لا يكاد يمر يوم إلا ونقرأ أو نسمع عن جريمة رشوة متهم فيها موظف كبير أو مسؤول بارز في أحد قطاعات العمل العمومي أو الخاص، كل هذا يشير إلى مدى الخطر الذي يهدد مجتمعنا، حيث تعد الرشوة من أكثر صور الفساد تفشيا في المجتمعات الإنسانية المعاصرة سواء في دول العالم الأول أو العالم الثالث. وقد عرف علماء الاجتماع والقانون ظاهرة الرشوة على أنها إساءة استغلال السلطة المرتبطة بمنصب معين سواء كان شغل هذا المنصب عن طريق التعيين أو عن طريق الانتخاب، ويتم استغلاله بهدف تحقيق مصالح شخصية على حساب المصالح العامة. وقد استطاعت الدول المتقدمة تحجيم وتقليص الفساد، لأنها نظرت إليه على أنه ظاهرة اجتماعية وأن الآثار المترتبة عنه هي آثار مدمرة ستعرقل عملية التنمية سواء للفرد أو المجتمع، وهذه الدول عندها مساحة كبيرة من الديمقراطية والشفافية والمساءلة، التي تعتبر من أهم شروط مقاومة الفساد في العالم الأول، ولا فرق عندهم بين مسؤول كبير ومسؤول صغير، ولا يوجد مسؤول فوق القانون. بينما دول العالم الثالث تنظر إلى الفساد على أنه حالات فردية وأن ليس المجتمع كله فاسد، وتتم عملية تعتيم ومهادنة مع الظاهرة السلبية ولا تحدث عملية التحجيم وتنتعش وتكبر وتكون مثل المرض السرطاني، الذي ينتشر في الجسم، ويكون جزءا من نسيج الحياة الاجتماعية، فيتولد لدى الجميع بما يسمى «ثقافة الفساد»، وحين يعلم المرء أن هناك فسادا ويتكيف معه، ويصل لدرجة لا يستطيع اللحاق به ويتحول إلى حالة ميؤوس منها ، يتقبل الوضع على ما هو عليه. لهذه الأسباب وغيرها قامت الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة « ترانسبرانسي المغرب » بفتح مركز جديد مؤخرا بفاس ، بدعم من سفارة هولندا بالمغرب، مهمته تقديم التوجيه القانوني إلى ضحايا الرشوة، وهكذا سيكون بإمكان المواطنين الذين تضرروا من ممارسات الرشوة أن يلجؤوا إلى مقر هذا المركز الكائن في إقامة الوطنية، الطابق الرابع، شارع الحسن الثاني أكدال بفاس، لوضع شكاياتهم، وتلقي النصح والإرشاد القانوني حول السبل التي يجب أن يسلكوها ضد مرتكبي الرشوة، كما سيتولى المركز دراسة التظلمات التي تصله، سواء عبر الاتصال المباشر أو البريد أو الهاتف أو البريد الإلكتروني، من خلال فريق عمل يتكون من خبراء في القانون وفي مجالات أخرى، يعملون كمتطوعين، و سيساعد على إيجاد حلول لتظلمات المواطنين مع الحفاظ على سرية المعلومات بهدف إنصاف ضحايا الرشوة. وقد حضر مراسم الافتتاح، إلى جانب رئيس الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة بالمغرب، والي جهة فاس بولمان وسفير هولندا بالمغرب، الذي أكد خلال الندوة الصحافية التي نظمت بالمناسبة، أن هذا المشروع سيمكن سكان مدينة فاس ونواحيها من الانخراط بطريقة منظمة في محاربة الرشوة وسيضمن لهم الدعم من قبل فريق مهني يقدم لهم المساعدة القانونية بالمجان وفي سرية تامة. بدوره،أكد رشيد الفيلالي المكناسي، رئيس الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة، أن هذا المركز الجديد أحدث بدعم من منظمة ترانسبرانسي الدولية الرائدة في المجال بفضل مراكزها المنتشرة عبر أكثر من 20 دولة خاصة في دول أوربا الشرقية وأمريكا اللاتينية، مشيرا إلى أن الجمعية بفاس ستكون المخاطب المحايد والموثوق به، لتثمين ممارسات المواطنة الجيدة، كما هو عليه الحال في باقي المراكز، وستساعد على اقتراح حلول لمحاربة الظاهرة، من خلال دراستها وتجميع المعطيات حول الأحداث المرتبطة بالشكايات المعروضة على أنظارها. من جهته عبر محمد غرابي والي جهة فاس بولمان، عن دعم مثل هذه المبادرات التي تسعى إلى تخليق الحياة العامة وتهدف إلى تحقيق الدعم عن قرب للأشخاص ضحايا أو شهود هذه الآفة وتعزيز قدرات المواطنين لمواجهتها، والتي تخدم إرادة الدولة وما تطمح إليه في ظل الدستور الجديد. وقد أعلنت الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة في وقت سابق عن 15 إجراء لمحاربة الرشوة من بينها إصلاح العدالة، وإحداث وكالة لمحاربة الرشوة ، وتبني قانون يقر الحق في الإعلام وشروط الوصول إلى المعلومة، وتشجيع الحكومة الالكترونية، ووضع مخطط عمل في كل مصلحة وهيئة عمومية يستهدف تقييم النتائج وإخبار المواطنين، وتكليف محكمة الحسابات بوضع ونشر تقرير سنوي حول حالات الرشوة واختلاس الأموال العمومية وتوفير الوسائل اللازمة للقيام بعمل تربوي وتحسيسي وإدراج وحدة متخصصة للتحسيس ومحاربة الرشوة في البرامج الرسمية للنظام التربوي وفي برامج مدارس تكوين الاطر.