لا نقاش ولا إفلات في دستورية إمكانية عقد دورات استثنائية للبرلمان. وفق الشروط المنصوص عليها في الفصل 66 من الدستور الحالي. وبالخصوص في الفقرة الأولى منه التي جاء فيها: "لا يمكن جمع البرلمان في دورة استثنائية، إما بمرسوم، او بطلب من ثلث اعضاء مجلس النواب. او باغلبية اعضاء مجلس المستشارين" لحد الآن ليس هناك اي مشكل بالنسبة للدورة الاستثنائية الحالية التي يعقدها البرلمان القائم حاليا، اذ تنعقد بناء على مرسوم صادر عن الحكومة في مجلس الحكومة المنعقد يوم 7 شتنبر 2011 اذ لم يبق من اللازم ان يعرض هذا المرسوم على المجلس الوزاري تبعا للفصل 49 من الدستور, بل يكتفي بعرض مشروع ذلك المرسوم للتداول بشأنه في مجلس الحكومة تطبيقا للفصل 92 من الدستور. وبالفعل صدر هذا المرسوم تحت رقم 540 - 11 - 2 بتاريخ 19 شتنبر 2011 ونشر في الجريدة الرسمية عدد 5976 مكرر بتاريخ 10 شتنبر 2011 هكذا، بالفعل نسجل احترام نص و مضمون الفقرة الاولى من الفصل 66 من الدستور. لكن لنا وقفة تأملية في فهم وتطبيق نص المضمون. الفقرة الثانية من نفس الفصل 66 هذا، والتي جاء فيها: "»تعقد دورة البرلمان الاستثنائية على اساس جدول اعمال محدد، وعندما تتم المناقشة في القضايا التي يتضمنها جدول الاعمال تختم الدورة بمرسوم" وبالفعل، لقد حدد المرسوم المشار اليه المستدعى للدورة الاستثنائية المنشورة حاليا,مضيفا لهذه الفقرة الثانية "جدول الاعمال المحدد" لهذه الدورة، ويتعلق الامر تبعا لنص هذا المرسوم، بثمانية مشاريع نصوص قانونية: مشروع قانونيين تنظيميين: الأول يتعلق بمجلس النواب,و الثاني يتعلق بالاحزاب السياسية. وبالاضافة الى الستة مشاريع القوانين الاخرى الجاهزة تتعلق بما يلي: 1 - تحديد شروط و كيفيات الملاحظة المتنقلة والمحايدة للانتخابات 2 - تحديد اللوائح الانتخابية وضبطها بعد معالجتها بواسطة الحاسوب 3 - تفسير وتتميم القانون رقم 01 - 22 المتعلق بالمسطرة الجنائية 4 - تفسير وتتميم الظهير الشريف المتعلق بالتحفيظ العقاري 5 - النجاعة الطاقية 6 - المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب ولعله كان التفكير في ادراج مشروع قانون المالية لسنة 2012 في هذا الجدول المحدد لهذه الدورة الاستثنائية, لكن يظهر ان هذا المشروع لم يكن جاهزا لعدة اسباب. وبالتالي لم يتم ادراجه في جدول الاعمال المحدد في مرسوم 9 شتنبر 2011 الداعي الى الدورة الاستثنائية المنعقدة حاليا لحد الآن، نحن في صلب احترام نص ومضمون الفصل 66 من الدستور في فقرتيه الاولى والثانية. لكن طلعت علينا بعض الصحف يوم الجمعة 16 شتنبر 2011 من بينها الصحيفة (»شبه الرسمية« ) الصحراء المغربية« في صفحتها الأولى بأن الحكومة تقرر إدراج مشروع الميزانية في الدورة الاستثنائية مفصلة ذلك كما يلي:"قررت الحكومة خلال مجلسها المنعقد أمس الخميس ( 15 شتنبر) إصدار مرسوم تعديلي للمرسوم القاضي بإجراء دورة استثنائية للبرلمان يجري بمقتضاه إضافة مشروع القانون المالي لسنة 2012 إلى جدول أعمال هذه الدورة«" ومضمون هذا الخبر: هو ما أكدته »"وكالة المغرب العربي للأنباء"« في رسالتها ليوم الخميس 15 شتنبر 2011 عند إخبارها باجتماع مجلس الحكومة المذكور، مؤكدة بأن السيد وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة خلال رده على سؤال أثناء لقائه مع الصحافة بعد عقد مجلس الحكومة ليوم الخميس 15 شتنبر 2011 بأن "»الحكومة ستصدر مرسوم قانون تعديلي يتم بمقتضاه إضافة نقطة مناقشة مشروع قانون المالية للسنة المقبلة لجدول أعمال الدورة الاستثنائية لمجلس النواب«" وهنا مربط الفرس لدينا، وبيت القصيد في هذه المسألة الثانية. لحسن الحظ، برجوعنا الى موقع رئاسة الحكومة، نجد أن الباب الصادر بشأن اجتماع مجلس الحكومة ليوم الخميس 15 شتنبر 2011 لا يتضمن مشروع هذا المرسوم قانون تعديلي المشار إليه، مع العلم أن الأمر في جميع الحالات، يجب أن لا يتعلق بمرسوم قانون، بل مجرد مرسوم يعرض على مجلس الحكومة بشأن عقد الدورة الاستثنائية للبرلمان بمجلسيه وليس بمجلس النواب فقط. وبطبيعة الحال، لا يمكن منازعة مجلس الحكومة في حقه بالموافقة على مشروع مرسوم بشأن الدورة الاستثنائية ومع رئيس الحكومة بإصدار هذا المرسوم. كما لا ننازع الحكومة في عرض مشروع قانون المالية لسنة 2012 على البرلمان في دورة استثنائية. ولكن ما يقلقنا في تأويل الفصل (66) من الدستور الحالي والمتعلق بالشروط الخاصة بعقد دورة استثنائية لمجلسي البرلمان هو تأويله بإمكانية تمديد الدورة الاستثنائية المنعقدة حالياً بمجلسي البرلمان، عن طريق تغيير وتتميم مرسوم 9 شتنبر 2011 القاضي بعقد الدورة الاستثنائية الحالية وفق جدول الأعمال المحدد سابقاً في ذلك المرسوم، وبالتالي تحقيق إضافة دراسة مشروع قانون المالية لسنة 2012، إلى جدول الأعمال المحدد سابقاً لنصبح أمام جدول أعمال جديد متمم ومحدد بصفة تكميلية بمرسوم تعديلي.» هل هذا تأويل جديد لنص الفصل (66) من الدستور فيما يتعلق «بجدول الأعمال المحدد مسبقا» للدورة الاستثنائية, وهل يمكن تمديد الدورة الاستثنائية بمجرد تغيير جدول أعمالها المحدد مسبقاً، نحن لا نجد أنفسنا مقتنعين بهذا التأويل لنص الفصل (66)، وإلا سنقع من جديد في شباك" «الرِّجل والبلغة». من جهة أخرى، هل تم التفكير دستورياً في هذه الإمكانية باستشارة المجلس الدستوري من قبل الحكومة مثلا، أو بالرجوع الى الأعمال التحضيرية للدستور الحالي، أو بأخذ الرأي من الأشخاص المساهمين في لجنة مراجعة الدستور على سبيل الاستئناس؟ لماذا، هذا الإخلال الجديد بنص الفصل (66) من الدستور؟ يظهر لنا أن الحل بسيط، وأن الجواب واضح جداً من نص ومنطوق الفقرة الثانية من الفصل (66) نفسه، ويكمن فيما يلي: 1 انتهاء الدورة الاستثنائية الحالية بمرسوم بعد أن يتم إقرار مشاريع النصوص القانونية التنظيمية والعادية الواردة في جدول الأعمال المحدد في مرسوم 9 شتنبر 2011 الداعي الى هذه الدورة الاستثنائية. 2 إصدار مرسوم جديد بعد الموافقة عليه في مجلس للحكومة يقضي بعقد دورة استثنائية أخرى يتضمن جدول أعمالها المحدد: مشروع قانون المالية لسنة 2012، وعند الاقتضاء مشاريع النصوص التشريعية الأخرى الجاهزة التي يمكن دراستها قبل افتتاح الدورة التشريعية القادمة يوم الجمعة 14 أكتوبر 2011. طبعاً الأمر يتطلب إجراءات لابد منها، عقد مجلس للحكومة, مع العلم أن مجلس الحكومة وارد في جميع الحالات لتعديل مرسوم سابق أو لإصدار مرسوم جديد بشأن دورة استثنائية أخرى. "فالله