احتلّ مشروع الدولة الفلسطينية مساحة كبيرة من الفكر السياسي الفلسطيني، وشغل كذلك حيزاً كبيراً من العمل والاهتمام والمتابعة. وبموضوعية، فإن قضية الدولة الفلسطينية تقدّمت في برنامج منظمة التحرير الفلسطينية منذ أربعين عاماً إلى اليوم على برامج المقاومة والتحرير ودعم الصمود الفلسطيني ومواجهة الاحتلال، وتقدّمت أيضاً على برامج الوحدة الوطنية، وتطوير مؤسسات «م.ت.ف»، ومواجهة المشاريع الإسرائيلية مثل الاستيطان والتهويد. الدولة صارت أولوية في فكر منظمة التحرير بشكل أثّر سلباً على كل القضايا والاهتمامات الأخرى، وهذا انعكس أزمة وطنية ومأزقاً سياسياً، غرقت فيه منظمة التحرير، ثم أغرقت معها السلطة، وكادت تغرق القضية لولا وعي الفلسطينيين وبقاء فئة منهم ثابتة على نهج الأولويات. وقد شغل المسعى الفلسطيني للتوجه إلى الأممالمتحدة من أجل الحصول على عضوية كاملة لدولة فلسطينية في المنظمة الدولية، الفضاء السياسي العربي والإقليمي والدولي ومنذ اتفاق أوسلو في الثالث عشر من شهر سبتمبر عام 1993 والفلسطينيون يعيشون على حلم دولة طال انتظارها، فالاتفاق الذي كان من المقرر أن ينتهي كحل مرحلي نهاية 1999 ليتفق الجانب الفلسطيني والإسرائيلي بعدها على إنهاء الاحتلال من كامل الضفة الغربيةوالقدس مع إيجاد حل لموضوع اللاجئين والحدود والمياه ضاع أدراج الرياح . أولا: المحطات التاريخية للدولة الفلسطينية قطع القطار الفلسطينى مسافات طويلة نحو إقامة الدولة المستقلة، بدأها بالمحطة الأولى فى 29 نوفمبر عام 1947 عندما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار ( 187) الذى ينص على تقسيم فلسطين الخاضعة للانتداب البريطانى ، وذلك لإقامة دولتين يهودية وأخرى عربية وإعطاء القدس وضعا دوليا. إلا أن الدول العربية رفضت هذا القرار. أما المحطة الثانية فتمثلت فى تأسيس منظمة التحرير خلال المؤتمر الفلسطينى الأول فى 28 مايو 1964 حيث تبنت ميثاقا ينص على حق الفلسطينيين فى السيادة وتقرير المصير ورفض قيام دولة إسرائيل ، فيما كانت المحطة الثالثة فى يونيو 1974 حينما قبلت منظمة التحرير فكرة وجود سلطة وطنية على أى جزء من فلسطين المحررة. والمحطة الرابعة كانت فى 22 نوفمبر 1974 ، حيث اعترفت الجمعية العامة للامم المتحدة بحق الفلسطينيين فى تقرير المصير والاستقلال. وأعطت منظمة التحرير صفة مراقب فى الأممالمتحدة. أما المحطة الخامسة فكانت فى سبتمبر 1982 ، حيث تبنت الجامعة العربية خطة ( فاس ) وهى تكرار للخطة التى قدمها ولى العهد السعودى الأمير فهد فى غشت 1981 التى تعترف ضمنيا بإسرائيل وتدعو لإنشاء دولة فلسطينية وانسحاب إسرائيلى من جميع الآراضى المحتلة عام 1967 . وكانت المحطة السادسة فى 15 نوفمبر 1988 حيث تم إعلان قيام دولة فلسطين المستقلة فى الجزائر وقبول قرارى الأممالمتحدة 242 و383 اللذين يدعوان لانسحاب إسرائيلى من الآراضي الفلسطينيةالمحتلة عام 1967 والتوصل إلى حل عن طريق التفاوض. أما المحطة السابعة التى حل بها القطار الفلسطينى فكانت فى 13 سبتمبر 1993 - أي بعد ستة شهور من المفاوضات السرية فى أوسلو - اعترفت منظمة التحرير وإسرائيل ببعضهما البعض ووقعتا فى واشنطن إعلان مبادىء حكم ذاتى فلسطينى انتقالى لمدة خمس سنوات. وقام رئيس منظمة التحرير ياسر عرفات مع الرئيس الإسرائيلى إسحق رابين بمصافحة تاريخية. وجاءت المحطة الثامنة فى الأول من يوليو 1994، حيث شكل عرفات السلطة الفلسطينية فى غزة التى انتخب رئيسا لها فى يناير 1996 .