دولة الحق هي دولة فيها حق وفيها عدل يشعر فيها الانسان بالتعبير والتغيير والتحول المستمر نحو الأفضل، لكن لا يمكن تأسيس الحق وبناء الحقوق في منأى عن الفعل السياسي باعتباره مبدأ مؤسسا لكل اجتماع مدني والذي تستمد منه كل سياسة بنيتها غايتها ورسائلها وقيمها الأولى، وهو ما يجعل من حشد من الناس تجمعا ذا معنى أي متكاملا ومتضامنا ومكونا لوحدة في الوعي والإرادة والشعور والهدف. والاجتماع السياسي الذي يؤسس لدولة الحق، يعتبر ممارسة للتضامن والتعاطف والتواطن بين الأفراد وهذا التواطن يجعل الأفراد والجماعات يتجاوزون ذواتهم الخاصة من أجل الاندماج في جماعة وطنية تؤسس لدولة الحق والقانون، ويتحول الفعل السياسي إلى وعي قصدي وممارسة لعقلنة المشهد السياسي. انطلاقا من هذا الاطار، فالمغرب مقبل على انتخابات في ظل دستور جديد يتضمن آفاقا جديدة لكل الفئات، باعتباره تعاقدا سياسيا واجتماعيا، حيث سينتقل المجتمع من الاجتماع التلقائي إلى التنظيم السياسي المتمثل في إقامة دولة الحق على أساس نظام تعاقدي بين الجميع ومن أجل إقرار إصلاحات واسعة تمهد لمرحلة جديدة باعتباره (الدستور) حاز على موافقة شعبية تمهد لتوفير كل الشروط القانونية والسياسية لتفتح أفقا ديمقراطيا لتأسيس دولة الحق. وتأسيس هذه الدولة بحاجة إلى ارتفاع نسبة الوعي السياسي داخل المغرب، باعتباره حلقة مهمة في سبيل تحقيق مشاركة سياسية حقيقية ستنقل الدستور من إطاره النظري إلى العملي الذي يتجسد في إطار قوانين منظمة للوضعية السياسية في الدولة لمنح الاعتبار لدولة القانون والمؤسسات القائمة على الفصل بين السلطات وسيادة الشعب، واحترام حقوق الانسان والحريات وتجعل من الانتخابات الوسيلة الشرعية لضمان شفافيتها والتسليم بنتائجها. كل هذه العناصر تدخل في المشاركة السياسية وهذه الأخيرة لا تتحقق إلا في ظل توفر حد أدنى من الاقتناع والإيمان من طرف المواطنين لأنهم يشكلون جزءا من النسق السياسي، ولهم مصلحة في دعمه لذا اعتبر أن المشاركة السياسية لا تنفصل عن الوعي السياسي المرتبط بالتنشئة السياسية. فماهو سائد داخل المجتمع من حوار ونقاش حول القوانين، أشعر أنه ركز على الجانب التقني (رغم أهميته) أكثر من السياسي لأن هذا الأخير سيثبت أكثر الممارسة الديمقراطية. فعدم دراية الفرد بما يدور حوله وجهله بالحياة السياسية، وعدم قدرته على المفاضلة بين البرامج وعلى التمييز بين الأطروحات وفهم دور الاحزاب، وكيفية تسيير أجهزتها وقوانينها الداخلية والأهداف التي تسطرها، كل هذا يولد لديه إحساسا بأن لا دور له في الحياة السياسية وأنه من الأجدر التقوقع على ذاته وتوفير جهده. لكن من المنطقي إشراك الجميع في العمل السياسي الذي أصبح ضرورة أخلاقية قصد إعادة الوعي بالذات لأن الحياة السياسية لا تستقيم إلا إذا فهم الفرد حقوقه وواجباته واستطاع أن يلتزم بها، وهذا لن يتحقق للفرد إلا إذا أصبح على درجة معينة مما يعرف بالوعي السياسي الذي يؤسس لدولة الحق، من خلال مقتضيات الدستور الجديد الذي ينقل المغرب من بلاد سلطوية إلى دولة في طريقها لتأسيس التدرج نحو تأسيس مؤسسات قادرة على صنع القرار السياسي، لأن المجتمع ليس كله قوى واعية والثقافة السياسية في بلادنا في أكثر تفسيراتها انتقادية وتشاؤمية ، ولا تريد أن نتقدم بسبب ضحالة الوعي السياسي وتقوية النقد الهدام. ولتجاوز هذا الوضع لابد من خلق جو سياسي يساهم في خلق نخب جديدة مسؤولة تواجهها معارضة قوية قادرة على فهم النقد والنقد البناء لإعادة النقاش السياسي عند السياسيين وانعكاسه على المجتمع، من خلال تسليط الأضواء على المؤسسات المنتخبة وليظهر ما تضمه في صفوفها من هيآت قادرة على نزع الاعتراف السياسي داخل المجتمع،ينبني على صراع أطروحات قادرة على الاقناع وإثبات الذات السياسية الفاعلة وليس المفعول بها. فالانتخابات المقبلة ستظهر من خلالها مدى جاهزية الدولة في القطع مع الأساليب القديمة، ومدى قدرة الأحزاب على اختيار نخب سياسية متمرسة داخل أحزابها بكفاءة عالية من خلال التدرج الحزبي وإعطاء الاعتبار للشرعية الوطنية. وما أفرزته المؤتمرات الداخلية من نخب دليل على أن الحزبي له اعتراف ضمني ويندرج ضمن نخب سياسية استطاعت أن يكون لها حضور في الأجهزة الوطنية لحزبها: إن الحزب السياسي أهم قناة لتحقيق مشاركة سياسة فعالة، مهمتها التأطير والتواجد. فتنمية مدارك الأفراد السياسية وتطوير معلوماتهم في كل مرافق الحياة المجتمعية ضرورية حتى يتسنى لهم إغناء الوعي السياسي داخل المغرب، لأن ممارسة العمل السياسي هي حق لجميع المواطنين. كل هذه العناصر الفكرية والسياسية والحزبية لها مساهمة فعالة في تأسيس دولة الحق.