في مدينة الصويرة ذات الأبواب السبعة التي لا تغفل الداخل والخارج منها عيون (لا تنام)...، يتبين أن هناك أبوابا خلفية تستعصي على هذه العيون ، لا تتسع إلا لشاذ أوربي يحمل شبكة من عقد الطفولة ، »وكوكتيلا من الفيروسات والأمراض الجنسية ينفثها في أجسام أطفال الصويرة البؤساء الفقراء الجياع في غفلة من الجميع«! شيئا فشيئا تتحول مدينة الصويرة الهادئة ، الحالمة المستضعفة من فسحة معطرة بالإبداع والجمال ، إلى مستنقع مسكوت عنه? للسياحة الجنسية، تنتعش فيه غرائز بعض الشواذ المنفلتة من قوانين الطبيعة وضوابط الأخلاق، ويقتل فيها شواذ أوربيون أحلام الأطفال متى استطاعوا إليها واليهم? سبيلا! التاريخ حافل بذكر وآثار من شّذوا عن الجمهور ، رفضوا الاستكانة لنمطية الفكر وبديهية المعتقدات ، فأبدعوا وجددوا وأسسوا للمستقبل. وما أحوجنا إلى شذوذ من هذا النوع ينفض خمول الفكر ويشفينا من تبلد الحواس. لكننا نبتلى الآن بأنواع من الشذوذ تنحدر بمجتمعنا قدما إلى القاع، وشتان بين شذوذ ينعش الفكر المترهل، يكشف عورة البديهيات والمسلمات، ويوسع أفق الخلق، وشذوذ يذبح البراءة ، يعري عورة مجتمع هش ، يعلق مشانق الشك والخوف ويرهن مستقبل أجيال إلى »القاع«. كنت مارا قرب رواق المنزه بساحة الحسن الثاني، سائحة فرنسية تنفخ بالونة فاقعة اللون، فجأة، وبدون سابق إنذار، بدأت مجموعة من الأطفال المنهمكين في لعبة ما، في الركض نحوها متسابقين للظفر بالبالونة. » هكذا نجتذبهم « علقت السائحة الفرنسية ساخرة وهي تغمز لرفاقها الأوروبيين... استوقفني المشهد طويلا على عدة مستويات. بداية بأطفالنا الذين ينتشرون كالفطر في أنحاء المدينة وأزقتها بدون مراقبة أو رعاية إلى ساعات متأخرة من الليل، خصوصا في الأماكن التي ينتشر فيها السياح الأجانب ، مشهد بعض السياح يلاعبون يداعبون، ويرافقون الأطفال بدون أن يتحرك أي طرف لتصحيح هذا الموقف. وأخيرا التقنيات البسيطة والرخيصة التي يمكن أن يلجا إليها الشواذ الأجانب لاستدراج أطفالنا إلى نزواتهم، ببالونة، علبة رقائق، مثلجات... » إنه فرنسي مقيم بمدينة الصويرة، يملك رياضا، دأبت على زيارته في منزله مرات عديدة، يمارس علي الجنس، يسلمني نقودا بسخاء...« هكذا صرح احد أطفال مدينة الصويرة الفقراء لمؤطرته بإحدى الجمعيات التي تعنى بالأطفال في وضعية صعبة بعد أن بدأت تظهر عليه علامات الادمان ، فيما أكد مجموعة من الشهود بمن فيهم أعضاء بالجمعية رؤيته برفقة فرنسي مقيم بمدينة الصويرة لمرات عديدة! لقد تطور الأمر الآن لدى هذا الطفل، فقد أصبح يعاني من إدمان مركب... بعضه مرتبط ببعض... صرح لي مؤخرا انه يرتاد العربات المقطورة للسياح الأجانب قرب برج باب مراكش رفقة بعض الأطفال، يتم استغلالهم جنسيا، ويحصلون بالمقابل على مبالغ نقدية يتقاسمونها بلهفة الجائع المحروم ويجرون تباعا نحو أقرب محلبة لشراء أشياء طالما طالعوها واشتهوها? بحرقة من وراء زجاج المحلات... هكذا تبدأ الأشياء في مدينة الصويرة، في غفلة من الجميع يُستدرج أطفالها الأبرياء المحرومون، يستغلون جنسيا، يمنحون مبالغ نقدية يدمنون صرفها والاستمتاع بمقتنياتها التي تشمل حتى المخدرات في بعض الأحيان، يعودون إلى جلاديهم كل مرة ، يتحول الأمر إلى إدمان ، بعد ذلك يدعو الطفل صديقه لمرافقته إلى بيت الأوروبي الشاذ ، يستغل الطفل الضيف جنسيا بدوره، تتوسع شبكة الأطفال ضحايا الشواذ، يتفرقون في الأرض... يعيدون إنتاج نفس السلوك!؟ » كنت أعمل في ورش إصلاح? بأحد الرياضات الذي يملكه احد الفرنسيين المقيمين بمدينة الصويرة، وفي كل يوم، كنت أرى مجموعة من الأطفال الذين تبدو عليهم أمارات الفقر يلجون البيت ولا يخرجون منه إلا بعد ساعات... لم أجد للأمر إلا تفسيرا واحدا لعينا... حملت عدتي ورحلت«. هكذا يذبح أطفال الصويرة في رياضات بعض المقيمين الأوروبيين ، وفي العربات المقطورة للسياح الأجانب قرب برج باب مراكش على وجه الخصوص. ولا من يحرك ساكنا. لا من يشدد الرقابة على هؤلاء الأطفال المنتشرين في المواقع والمدارات السياحية بالمدينة العتيقة كما يشدد الخناق على المرشدين غير المرخصين. من السهل أن نحكم الطوق حول هذه الظاهرة لنحد منها على الأقل، وسهل جدا أن نغمض عيوننا على تفشيها بحجة عدم تقديم أي ولي أمر لشكاية في هذا الاتجاه. الأمر في غاية الخطورة، وأكبر من أن نقعد في انتظار الطوفان ونصبح فرجة و»شفاية« للمجتمع الدولي كي نسبغ الحماية الواجبة علينا تجاه أطفالنا. » لقد استدعينا أم الطفل على إثر تصريحاته الخطيرة، وأكد لها نفس الرواية، فقررت التوجه إلى مقر الشرطة لتقديم شكاية في هذا الشأن، الخطير في الأمر أن الطفل عاد إلى إنكار كل ما صرح به سابقا لدى مثولهم أمام مصالح الشرطة ، مما حدا بالأم لتنصحني بالابتعاد عن هذا الصبي الذي يبدو انه اعتاد شيطنة الشذوذ والادمان وأصبح يستعصى على الضبط «!! هكذا صرحت لنا مسؤولة بهذه الجمعية بكثير من المرارة. خطر الانحراف السلوكي والجنسي للأطفال ظاهر ومؤكد وله تداعياته البديهية التي سيكون لها أثر الفعل المضاعف، غير أن هناك الخطر الكامن الذي ينتظر أطفالنا عند منعطف شبابهم، وهو الأمراض المنقولة جنسيا. السيدا على وجه الخصوص. كيف سنواجه هذا الخطر القاتل الكامن في أحشاء أطفالنا الأبرياء؟ كيف ندركه؟ »يتسللون إلى الجمعيات ذات الطابع الاجتماعي والتربوي على وجه الخصوص، والتي يكون جمهورمستفيديها من الأطفال، يبدون تعاطفا وسخاء كبيرين. يرسخون أقدامهم كمقيمين أوروبيين ملتزمين بقضايا اجتماعية، يسلمون? للأطفال الفقراء رغيفا، حذاء ، لعبة... ويسلبونهم براءتهم الجميلة، وإحساسهم? وإحساسنا بالأمان، إنهم يسيئون إلى السائح والمواطن الأوربي، أصبحت أخاف أن أبادل أطفال مدينة الصويرة التحية والابتسامة، حتى لا يفسر سلوكي على أنه محاولة لاستدراجه... « هكذا صرح لنا أحد السياح الأوروبيين بكثير من المرارة. يتسلل بعض المقيمين الأجانب الأوروبيين إلى فضاءات? الجمعيات التربوية والاجتماعية بمدينة الصويرة ، ويعيثون شذوذا في براءة أطفالنا. هؤلاء الشواذ بامتياز، يتجبرون في فترة من الأوقات، ولا من? يأبه للأصوات القادمة من أوربا تنبه إلى سلوكاتهم الشاذة وانحرافاتهم الجنسية، ولا لأصوات الفاعلين الجمعويين يرجحون كفة الشك داعين إلى إبعادهم عن الأطفال المحرومين الذين يستعملونهم أيضا لاستدرار الدعم الأجنبي ... والآن، وحسب شهادات بعض المواطنين الأوروبيين، يقبع بعضهم? في بيته مصابين بداء السيدا بعد أن رحلوا نهائيا عن المغرب. ولكن، بعد ماذا؟! شيئا فشيئا ينكسر طوق المسكوت عنه، يتحرر اللسان من عقده وتضاء المساحات المعتمة في مجتمعنا المنغلق على عقده، والمنفتح على عقد وشذوذ وأمراض المجتمعات المتحررة ...غير أننا صرنا نألف ونؤسس لشكل جديد من أشكال التعاطي مع الإشكالات والظواهر المرضية التي باتت تنخر مجتمعنا، فأصبحنا نتطارح المشاكل لاستهلاكها وشرعنتها عوض حلها واجتثاثها، كما هو الحال مع الرشوة، اختلاس ملايير المال العام، المحسوبية، إفساد الانتخابات... غيرأن الأمر هنا أكبر من أن نرتكن إلى خطاب للاستهلاك فحسب لأن الأمر يتعلق بمستقبل مجتمعنا، بأطفالنا الذين نراهن عليهم بحياتنا ، ولا نجد في أنفسنا أدنى استعداد لخسارة هذا الرهان.