فيما جاءت التاسعة فى 12 مارس 2002 حيث صدر القرار 1397 عن مجلس الأمن الذى يذكر دولة فلسطين للمرة الأولى. أما المحطة العاشرة فكانت فى 30 أبريل 2003، حيث نشرت خارطة الطريق التى وضعتها اللجنة الرباعية (الولاياتالمتحدةوالأممالمتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبى ) التى تنص على قيام دولة فلسطينية بحلول 2005 . قبل الفلسطينيون الخارطة وأقرتها إسرائيل فى مايو، لكن مع إبداء 14 تحفظا. ووصل القطار إلى المحطة العاشرة فى 14 يونيو 2009 , حيث وافق رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو على مبدأ قيام دولة فلسطينية مع وضع شروط صارمة .. فيما حل بالمحطة الحادية عشرة فى 25 غشت 2009 حيث قدم رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض خطة مدتها عامان لوضع الأسس لدولة فلسطينية. وفى 8 أكتوبر 2010 حل القطار فى المحطة الثانية عشرة حيث عرض الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبومازن، خلال اجتماع عربى عقد فى مدينة سرت الليبية مجموعة بدائل لمفاوضات السلام المتعثرة من بينها تقديم طلب عضوية دولة فلسطين على أساس حدود عام 1967 فى الأممالمتحدة. أما المحطة الثالثة عشرة فقد جاءت فى 26 يونيو الماضى عندما أعلن الرئيس أبومازن قرار التوجه للأمم المتحدة لطلب عضوية كاملة لدولة فلسطين. ثم استأنف القطار رحلته إلى نيويورك ليتأت بالبشرى إلى الفلسطينيين. ثانيا :القانون الدولي والاعتراف بالدول الاعتراف ليس إلا تعبيراً عن إرادة دولة معينة ، في أنّ وضعاً قانونيا أو واقعيا قد أصبح قائماً . ويعتبر الاعتراف أمراً هاماً في المجتمع الدولي المعاصر، الذي يتكون في جانب كبير منه من دول مستقلة ذات سيادة، وتملك كل دولة في هذا المجال ، حرية اختيارية و سلطة تقديرية واسعة ، لدرجة أنه يمكن القول أن الاعتراف هو مسألة سياسية أكثر منها قانونية . فالإعتراف بالدولة أو بالحكومة هو قرار سياسي بالدرجة الأولى ، يتم اللجوء إليه استناداً إلى بعض اعتبارات الملاءمة السياسية. العضوية في الأممالمتحدة: وبشأن اكتساب العضوية بصورة عامة في الأممالمتحدة (الاعتراف) تكتسب الدولة عضويتها عن طريق العضوية الأصلية أو الانضمام. ولقد نصت المادة الثالثة من الميثاق على أن - الأعضاء الأصليون للأمم المتحدة هم الدول التي اشتركت في مؤتمر سان فرانسيسكو - والتي توقع هذا الميثاق وتصادق عليه طبقا للمادة / 110 وكذلك الدول التي وقعت من قبل تصريح الأممالمتحدة الصادرة في أول يناير سنة 1942، وتوقع هذا الميثاق وتصادق عليه. وبشأن عضوية بالانضمام فقد نصت المادة / الرابعة من الميثاق على أن: 1- «العضوية في الأممالمتحدة مباحة للجميع الدول الأخرى المحبة للسلام- والتي تأخذ نفسها بالالتزامات التي يتضمنها هذا الميثاق ، والتي ترى الهيئة أنها قادرة على تنفيذ هذه الالتزامات وراغبة فيه». 