«... وبدأت المتاعب». ذلك هو العنوان الذي اختاره المخرج الأمريكي المثير للجدل مايكل مور لكتابه الجديد، يسرد فيه فصول المضايقات التي تعرّض لها بعد فيلمه «فهرنهايت 9/11»، وتفاصيل أخرى ليخلص إلى أن العقد الأخير أثبت كم كان على حق في كل ما آمن به وقاله وأنتجه. عندما يُقرأ «وبدأت المتاعب»، يُدرك أن المخرج اليساري خاض حربا رابحة.. جراء معارضته لها. فقبل هجمات 11 شتنبر 2001 وغزو العراق لم يكن مور سوى «وجع موضعي»، مجرّد شوكة في خاصرة «شركات أمريكا الحكومية»، وليس أكثر من بوق أمامي بين الناشطين في اليسار المتطرف. بدأت الشهرة تبتسم له عندما فاز بجائزة أوسكار عن فيلمه، المناهض للأسلحة، «بولينغ فور كولومبين». ثم سرق مور الأضواء عندما أدان الرئيس جورج بوش علنا باعتباره «رئيسا كاذبا» فاز في «انتخابات زائفة» ويأخذ البلاد إلى حرب «لأسباب زائفة». كان ذلك بعد أربعة أيام فقط على غزو العراق. فجر هذا الخطاب جدلاً.. حتى في عقر دار مايكل مور في هوليوود. كتب المخرج في مذكراته «ما لم أفهمه حينها هو أنه كان لا بد من أن يبدأ الجدل في مكان ما، كان على أحدهم أن يقول ذلك جهراً»، مانحاً لنفسه الفضل في إطلاق الحملة ضد بوش، أي إطلاق «الشرارة الصغيرة الأولى» لما أصبح لاحقاً «وابلا» من الهجمات ضد الرئيس الأمريكي، عادت عليه بانتصارات أخرى. منذ هجمات 11 شتنبر، نشر مور كتابين من بين الأكثر مبيعا، وأنتج أربعة أفلام وثائقية حلّت بين الأفلام الوثائقية العشرة الأكثر ربحية. كما شن حملة في الجامعات الأمريكية معبئاً مجموعات كبيرة من الناخبين الشباب. الآن عدّلت بوصلة مور وجهتها نحو الرئيس باراك أوباما، بعدما كان قد ساعده للوصول إلى البيت الأبيض في العام 2008 . وقال المخرج ل«نيوزويرك» عن أوباما، «لا أعرف لماذا اختار هذا الطريق، لماذا لم يقاتل من أجل الطبقة العاملة. كان من الممكن أن يكون رئيساً عظيما. كان بإمكانه أن ينتشلنا من الهاوية». لكنه «اختار أن يكون أشبه بنوفيل تشامبرلين (رئيس وزراء بريطانيا في 1937، وكان من المحافظين وميالا إلى استرضاء المعارضة9، محاولا دوما استرضاء الجمهوريين». لم يقرر مور ما إذا كان سينتخب أوباما مجددا في 2012 . هو يحب جون هانتسمان، عن معسكر الجمهوريين حيث «الجنون محتدم ويبدو هانتسمان المرشح العاقل» الوحيد بينهم. في السابعة والخمسين من عمره ينظر مور على ما خلّفه وراءه من سجلات.. ويبتسم. إلى جانب قصته مع هجمات 11 شتنبر، يروي مور في مذكراته حوادث شهدها في منتصف الثلاثينيات أو في سنوات «صحوته السياسية»، بما في ذلك حملة ريتشارد نيكسون المضللة، والخلافات مع رونالد ريغان وبوبي كينيدي، إلى جانب حيز «مفاجئ» من الحديث الذي خصص للجنس. ويعتزم مور تأليف جزء ثان من المذكرات. سياسيا، يبدو الرجل راضيا عن ما حققه. ويقول «أعتقد أنني نجحت في تغيير آراء الناس. إذا نظرت إلى المواقف التي اتخذتها قبل عقد، عندما كنت أجازف، فسيتبيّن إليكم أنني لم أعد أجازف». وكمن يريد التلذذ بلحظته، يقول مور إنه يرتاح قليلاً من إنتاج الأفلام الوثائقية، خاصة بعدما قطع شوطا كبيرا بعد «هجمات الطماطم في 2003»، أي الانتقادات التي واجهها لإدانته الحرب على العراق. بعد الخطاب الذي ألقاه عندما نال جائزة الأوسكار، تعرّض له الغاضبون. في المطار، «قام المسؤولون عن الأمن القومي عمداً بتهشيم» جائزته. ولدى وصوله إلى ميتشيغان، قامت مجموعة من «المرحبين» برمي النفايات في طريقه، وزينوا حديقته بشعارات كتب عليها «خائن» و«ارحل إلى كوبا» و«غادر وإلا». لم يأخذ مور بالطبع بأي من هذه «النصائح». أكثر أفلامه شهرة «فهرنهايت 9/11»، حيث ينتقد بوش بشراسة. بعد عام واحد ظهر معجبوه، الذين باتوا قاعدة متنامية العدد من الناشطين المناهضين للحرب، رحبوا بالفيلم. لكن الآخرين اعتبروه «اعتداء غير وطني»، و«عملا خائنا في زمن الحرب». حينها، عندما كان مور يدخل إلى مطعم، كان الناس ينفضّون من حوله، فيما بادر آخرون إلى تهديده علنا. أما النقّاد فكانوا الأكثر فظاظة. «أفكر بقتل مايكل مور»، قال المعلّق السياسي المحافظ جدا غلين بيك. فما كان من مور إلا أن وظّف حراسا، خلال العامين اللاحقين، بات لديه حشد من الجنود السابقين وخاصة من القوات الخاصة يحيطون بمنزله، وغالباً ما يصدّون المهاجمين. تلقى مور إجمالا 430 رسالة تهديد، بما في ذلك خطة لتفجير منزله. «ماذا فعلت لأستحقّ ذلك؟»، يتساءل في مذكراته. حتما لم يؤدِّ «بولينغ فور كولومبين» إلى سن قوانين أكثر صرامة تتعلق بامتلاك الأسلحة، ولم يحرم «فهرنهايت»9/11« بوش من ولاية ثانية، ولم يغير فيلمه الثالث «سايكو» الذي يتناول الرعاية الصحية شيئا، وحتى أحدث أفلامه «كابيتاليسم: آيه لوف ستوري» لم يتسبب في مراجعة النظام المالي... لكن مور مؤمن بأن «التغيير يتطلّب وقتا».