غالب"« للحفاظ على الرِّجْل معفاة دون مسها بسوء، مع التوجه الى "»البلغة«" لإصلاحها أو تغييرها. مع العلم أيضاً، وبالضرورة، يجب أن يعرض مشروع قانون المالية لسنة 2012 على مجلس الحكومة تطبيقاً للفصل (92) من الدستور، بعد أن تم عرضه على المجلس الوزاري تحت رئاسة جلالة الملك يوم الجمعة 9 شتنبر 2011 "»التوجهات العامة"« بمشروع هذا القانون تطبيقاً للفصل (49) من الدستور. ثالثا: إقرار النصوص التشريعية المطبقة للمقتضيات الدستورية المتعلقة بالجماعات الترابية لقد جاء الدستور الجديد بإقرار التوجهات العامة القاضية بإدخال الإصلاحات الجوهرية والمهمة على تنظيم مختلف الجماعات الترابية وفي مقدمتها الجهات الاستشارية, انطلاقاً من الأعمال المهمة التي انتهت إليها اللجنة الاستشارية المكلفة بتحضير مشروع الإصلاح الجهوي بإقرار مشروع تنظيم الجهة المتقدمة. ولقد تمت دسترة مختلف تلك التوجهات في الباب التاسع من الدستور في الفصول (رقم 135 الى 146). ونحيل الى نص هذه الفصول بالأساس وإلى التقرير النهائي الأصلي للجنة المذكورة للمزيد من التفاصيل. وبغض النظر عن ملاحظة شكلية في صياغة عنوان الباب التاسع من الدستور ب: الجهات والجماعت الترابية الأخرى، إذ كان من الأفضل أن يصاغ هذا العنوان كالتالي" الجماعات الترابية«"، لأن الجهات هي فئة من الجماعات الترابية، ولعل هاجس إبراز الدورة "»الجهوية المتقدمة«" هو الذي فرض تسريب العنوان المفسر بتلك الصيغة. وتحتاج المساهمة في تفعيل مضامين الباب التاسع من الدستور بشأن الجماعات الترابية، دراسة أكثر عمقا في مقام آخر، ولا تتطلب مقالا لمقام، بل دراسات معمقة ومعززة بتحليلات أكثر عمقا. ونكتفي في هذا المقام المستعجل, في هذا المقال الظرفي بالتنبيه إلى الحذر في تأويل منطوق ومضمون الفصل (146) من الدستور، والمتعلق بالنصوص التشريعية المتعلقة بالجماعات الترابية، طبقا لمضامين الباب التاسع من الدستور المشار إليه أعلاه. ولقد كان من اللازم أن نقدم هذا التنبيه الذي لابد منه ودائما في نطاق محاولة الاستمرار في التأويل الديمقراطي للدستور، وذلك بعد أن وصل الى علمنا من خلال الأخبار الواردة في الصحف في الأسبوع الماضي، وبالفعل من خلال وجود نص يتعلق "بمشروع قانون تنظيمي يتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية«". لن ندخل الآن بتحليل حول مضمون هذا المشروع الذي حضرته المصالح المختصة بوزارة الداخلية، والمفروض أن يكون هذا التحضير مع أخذ استشارات سابقة مع الأجهزة الحكومية المختصة وبالخصوص الأمانة العامة للحكومة: المستشار القانوني للحكومة كما هو متعارف عليه. ونتمنى أن تتاح لنا الفرصة للقيام بقراءة متمعنة تحليلية لتلك المضامين التي جاء بها مشروع ذلك النص الذي جاء ليعدل ويغير المقتضيات المقابلة لها والواردة حاليا في قانون مدونة الانتخابات. لكن للأسف تعترضنا هنا قضية «مفترضة» نقول »مفترضة« ولم نقل "»أولية"« لأن الأمر لا يتوقف علينا لإيجاد حل لها، بل المسألة »"مفترضة"« لأنها تتطلب بالضرورة، أولا استكمال مضامين ذلك المشروع الأول بمضامين أخرى لمشاريع تشريعية أخرى تدمج كلها تطبيقا للفصل (146) من الدستور في مشروع واحد هو مشروع "»قانون تنظيمي يتعلق بالجماعات الترابية«"وليس