تعودنا في كل موسم ثقافي أن يكون الدخول الثقافي بطيئا في انطلاقته، ليس مثل سلحفاة خارجة من صوم إكلنيكي، وإنما مثل حجر ملقى على الطريق ويحتاج إلى من يلقي به في النهر، لإحداث تموجات صوتية، وهذا أمر صار عاديا ولم نعد نبالي به، ولا نحتاج لنقارن المغرب مع فرنسا. فالموسم الثقافي قد يتأخر كما قد تتأخر الأمطار، ونقوم بصلاة الاستسقاء، ونبقى ننتظر نراقب تساقط أوراق الأشجار في فصل الخريف، كأنما الثقافة لها عطلة، وكأنما من يقرؤون ويكتبون الإبداع الأدبي والنقدي، متوقفون عن التفكير والخيال في هذا البلد الأمين. وإذا كان العمل الثقافي بالنسبة للهيئات الثقافية والجمعوية بالمغرب تطوعيا، ومجهودا يقوم به مثقفون وأدباء، على حساب انشغالاتهم والتزامتهم اليومية، سواء في الكتابة أم في حياتهم الخاصة، فإن ذلك ليس مبررا لنحمل هؤلاء مسؤولية الجمود الثقافي، فالدولة هي من عليها أن تتبنى سياسة ثقافية حقيقية، تنهض بالشأن الثقافي، وتجعل منه مجالا للاستثمار، بدل التباكي على كون الثقافة بالمغرب لاجمهور لها، بحجة عزوف القارئ عن القراءة. ومع ضعف الإمكانيات المرصودة في ميزانية الثقافة، تلك التي تقدمها الدولة من ميزانيتها العامة، وهذه مسألة بديهية، ومعروفة لدى الجميع، ربما لهذا السبب أو ذاك قد يتأخر الموسم الثقافي، وحتى ولو انطلق الموسم فلا يشكل بالنسبة لنا حدثا، فهو يمر في صمت كبير، ونبقى نسمع هنا وهناك خبرا منفردا عن تنظيم تظاهرة ثقافية أو ندوة أدبية أو فكرية، أو تكريم أو تأبين شخصية أدبية. في المغرب، سوء فهم للدخول الثقافي. هل نريد أن نكون مثل فرنسا أو اسبانيا في تقاليدهما الثقافية العريقة، حيث كل دار للنشر تصنع حدثا ثقافيا، عبر إصدارها عناوين من الكتب، ما أن توزع حتى تحتل رقما قياسيا في المبيعات، فهذه الدول لها صناعة ثقافية، تعرف كيف تروج لمنتوجاتها الأدبية سواء عبر الإعلام المكتوب، أو عبر وسائل السمعي البصري، فالكتاب والثقافة يخضعان لماركوتينغ السوق وحاجيات القارئ. وفيما قبل كان تدشين مؤسسة ثقافية تابعة للدولة، وفتح خزانة أو مكتبة في كل مدينة كل سنة، يعد احتفالا ومعجزة، لكن كم تأسفنا من بعد ذلك لأن تلك البناية تبقى تعاقر الفراغ، ولا أنشطة تنظم بها، فهذا هو الموت بعينه. فالدولة بكل مؤسساتها عليها أن تتحرك لتعطي صورة مشرفة لبلدنا من خلال تقديم الدعم المادي واللوجيستيكي، لتكون برامج ثقافية تنظم طيلة السنة، وليس فقط في المواسم وحسب الأمزجة. لذا هناك بؤس حقيقي، تعيشه الثقافة المغربية، فهي غير مرتبطة بفصول السنة الأربعة، فهي أحيانا تشبه صحارى قاحلة، فقط تحتاج إلى من يحرثها ويبث الحياة فيها. للأسف الشديد الإصلاحات الكبرى التي يشهدها المغرب حاليا لم تكن الثقافة محط اهتمام الدولة، وقد يقول قائل: «هناك بنيات تحتية صار المغرب يتوفر عليها». لذا وأقولها بملء الصوت: إننا نحتاج إلى ثورة ربيع مغربي في ثقافتنا، لتشمل الجمعيات والمؤسسات الثقافية الرسمية، ونهتم بالخصوص بالأدباء الشباب ونقدمهم في إطار تجديد النخب الثقافية، بدل تكرار نفس الأسماء الأدبية في لقاءات ومهرجانات كأن المغرب بلد عقيم ليس فيه أدباء جدد. ورغم كل هذا، علينا في المغرب أن لا نكون متشائمين أكثر من اللازم، فهناك فجوة أمل، فالأنشطة التي نتابعها -على قلتها- هي ذات أهمية، ولها وزنها، وكذلك بالنسبة للإصدارات الأدبية، فنحن في المغرب نهتم بالنوع أكثر من الكم، وهذه خاصية ربما نمتاز بها عن غيرنا، مما أعطى للممارسة الثقافية بالمغرب بعدا ينفرد به عن باقي بعض الدول المغاربية والعربية.