قررت مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي، الدخول مع الأردن، يومي 11 و 12 شتنبر الجاري، في مشاورات ومباحثات حول تفعيل طلب الأردن الانضمام إليها. أما المغرب، الذي تلقى دعوة الانضمام لنفس المجموعة بارتياح، وعبر عن استجابته المبدئية لهذا الطلب، فلم يصدر بعد ما يؤكد التقدم في مرحلة الانتقال من الإعلان عن الرغبات إلى مرحلة توفير الإطار القانوني لتحقيق الانضمام . وإذا كان من الممكن تفسير الصمت المطبق حول مستجدات الملف بضرورة إعداد وتهيئة الشروط التي تخدم مصالح كل الأطراف، وتوفر الوقاية الضرورية من كل مخاطر فشل المشروع، فإن بعض الأوساط بدأت تقاوم الفكرة وتدعو إلى تحويل علاقات الانضمام إلى علاقات شراكة، ومن بين المدافعين عن هذا التوجه عبد الرحمن بن حمد العطية، وزير الدولة، الأمين العام السابق لمجلس التعاون لدول الخليج العربية. الاستمرار في حرمان وسائل الإعلام من مواكبة مستجدات ملف انضمام المغرب للمجموعة الخليجية، يوفر المناخ الملائم لانتشار الشائعات، ويساعد على التشكيك في جدوى الإقدام على خيار استراتيجي من قبيل انضمام المغرب إلى مجموعة دول الخليج . من المحقق أن هذا المشروع لم ينل نصيبه المستحق من الحوار والتشاور بين السلطات الحكومية وبين مكونات المجتمع المدني والأطراف المعنية، ومن المحقق كذلك أن «الصمت» لا يعني أن الطرفين تراجعا عن مواقفهما بقدر ما يمكن أن يعكس جدية المعالجة واستحضار مختلف المستجدات على الصعيدين العالمي والعربي. فمهما يكن فإنه لا يمكن وضع كل من المغرب والأردن في سلة واحدة، كما لا يمكن إعطاء البعد الجغرافي دورا أكثر مما يستحق، ولا يمكن اعتماد فشل مشروع انضمام العراق للمجموعة بفعل غزو الكويت مع فرص النجاح التي يوفرها المغرب المتميز بعلاقاته النموذجية مع قادة دول المنطقة ، نفس الشيء ينطبق على اليمن التي تستمد قدرتها على تصدير العمالة من ضعف نسيجها الاقتصادي. إن إقدام مجموعة دول مجموعة التعاون الخليجي على دعوة المغرب للانضمام، وليس للانخراط في علاقات شراكة، لم يصدر عن عبث، ولكنه صدر عن عقلاء مشهود لهم بالحنكة السياسية، وأنهم على بينة تامة بالوضعية المالية في المغرب، ولكنهم في نفس الوقت جربوا المغرب في مجال المال والأعمال، وحققوا في المغرب أرباحا زادت من ثقتهم في المغرب، وكل من يقارن بين الخسائر التي تكبدها الخليجيون في الولاياتالمتحدةالأمريكية وفي بعض الدول الأوربية، بفعل الأزمة الاقتصادية العالمية التي انطلقت سنة 2008 وتقوت سنة 2009 ،لا يمكنه إلا أن يقر بأن عين العقل هو الاعتراف للمغرب بمؤهلاته والعمل على الاستثمار في هذه المؤهلات على أسس قوامها التعاون المشترك لما فيه مصلحة كل الأطراف. إذا كان من الخليجيين من يرى في الثروات النفطية وما يترتب عنها من ادخار للأموال «نقطة امتياز» لا يجوز «تبديدها» في المغرب، فإن من المغاربة من يرى في تنوع الاقتصاد المغربي وفي تطوير قوانينه الاقتصادية والاستثمارية، ما يؤهله للانخراط في علاقات