2 . « قبول أية دولة من هذه الدول في عضوية الأممالمتحدة يتم بقرار من الجمعية العامة بناء على توصية مجلس الأمن ». ويتضح من هذا النص أن العضوية بالانضمام في الأممالمتحدة تعتمد على شروط موضوعية وشكلية أو إجرائية تتمثل في الإجراءات اللازمة لقبول العضوية. الشروط الموضوعية: تشرط المادة/ الرابعة في فقراتها الأولى أن يتوافر في طالب العضوية خمسة شروط وهى: - أن يكون طالب العضوية دولة- فالعضوية تقتصر على الدول دون غيرها من الجماعات والوحدات السياسية - ولا يترتب على قبول الدولة في الأممالمتحدة الاعتراف الدولي بها بوصفها دولة ذات السيادة من جانب الأعضاء المجتمع الدولي - وإنما يترتب للدولة حقها في التمتع بالحقوق والالتزامات المترتبة على العضوية. فانضمام الدولة للأمم المتحدة يحتم على جميع الدول الأعضاء معاملتها بوصفها عضواً في المنظمة لها مالهم من حقوق وعليها ما عليهم من إلتزامات دون أن يحتم ذلك اعتراف الدول بتلك الدولة بوصفها دولة ذات سيادة. - أن تكون الدولة محبة للسلام - هذا الشرط أثار ويثير عديد من التساؤلات حول مفهوم الدولة المحبة لسلام ومقاوماتها- لا توجد أي إشارة في الميثاق حول مقومات الدولة المحبة لسلام - والواقع من الصعب وضع مدلول محدد لهذا العبارة - فهو شرط سياسي بحت يعطى الجمعية العامة سلطة تقديرية واسعة عند قبول العضوية دون أن يرتكز على أسس قانونية أو موضوعية. - أن تقبل الدولة الالتزامات الواردة في الميثاق- هذا الشرط يرتكز على أسس قانونية أو موضوعية - يتمثل في إعلان الدولة - وفقاً لأوضاعها الدستورية - قبولها الالتزامات الواردة في الميثاق وتعهدها بتنفيذها دون تحفظ، وهذا الشرط يعيد تطبيقاً لفكرة التنظيم الجماعي التي تفضي بقبول الدولة لنظام الجماعي المشترك. - أن تكون الدولة قادراً على تنفيذ الالتزامات الواردة في الميثاق - ويعنى أن تتوافر للدولة الأهلية القانونية الدولية التي تمكنها من الوفاء بالتزاماتها في المجال الدولي - وبمعنى آخر أن تتوافر لها الإمكانيات المادية والسياسية والعسكرية التي تمكنها من الوفاء بالتزاماتها، فإذا لم يتوافر للدولة تلك الأهلية أو تلك الإمكانيات لا يمكن قبولها بوصفها عضواً في الأممالمتحدة. - أن تكون الدولة راغبة في تنفيذ الالتزامات الواردة في الميثاق - هذا الشرط أيضا يغلب عليها الطابع السياسي لأنه من الصعب التيقن من رغبة الدولة في تنفيذ الالتزامات، فالدولة طالبة الانضمام تعلن إنها راغبة في تنفيذ الالتزامات الواردة في الميثاق ولكن لا توجد أسس موضوعية للوقوف على مدى صدق الدول في إعلانها عن رغبتها في تنفيذ الالتزامات. الشروط الإجرائية: نصت الفقرة الثانية من المادة/ الرابعة على أن قبول عضوية دولة جديدة في الأممالمتحدة يتم بقرار من الجمعية العامة بناًء على توصية مجلس الأمن. ولكن في الميثاق لم يتضمن بياناً تفصيلياً للإجراءات التي يجب مراعاتها لقبول انضمام دولة، ولكنه تركت لقواعد ولوائح الداخلية لمجلس الأمن والجمعية العامة و يتضحح أن قبول عضوية دولة جديدة يمر بالمراحل الموضح على النحو التالية: - تتقدم الدولة الراغبة في الانضمام بطلب إلى الأمين العام للمنظمة مرفقاً به إعلانا رسمياً بقبولها الالتزامات الواردة في الميثاق. - يعرض الأمين العام طلب العضوية على مجلس الأمن. - يحيل رئس مجلس الأمن طلب العضوية إلى لجنة قبول الأعضاء الجدد - وهى إحدى اللجان المتفرعة من المجلس وتتكون من ممثلي الدول الأعضاء في المجلس. وتقوم هذه اللجنة بفحص الطلب وتقديم تقرير عنه إلى مجلس الأمن قبل بدء اجتماعات الجمعية العامة بوقت كافٍ ليتمكن المجلس من إصدار توصية إلى الجمعية العامة بشان قبول الدولة الجديدة. - تتلقى الجمعية العامة توصية مجلس الأمن وتحيلها بدورها إلى اللجنة السياسية المتفرعة عنها لإعداد تقرير بشأنها ترفعه إلى الجمعية العامة للبت فيه. ولكن يثور التساؤل حول القيمة القانونية للتوصية مجلس الأمن بقبول أعضاء جدد؟ : 1 - إن توصية مجلس الأمن غير نهائية، بمعنى أن للجمعية العامة السلطة النهائية في تقدير قبول الدولة أو رفضها رغم صدور التوصية بقبولها من المجلس. 2 - في حالة صدور توصية مجلس الأمن بالرفض، فالجمعية العامة أن تقوم بفحص أسباب الرفض، فإذا كانت لم توافق عليها أحالت طلب العضوية مرة أخرى للمجلس لبحثه من جديد. 3 - فإذا لم تصدر توصية من مجلس الأمن ، فلا يمكن للجمعية العامة أن تقرر قبول دولة في عضوية الأممالمتحدة - فتوصية مجلس الأمن (حسب ما جاء في الرأي الإستشارى للمحكمة العدل الدولية في 3 / 3 / 1950 تعد شرطاً مسبقاً لقرار الجمعية العامة). هل العضوية الكاملة للدولة في الأممالمتحدة تشكل شرطاً لتصبح الدولة أحد أشخاص القانون الدولي؟؟ تمنح العضوية الكاملة للدولة في الأممالمتحدة عدداً من الحقوق مثل المشاركة في التصويت على مشاريع القرارات وغير ذلك، كما تمنحها فرص العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن وعضوية الأجهزة الأخرى التابعة لها، إلا أن عدم عضوية الدولة في الأممالمتحدة لا يلغي وجود الدولة كدولة، ولا ينقص من شأنها كدولة، ولا يحد من كونها أحد أشخاص القانون الدولي. فجمهورية الصين الشعبية مثلاً، قبل تمتعها بالعضوية في الأممالمتحدة عام 1971، كانت دولة كبرى إن لم نقل دولة عظمى، ولم تكن عضواً في الأممالمتحدة واستمرت على هذا النحو عشرات السنين منذ عام 1949 . وجمهورية ألمانيا الديمقراطية الاشتراكية لم تكتسب عضويتها في الأممالمتحدة منذ وجودها إلا عام 1973 حيث مكثت خارج عضوية الأممالمتحدة ما يزيد عن عشرين سنة. إضافة إلى هذا كله تأتي سويسرا (الاتحاد السويسري)، هذه الدولة العريقة، وهي من الدول الأوروبية ذات الشأن المتميز من ناحية أهميتها وقوتها المالية العالية، إضافة إلى كونها تأتي في قمة الدول المحايدة في العالم منذ عام 1798، وهي الدولة التي تحتضن المقر الأوروبي للأمم المتحدة وعشرين وكالة متخصصة تابعة للأمم المتحدة، واللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي، وهي التي أودعت لديها الاتفاقيات الإنسانية الدولية والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، فأصبحت بهذا كله دولة حقوق الإنسان ومقر مؤسسات القانون الإنساني الدولي، هذه الدولة لم تتمتع بالعضوية الكاملة في الأممالمتحدة إلا خلال شهر شتنبر سنة 2002، أي قبل تسع سنوات فقط، حيث كانت عضواً مراقباً في هذه المنظمة الدولية طيلة الخمسين سنة الماضية، وكانت في نفس الوقت إحدى الدول الأوروبية الهامة. إذن الدولة كشخص من أشخاص القانون الدولي، غير مرتبطة بحقيقتها ووجودها باكتسابها العضوية الكاملة في الأممالمتحدة. وبالتالي يمكن أن تكون الدولة كذلك دون أن تتمتع بالعضوية الكاملة في المنظمة الدولية. إنّ احتمال انضمام الدولة الفلسطينية إلى الأممالمتحدة ضئيل جداً، بسبب الفيتو الأميركي. لكن، لنسلم جدلاً بأنّ الدولة المعلنة ستحصل على الاعتراف الدولي، وستنضم إلى الأممالمتحدة، كيف سيكون تأثير ذلك على ديناميات الصراع؟ يأمل الرئيس الفلسطيني وفريقه أن تؤدي هذه الخطوة إلى قوننة الصراع عبر ملاحقة إسرائيل قانونياً، في المحافل الدولية. لكن الصراع قانوني، وإن لم يكن في إطار دولة فلسطينية. ومجال العمل في الإطار القانوني مرهون بموازين القوى والمصالح والعلاقات الدولية، ولن يؤدي إعلان الدولة إلى توسيع مجال العمل القانوني إلا بالشيء القليل؛ إذ إنّ موازين القوى والمصالح لن تتغير بمجرد إعلان الدولة. فالدولة الفلسطينية لن تستطيع التوجه إلى محكمة العدل الدولية؛ لأنّ إسرائيل لا تقبل الولاية الجبرية للمحكمة. كذلك هو الأمر بالنسبة إلى أغلب معاهدات حقوق الإنسان، فلم تُوقع إسرائيل البروتوكولات الاختيارية لتلك المعاهدات التي تتيح تقديم الشكاوى ضدها مباشرة. كذلك إنّ أيّ إجراءات عقابية تجاه إسرائيل، منوطة بقرار من مجلس الأمن المرهون بالفيتو الأمريكي. أما على صعيد الجمعية العامة، فمجال العمل مفتوح للفلسطينيين، بدون الحاجة إلى إعلان الدولة، فمنظمة التحرير تستطيع بسهولة تجنيد أغلبية في الجمعية العامة. وبالفعل، استُخدمت هذه الإستراتيجية في السابق، من دون الحاجة إلى دولة. فقد اتخذت الجمعية العامة قراراً في 2003، لإحالة ملف الجدار الفاصل على محكمة العدل الدولية، لتقديم فتوى قانونية استشارية. وقد أصدرت المحكمة تلك الفتوى في 2004، وقضت بعدم قانونية الجدار. لكنّ السلطة، للأسف، لم تستنفد كل الأدوات والمنافذ التي قدمتها تلك الفتوى، ولم تسع إلى استصدار غيرها. ثالثا: الانعكاسات المحتملة للاعتراف بدولة فلسطين يبدو أنّ التطور الوحيد الذي يمكن أن يطرأ على الصعيد القانوني، نتيجة للإعلان المحتمل للدولة، هو انضمامها إلى اتفاقية روما المتعلقة بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية، بهدف مقاضاة مجرمي الحرب الإسرائيليين. ومع أنّ تطوّر كهذا هو تطور إيجابي، إلا أنّه لا يضمن مقاضاة مجرمي الحرب، إذ إنّ كون فلسطين دولة، وانضمامها إلى الاتفاقية، سيزيل أحد المعوقات الرئيسية، ولكن ستبقى معوقات أخرى كثيرة، وعلى أي حال، ستمر سنوات عدّة، قبل أن يُفضي أي تحقيق إلى اعتقال أو نتائج. فحتى في هذا المجال، إعلان الدولة لن يكون له التأثير الكبير. أما بالنسبة إلى المكاسب السياسية، فلا يبدو أنّها ستكون كبيرة. لن يؤثر التغيير الاسمي من «سلطة حكم ذاتي» إلى «دولة» على الواقع الميداني أو السياسي. ليس من المتوقع أن يؤدي إعلان الدولة إلى انسحاب إسرائيلي، أو تسليم المعابر الحدودية إلى الفلسطينيين، أو سيطرة الدولة على الموارد الطبيعية، أو المجال الجوي، أو الصادرات والواردات، أو ضمان حرية الحركة. فميدانياً، سيبقى الأمر على ما هو عليه، وسيضطر محمود عباس إلى استصدار تصريح مرور، كلما أراد الخروج من رام الله. ودولياً، لن تتأثر صورة إسرائيل كثيراً، فقد احتلت إسرائيل مناطق تابعة لسيادة دول أخرى، لفترات طويلة، كاحتلالها لسيناء وجنوب لبنان، بل ضمّت مناطق محتلة إلى سيادتها، كما هي الحال في الجولان، ولم تكن لتلك الافعال أيّ تداعيات باستثناء الاستنكار والشجب. لعل الأثر