بتقاسيم وجه طفولي، يطالعك الفاضل اليوسف المنتشي ، والذي هو أقرب للصمت دون سواه. كان يرغب أن يتمرس بالفن رسما، فشاءت ظروف مشاكسة أن يدرس وهو البعيد من هذا الميدان. فلقد مارس العمل الروتيني ولم يستسغ أن يظل سجين المكان سحابة يوم ، يعاني ضجيج الصغار وضغط الكبار، وهم يبحثون الوثائق أو يرصدون الصغائر طيلة عام. كان ضد الإدارة من كل أصنافها، يتشاءم حين تطالبه بوثائقها، يتبرم حينا ويقصدني ، يتفاءل بي كلما اشتد أمر، وضاق المدى. يتمدد حبل التواصل ، ينجز جل رواياته، ويضيق الزمان به، أتوعده إن تخلف عن موعد،فالجداول تنتظره. حصص للعذاب يشيح بوجهه حين يراها، فيبذل جهدا جهيدا ليثمر نصا يفاجئني، يتخلص من موسم في انتظار مواسم قادمة، ليضيف مزيدا من الخلق والابتكار. سنوات الصداقة أذكرها ، تستمر ولا فجوة للعتاب، وكيف وأنت تجالس شخصا قليل الكلام ، غزير العطاء ، يتحدث إبداعه والرصيد الذي قد تراكم عبر السنين. فالكتابة هم وحب يمارسه، والرتابة تؤلمه، وحزينا تصادفه وهو لم ينه بعد روايته، أو يفتش في عمق لوحته، عن مزيج من اللون ينقصه، وهو في حاله لايريد مكالمة أو محادثة، وكما قال راجع في نصه. لن نقول ليوسف أهلا فيوسف لايستطيب التحية إن كان يكتب فرح وانتشاء يصاحبه، كلما ضمت الجلسات رفاقا تشع ابتسامته، يحتفي ، ينتقي أجود المشروبات، ويطرب مستأنسا بالمكان. سطح يوسف كان فسيحا وقد ظللته الزهور فبات حديقة أنس، تضم العديد من الأصدقاء وقد جلسوا للسمر. وابن اسماعيل يشدو بملحونه ، ويطيل فيمتعنا بنصوص مسجلة باسمه، وبصوت مراكشي الأداء. متعة زادها الفكر والنكت المستباحة في عز نشوتنا ، وعلى نغم العود تنطلق الأغنيات ، لتختلط الضحكات مع الكلمات التي انحرفت عن مسار الغناء. كان يبسم، يسخر حين يباغته صوتي المتشنج ، أنشد بعض الأغاني في عز جلستنا، صحبة الأصدقاء وقد حلقوا قاب قوسين من حسن ، يعزف الصحب كل جميل. أتذكر رحلتنا رأس عام جديد، يرافقنا أحمد ورقيد، وشاعر مليانة، ومدير الثقافة في جهة المملكة. كانت الأمسيات صدى مرح قد تواصل رغم بعض المصائب حين قلقت ، وكان عزائي الجميل بضحكة رائد قصتنا، ومواقف يوسف في لحظات الحساب. وتراه يذيب الزمان برسم يمانعه، أو يشذب فصلا نبا من روايته، مستشيرا بكل المعاجم ، ينحت من لغة لغة طيعة. كلما ضاقت النفس سافر مقتنصا لحظات الكتابة إن في الشمال بدت أو تراءت تجاه الجنوب. هكذا هو في صبحه يكتب الحيز المبتغى، والمساء كفيل بطي الهموم مع الأصدقاء وفي جلسات السمر. صاحبي كل ماقلته لايفي بالذي أنت أهل له، فالكلام عصي أمام المحبةإد يلتوي، وتظل الصداقة أسمى اعتبار.