بعد أقل من أسبوع على صدور اعلان الترحيب الخليجي بطلب الأردن الانضمام لمجلس التعاون الخليجي ودعوة المجلس المغرب لتقديم طلب رسمي بنفس الشأن، ما زالت كل الابواب والتكهنات مفتوحة حول الاسباب التي دفعت البلدين لطلب الانضمام وتلك العوامل التي شجّعت الخليج على الترحيب "المفاجئ" و"السريع" بهذ الانضمام في وقت تجاهلت فيه ملفي اليمن والعراق بطلب الانضمام لسنوات طويلة... وما زالت الدراسات الاقتصادية والأمنية والسياسية حول نتائج الانضمام المرتقب تملأ وسائل الاعلام لا سيّما الخليجية والأردنية والمغربية... عضوية خليجية منقوصة ومغرب عربي مبتور!
وسارعت السلطات المغربية، بعد ساعات قليلة من صدور الاعلان، الى التصريح على لسان وزارة خارجيتها أنّها مستعدة لإجراء مشاورات من أجل تحديد إطار تعاون أمثل مع دول مجلس التعاون الخليجي ولكنها، حسب ما جاء في البيان، تكرّر تمسكها بالمثال المغاربي وبناء اتحاد المغرب العربي...وفي هذا التصريح دلالتين واضحتين يجب التركيز عليهما بشكل تفصيلي قبل التنبؤ بمستقبل انضمام المغرب للمجلس بعد كل الضجة التي أحدثها الاعلان داخليا وخارجيا... النقطة الاولى هي ان التعبير الذي استخدمته الخارجية المغربية بشأن ايجاد اطار تعاون افضل مع دول المجلس يعني ان المغرب لن ينضم بعضوية كاملة الى المجلس وهذا ما تؤكده ايضا شروط العضوية في المجلس لا سيّما بيان انشاء المجلس الذي يحدّد بدوره العضوية في المجلس بالدول الصحراوية المطلة على الخليج الفارسي والمتقاربة اجتماعيا وثقافيا... فضلا عن ان انضمام المغرب بشكل عضو كامل سيرّتب تنازلات سياسية على المغرب أبرزها الدعم المطلق للانظمة الملكية في الخليج، والتي تتخبط بعضها في ثورات قديمة كالبحرين والتي يعود الحراك السياسي المعارض فيها والقائم حاليا الى التسعينات اضافة الى غياب الاصلاحات السياسسة والدستورية في دول المجلس كالسعودية ووجود ازمات اقتصادية في دول كسلطنة عمان وغياب قاعدة متينة لاحترام حقوق الانسان وحرية الشعب في التعبير عن رأيه قي كافة دول المجلس، مما يعني انعكاس صورة سلبية عن المغرب، في حال انضم بعضوية كاملة وتسترّ على عيوب الملكيات الخليجية، خاصة وانّ عواصم القرار عالميا شهدت بان المغرب يسير بشكل فريد ومنفرد نحو اصلاح حقيقي نموذجي بعد الخطاب الاخير للملك محمد السادس في 9 مارس 2011 والذي اعلن فيها عن اصلاحات دستورية جذرية... التكتيك المغربي الذكي!
امّا النقطة الثانية فهي ان اعلان المغرب عن تمسكه ببناء اتحاد مغرب عربي يعكس سوى مسألتين دقيقتين. المسألة الاولى هي ان المغرب اراد من ذكر هذه النقطة في البيان تهدئة بعض الاصوات المحتجة من داخل المغرب وخارجه حول نيةّ الانضمام والتي ربطت الامر ببدء المغرب العزوف عن رغبته الشهيرة بضرورة بناء مغرب عربي واستبداله باتحاد عربي آخر قوي كمجلس التعاون الخليجي... ولكن عن اي اتحاد مغارب عربي تتحدث الخارجية هنا؟ في وقت انهار فيه النظام في تونس وينهار في ليبيا والتوتر قائم مع الجزائر التي تدعم انفصاليي البوليساريو؟ مع اي دول وانظمة سيشكل المغرب تكتلا مغاربيا قويا؟ اما الدلالة الثانية، فهي ان المغرب يعرف جيدا ان قيام هكذا اتحاد مغاربي لم ولن يتحقق طالما هناك نزاع قائم على الصحراء قائم ومستمر منذ 36 عاما... فحتى لو اتت انظمة اخرى جديدة في تونس وليبيا غدا داعمة لموقف المغرب بشأن الصحراء وسقط الحليف العريق للبوليساريو اي معمر القذافي، فهناك الجزائر ونظامها القوي امنيا واقتصاديا ما تزال في قلب عرقلة مسيرة التعاون المغاربية ويشهد على ذلك استمرار تعطيل المفاوضات غير الرسمية والرسمية برعاية الاممالمتحدة ومبعوثها الخاص بشأن الصحراء بين اطراف النزاع في كل مرة ودخولها في متاهة "التصريحات" المسدودة الافق... إذن لماذا قد يعلّق المغرب امالا كبيرة في بيانه حول هكذا حدث مهم كالانضمام للمجلس الخليجي بالاستناد على تبريرات ليست واقعية؟ الجواب بسيط جدا... انها الاستراتيجية المغربية الذكية! رياح الخليج تهبّ فوق الصحراء!