شراكة مع أكثر الدول صرامة في مجال تطبيق معايير الجودة والمعايير البيئية والاجتماعية، رصيدا ما كان له ليتحقق لو أن المغرب اكتشف البترول قبل الثمانينيات، فما يوفره تعدد القطاعات الاقتصادية وخاصة منها المنتجة للخيرات كالفلاحة والصناعة التحويلية والصيد البحري، يجعل من المغرب دولة للاستثمار في المستقبل، وكيف لا ومخاطر المجاعة والتصحر وندرة الماء وما إلى ذلك من العوامل البيئية، صارت تفرض نفسها في الأسواق الدولية، وتفرض التوجه نحو تحويل الغذاء إلى سلاح أكثر فتكا بالبشرية من الأسلحة النووية. الاستثمار في المستقبل شكل العمود الفقري لمقتضيات الدستور الجديد، وكل المغاربة يراهنون على أن يسفر احترام روح الدستور عن تشكيل حكومة قادرة على تسريع وتيرة الإصلاح، وعلى تطوير علاقات التعاون مع مختلف الشركاء الاقتصاديين. وإذا كان الدستور قد ركز على الهوية المغاربية للمغرب، فإنه بقدر ما يصبو إلى بناء وحدة اقتصادية متماسكة في محيطه الجغرافي، بقدر ما يؤكد انفتاحه على كل المبادرات الجادة. ولعل المبادرة الخليجية الداعية إلى انضمام المغرب لمجموعة دول مجلس التعاون الخليجي، واحدة من أهم المبادرات الجادة لأنها تتوفر على كل مقومات التكامل الاقتصادي، ومقومات حماية الهوية العربية في الخليج. إن كل من يستحضر انهيار الأنظمة في كل من تونس ومصر وليبيا، لابد له أن يتوقع تعزيز عودة الاستقرار في هذه الدول ببناء وحدة اقتصادية إقليمية، ذلك أن القادة الذين كانوا يتخذون من عرقلة مشروع بناء صرح المغرب العربي الموحد ذريعة للتغطية على نهب الأموال، انكشف أمرهم ولم يعد بالإمكان تكرار تجربتهم، وفي هذا وحده تمهيد لقيام علاقات اقتصادية جديدة بالمنطقة، علاقات لاشك أنها تستهوي المستثمرين، لأنه مهما كانت درجة المخاطرة بالاستثمار في هذه الدول، فإنها ستكون أقل بكثير من درجة المخاطرة في دول تتخذ من التحكم في القطاع المالي والمصرفي وسيلة للهيمنة وللتصرف في أموال الغير. إن المغاربة لا يسعون فقط إلى إقامة علاقات تضِمن لهم حرية التنقل والعمل في دول الخليج، ولكنهم يطمحون أساسا إلى أن يسفر انضمام المغرب إلى المجموعة الخليجية عن تمكين المنتجات المتوفرة على شهادة المنشأ من الاستفادة من نفس الامتيازات المعمول بها في الدولة المستوردة، بل إن من الصناعيين المغاربة من يدعو إلى إخضاع نظام تسليم شهادة المنشأ إلى معايير موضوعية مسايرة لما هو معمول به في المعايير المعتمدة في جل الاتفاقيات المنظمة للمبادلات الدولية. ما يتم الترويج له في دول الخليج وفي المغرب، يعتمد على الشائعات أكثر مما يعتمد على وقائع. وإذا كان من المفيد توسيع دائرة المناقشة حول إيجابيات وسلبيات كل دولة عضو أو مرشحة للانضمام، فإن من الأفيد الكف عن عرقلة مشروع صدر عن جهات لها دراية كبيرة بمستجدات الاقتصاد العالمي، ولها طموح كبير في تمتين علاقات التعاون، والرقي بالعلاقات السياسية الممتازة لتنعكس آثارها الإيجابية على العلاقات الاقتصادية والتجارية الضعيفة.