فقط مشروع قانون تنظيمي يتعلق فقط "بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية«" هنا لا ضرر من أن تضع أمام أعيننا من جديد، كلا من "»الرجل"« و"»البلغة«"على أساس أن نتمثل الرجل في نص الفصل (146) و»البلغة« في الإجراءات العملية لوضع النصوص التشريعية لتطبيق مضمون هذا الفصل '146) من الدستور. نطلب من القارئ الكريم أن يرجع الى نص الفصل (146) ليس فقط لأهميته، لأن كل الفصول في الدستور لها أهميتها، ولكن لأنه واضح بما فيه الكفاية، إذ يعدد مختلف المضامين التي يجب أن يتضمنها القانو التنظيمي المشار إليه في بداية هذا الفصل, مؤكدا أنه "تحدد بقانون تنظيمي بصفة خاصة" وحدد نص هذا الفصل عشرة مضامين في فقرات متتالية. ولهذا، فالفصل (146) لم ينص على أنه" تحدد بقوانين تنظيمية«"، بل نص على "»بقانون تنظيمي"«، إذن التأويل الواضح والبسيط، هو ضرورة وجود مشروع قانون تنظيمي واحد تجمع فيه كل تلك المضامين الواردة في فقرات الفصل (146)، وبالتالي، سنجد أن المقتضيات المتعلقة بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية، ستكون جزءا مهما من مشروع هذا القانون التنظيمي بجانب مضامين المقتضيات الأخرى المنصوص عليها في الفصل (146). بالفعل إن المضامين المنصوص عليها في الفصل '146) من الدستور والمتعلق بالجماعات الترابية هي متنوعة و أساسية ولكنها متكاملة ومترابطة. ولقد أحسن محررو مشروع الدستور الجديد في تعدادها في نفس الفصل '146) ولهذا فمن المفيد أن يكون مشروع القانون التنظيمي الواحد المتكامل يتعلق "بمدونة الجماعات الترابية«" مقسما إلى عدة أقسام أو أجزاء يخصص كل جزء أو قسم منه لمختلف المضامين المحددة في الفصل 146) المذكور. ولعل هاجس السرعة في اعطاء الأسبقية ليومية الانتخابات هو الذي كان وراء هذا الفصل بين انتخابات أعضاء مجالس الجماعات الترابية. والمتطلبات الأخرى المقررة في اصلاح الجماعات الترابية وعلى رأسها الجهات، ونرى أن هذا التأويل القاضي بالاقتصار في نطاق السرعة، على إدخال انتخابات أعضاء المجالس الترابية. في نص مشروع قانون تنظيمي واحد مستقل، هو تأويل يحتاج إلى سند دستوري واضح وصحيح. ولا ننسى أن لفظة" »التأويل» "في اللغة العربية تعني التفسير لما هو موجود. بدون اضافات جديدة لا تنسجم مع النص الأصلي ولا يستسيغها مضمون وروح هذا النص. ويجب أن يبقى حاضرا باستمرار في أذهاننا جميعا أن التأويل المنشود هو التأويل الديمقراطي للدستور. ولا بأس أن نذكر أن كلمة "»التأويل"« في لغتنا الدارجة لها معان توافق المضمون البليغ لهذه الكلمة. فاللهجة الدارجة بفاس تعني بكلمة "»التاويل"« التأني وعدم السرعة، وفي اللهجة الدارجة بالرباط تعني بالأساس الحرص على الضبط والاتقان في عمل ما ليكون هذا العمل في النهاية »"متول« "بمعنى مثقن. هكذا تبقى الحكمة المغربية المرتبطة بمسألة "»الرجل"« و"»البلغة"حاضرة باستمرار، بإعطاء الأهمية والأسبقية "»للرجل"« على أساس إصلاح "البلغة" أو تغييرها. وفي جميع الأحوال يبقى حاضرا في أذهاننا باستمرار في أي عمل نقوم به الحديث النبوي الشريف: «رحم الله امرؤا عمل عملا صالحا فأتقنه» وفقنا الله جميعا لإتقان أعمالنا الصالحة وبالخصوص ما يتعلق منها بتدبير الشأن العام.