقاء الثقافي جمهور غفير من المهتمين وعدد من الوجوه الثقافية والفنية ببلادنا. اللقاء كان لحظة احتفائية وتكريمية في الآن ذاته، سلّط خلالها كل المتدخلين أضواء كثيرة على مختلف الجوانب الحياتية والفنية لهذا المبدع الكبير القادم إلى الرقص من الحي المحمدي. يعد لحسن زينون الفنان المغربي القادم من عالم الكوريغراف، شخصية فنية لها وزنها وحضورها الوطني والدولي، وعلاقته بالفن تجاوزت نصف قرن من الممارسة، أولا كمصمم للرقصات وثانيا في الكتابة للسينما والتلفزيون، وثالثا خوضه لغمار الإخراج السينمائي من خلال أفلام سينمائية قصيرة، اعتبرت بمقياس النقاد والمهتمين مهمة على مستوى الطرح والتناول لمواضيع لم تستهلك من قبل من لدن المخرجين السينمائيين المغاربة. حصل على أول جائزة في الرقص من المعهد البلدي بالدارالبيضاء سنة 1964. ولما أصبح راقصاً نجماً اشتغل مع كبار الكوريغرافيين، مثل بيتر فان ديك، جورج لوفيفر، أندي لوكليرهان فوص وجان برابان. وفي سنة 1978 أسس زينون مع زوجته ميشال باريت مدرسة للرقص وفرقة «باليه - مسرح زينون»، التي تخرج فيها عدة راقصين منهم ولداه. وبعد أن نال لحسن زينون شهرة عالمية قدم عروضه في الغرب وفي العالم العربي، وأسهم في تصميم الرقصات لعدد من الأعمال السينمائية منها «الإغواء الأخير للمسيح» لمارتن سكورسيزي و»شاي في الصحراء» لبرناردو برتولوتشي، و»ظل فرعون» لسهيل بن بركة. في سنة 1991 أخرج شريطاً قصيراً «حالة هذيان»، وأنجز ثلاثة أفلام قصيرة «الصمت» 2001، «البيانو» 2002 و»عثرة» 2003 الذي نال جوائز عدة. في كلمته التقديمية، رسم الإعلامي حسن نرايس المسار الحياتي والفني للفنان لحسن زينون، ابن الحي المحمدي، الذي خرج راقصا من حي شعبي كان يعتبر آنذاك الرقص عملا مشينا لا يليق بالرجال. لكنه، يضيف نرايس، كان مؤمنا برسالته الفنية وبالهدف الفني السامي الذي كان ينشده. فضلا عن ذلك وقف عند المحطات الأساسية في التاريخ الفني والثقافي والإنساني لزينون. الفنانة التشكيلية سناء بزاز أشارت، من جهتها، إلى الذكرى التي أثارتها فيها إعادة افتتاح المسرح الأسطوري «بولتشوي»، وجعلتها تتذكّر الفنان زينون وهو يحاول أنْ يؤسس لأسلوب جديد في المغرب، وهو فنّ الكوريغرافيا باعتباره أسلوبا تعبيريا قوامه الحركة ونسيان الأنا من أجل تهدئة آلام الجسد وجراحاته. وعادتْ الفنانة سناء بزّاز بالذاكرة إلى بدايات زينون ببلجيكا حيث كان يومها جدّ مرهف للتعبيرات السمعية والضوئية، وهي التعبيرات التي سوف تتجسّد، منجهة، في قدرته على اللعب الماهر والانسيابي بجسده وحركاته الكوريغرافية البديعة، وفي تمكّنه، من جهة أخرى، من توظيفها في الأفلام السينمائية، سواء تلك التي أشرف على تصاميمها الفنية، أو التي أخرجها باسمه. وفوق كل هذا فإن وراء المظهر الفني للحسن زينون هناك الرجل المتواضع، الصموت، المنصت للآخر والذي لا يتخل إلا في الوقت المناسب لكي يقول ما يكفي. أما الناقد محمد سكري، الذي آثر الحضور إلى هذا اللقاء التكريمي رغم التعب الصحي الذي يشكو منه، فقد استهل كلمته بالتساؤل عن ما معنى أن يكون المرء راقصا؟ وما معنى أن يكون المرء راقصا وهو مغربي، ويرغب في أن يكون راقصا في المغرب؟ إن الرقص هو قبل كل شيء مواجهة صريحة لسياج الجسد، قرينه وكل آثار الجراح الممكنة التي يمكن أن تفرزها هذه المواجهة. إن زينون، الذي كان قد اتخذ قراره في وقت مبكر، وضحى بكل الامتيازات التي كانت توفرها له تجربته ووضعه كنجم في أوربا، مفضلا الرجوع إلى المغرب في السبعينيات للعمل بكل مغربيته وعشقه لفن الجسد. وبطبيعة الحال فإن هذه العودة لم تكن سهلة، ذلك أنه في الكثير من الحالات كان في مواجهة مواقف سيئة، بل ومأساوية لا علاقة لها بالرقص ولا بالفن. وقد طالت هذه المواقف المأساوية حتى عائلته القريبة، زوجته وابنيْه، ليضاف إليها وفاة ابنه في حادثة سير، وقبل ذلك الأزمة النفسية التي عاشها بسبب الإهانة التي تعرض إليها من طرف الملك الراحل الحسن الثاني. ذلك أنه بينما كانت فرقة لحسن زينون تقدم عرضا في الرقص في حضرة الأميرة لالة فاطمة الزهراء، دخل الحسن الثاني وخاطب زينون قائلا: «ها اللي غادي يخرج عليكم». وأضاف مهددا وخنجره بين يديه»حيد هاد الشي ديال العيا لات(يقصد شال كان يضعه زينون)هادي راها بلاد الخيالة والرجالة، والخيالة ما كيشطحوش، بالله العلي العظيم وما تبعد من التراث ديالي حتى نحط عليك دعوتي». يقول زينون معلّقا على هذا الحدث: «أصبحت أخرج من البيت وأذهب لأتأمل الصخور، وقد ساعدني عى ذلك كاهن زارني بالبيت ونصحني بعدم مغادرة البلاد». إنها مثال على العزلة التي يستشعرها الفنان الحقيقي إزاء السلطة، ويعيشها في ألم تراجيدي كبير. ويضيف سكري أن زينون عانى الفنان زينون من كلّ أشكال التهميش والإبعاد والإقصاء ومواجهة العائلة والنظرة المجتمعية لا لشيء إلا لأنه أخلص لرغبته في أن يؤسس للفن ولفن الكوريغرافيا الرفيع أساسا الذي كان بمثابة طابو وهدفا لكل ضروب الريبة والشك. ويعود السبب، في نظر محمد سكري، إلى أن فنّ الرقص يمسّ التشخيص بواسطة الجسد، وإلى جسدنة الرغبة، وإلى قدرة الفعل على تجاوز القول. ألا يمكن القول بأن أحلام لحسن زينون في هذا المجال قد سُرقتْ ومُنعتْ وتم تبخيس حمولتها الحقيقية، وكأن مجتمعنا ينطوي على كل العناصر الكفيلة بإحداث قطيعة مع إقامة وتأسيس الفنّ، والمتمثلة هنا في التأسيس لفن الرقص الحديث بالمغرب. باقي المداخلات، التي تقرأون البعض منها كاملة ضمن مواد هذا العدد، ركّزت على جوانب أخرى من تجربة الفنان زينون. ومنها مداخلة الناقد السينمائي حمادي كيروم الذي أبرز المساهمة المجددة لزينون في مجال الإخراج السينمائي المغربي، فضلا عن لمساته الفنية في العديد من الأفلام المغربية والدولية، وبخاصة فيما يتعلق بتصميم الرقصات السينمائية وبعض التعبيرات الجسدية. لكن أبرز ما ميّز هذا الحفل الاحتفائي والتكريمي هو الجو الحميمي القوي الذي ساد، والذي دفع عددا من أصدقاء وزملاء الفنان زينون إلى طلب الكلمة رغبة منهم في تقديم شهادة أو اعتراف أو بوح.