الأكبر لإعلان الدولة الفلسطينية، سيكون على مستوى إعادة تعريف الصراع بما يعود بنتيجة سلبية على الفلسطينيين. فإعلان الدولة في مثل هذه الظروف، سيؤدي إلى المزيد من التشويه في رؤية العالم للصراع. فقبل مرحلة أوسلو، كانت الأمور واضحة نسبياً: إسرائيل دولة شرّدت الفلسطينيين في 1948، واحتلت ما بقي من الأراضي في 1967 . أما بعد أوسلو وقيام السلطة، فقد أدت المناصب الرمزية الخالية من السيادة الفعلية إلى تعقيد الوضع: فالفلسطينيون شعب تحت الاحتلال، ويطالب بحق تقرير المصير من جهة، ومن جهة أخرى للفلسطينيين رئيس ورئيس وزراء وحكومة ووزارات وسفارات وبرلمان وشرطة تتعاون على نحو مكثف مع إسرائيل، وتعلن قيادتها مراراً أنّ إسرائيل ليست العدو. شكلياً، يقوم الفلسطينييون بحكم أنفسهم، لكن فعلياً الأمور بيد إسرائيل، والصلاحيات التي يمارسها الوزراء والسفراء ليست لها علاقة بالسيادة. أدت تلك الصورة المشوهة والواقع المربك، إلى تعقيد الأمور للمراقب العادي، وفتح المجال لإسرائيل للتنصل من التزاماتها كدولة محتلة، والادعاء أنّ الفلسطينيين «يتمتعون» بحكم ذاتي وحقوق، وأنّ أوضاعهم الاقتصادية جيدة، وأنّ المسؤولية لكلّ ما يجري تقع على عاتق الفلسطينيين. لذلك، ليس على إسرائيل حرج في اتباع سياسات لضمان أمنها. نخلص إلى نتيجة أن التقدم بطلب إلى الجمعية العامة بالاعتراف بدولة فلسطينية حتى ولو نجح بغالبية الثلثين (129 دولة على الأقل) لا يعدو عن كونه انتصارا معنويا لا يمكن ترجمته على أرض الواقع حتى لو أعلن الفلسطينيون قيام دولتهم كما فعلوا في 15 نونبر الثاني عام 1988 . لكن القرار يمكن أن يكون سندا قانونيا لشن حملة قانونية لطرد الاحتلال بالمقاومة السلمية المتواصلة وتوجه الشعب الفلسطيني بكامله لطرد المستوطنين وهدم الجدار العازل وإعادة السيطرة على كل شبر من الأراضي المحتلة وعدم إسقاط الحق التاريخي للاجئين الفلسطينيين في ديارهم الأصلية. * باحث في العلاقات الدولية، جامعة محمد الخامس، الرباط هوامش: - محمد عرب صاصيلا: القضايا السياسية الكبرى في العالم المعاصر، الطبعة الأولى 1982، - سليم نوران الجندي: المستقبل السياسي للأراضي المحتلة في المنظور الإسرائيلي، مجلة شؤون فلسطينية، العدد 60، 1988 - فلسطين المسلمة، العدد 9، سبتمبر 2011 - فوزي الأسمر:فلسطين الدولة والحق، جريدة العرب أون لاين، 22/9/2011 - تيسير محيسن:فلسطين الدولة في عصبة الأمم وقرارات الأممالمتحدة قبل نشأة منظمة التحرير الفلسطينية،مجلة حق العودة، العدد 44، السنة 9، أغسطس، 2011 - عضوية فلسطين في الأممالمتحدة بين القبول والرفض، مركز راصد للدراسات http://www.arrasid.com/index.php/main/index/4/64/contents#top - د. كوهين عميحي - باحث في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية:النواحي القانونية للاعتراف بالدولة الفلسطينية: 12/09/2011 http://www.haifanet.co.il/online/articles/14-8529.html - عبد الحميد صيام، القانون الدولي والاعتراف بالدول...خلفية من أجل فلسطين،القدس العربي 21 سبتمبر 2011 - نبيل الرملاوي: العضوية الكاملة للدولة الفلسطينية في الأممالمتحدة والبدائل الممكنة، على الرابط التالي: http://saotaliassar.org/Frei%20Kitabat/ArabicWriter/NabielAlramlawy01.htm