منْ يتابع المغرب وطريقة بنائه لعلاقاته مع واشنطنوالعواصم الاوروبية المهمة لا سيما باريس ومدريد يعرف تماما ان "الدبلوماسية الشعبية" ترافق دئما الدبلوماسية الرسمية المغربية ومنذ سنوات طويلة لا سيّما منذ المسيرة الخضراء وهي التظاهرة الجماهيرية التي نظمتها الحكومة المغربية في شهر نوفمبر لعام 1975 لحمل إسبانيا على تسليمها إقليم الصحراء المتنازع عليه، وهو إقليم شبه حضري مستقل كان واقعًا تحت وطأة الاحتلال الإسباني آنذاك. وتعدّ المسيرة الخضراء إحدى المسيرات الشعبية التي تم الترويج لها على نحو جيد والتي حظيت بأهمية بالغة... إذ تجّمع حوالي 350 ألف من المغاربة في مدينة طرفاية الواقعة جنوب المغرب منتظرين إشارة بدء المسيرة من الملك حسن الثاني لعبور الصحراء المغربية رافعين الاعلام المغربية والقرآن الكريم وصور ملكهم... وبهذا يكون الملك الحسن الثاني قد بدأ مسيرة دبلوماسية شعبية من الشعب والى الشعب منذ العام 1975 لتكتمل في عهد الملك محمد السادس منذ توليه الحكم في العام 1999 سيّما بشأن قضية الصحراء المغربية التي اقترحت المملكة لها حلا نهائيا هو الحكم الذاتي والذي اكتسب دعما وتأييدا وطنيا مغربيا وتصريحات مؤيدة من عواصم القرار وبمباركة الاممالمتحدة وعبر مجتمع مدني مغربي عمل طويلا وبطرق مختلفة على دعم المقترح والترويج له دوليا فضلا عن العمل على كشف المستور وما خفي حول جبهة البوليساريو الانفصالية وكشف الحقيقة حول انتهاكاتهم لحقوق الصحراويين المحتجزين في مخيمات تندوف جنوب غرب الجزائر. لذا فان المغرب عمل ويعمل باستمرار على تطوير دبلوماسيته الشعبية في قضاياه الوطنية وهذا ما فعله مؤخرا بعد بدء تظاهرات حركة 20 فبراير الاحتجاجية حيث سارع البلاط الملكي لاقتراح تعديلات دستورية جذرية واجراء استفتاء شعبي عليها مما عكس سياسة المغرب الواضحة باشراك الشعب في قرارات وطنية حاسمة... فلماذا لا يكون بحث المغرب عن سبل تعاون مع مجلس التعاون الخليجي يندرج في سياق الدبلوماسية الطامحة للمغرب نحو كسب اكبر تاييد ممكن لأحقية المغرب على صحرائه عبر دعم مقترح الحكم الذاتي؟ ملفات دسمة بين الرياض والرباط!
قبل ساعات قليلة وصل وزير الشؤون الخارجية والتعاون المغربي الطيب الفاسي الفهري إلى العاصمة السعودية الرياض على رأس وفد مغربي سيعمل لمناقشة الدعوة التي وّجهت للرباط من مجلس التعاون الخليجي للانضمام إليه.. وقد تم هذا الانتقال على عجل باعتباره كان مرتقبا خلال الأسبوع المقبل وفق ما أشارت إليه مصادر صحفية عدة... فجريدة "القدس العربي" أفادت بأن الفاسي الفهري حمل معه للرياض ملفا متكاملا حول التصور المغربي لتعاون شامل في مختلف الميادين بين المغرب ودول الخليج دون ان يرقى هذا التعاون الى الانضمام الكامل... ويجدر السؤال هنا متى اعدّ المغرب هذا الملف "الدسم" و"الثقيل" في وقت قصير جدا اذا كانت الدعوة قد وّجهت من المجلس للمغرب قبل بضع ايام فقط؟ الامر سيثير تساؤلا مشروعا هنا... والجواب يختصر بأن الخليج يدفع منذ فترة ليست ببعيدة المغرب والاردن للانضمام، وليس مهما هنا من قدّم ورقة طلب رسمية ومن طلب منه تقديم ورقة، فالاهم هنا رضا الطرفين على عقد زواج خليجي-مغربي من جهة وعقد زواج خليجي-أردني من جهة اخرى شرط حفظ حقوق كل الاطراف الموّقعة على هذه العقود لانه لن يكون بعد هكذا عقد- في حال تم توقيعه- اي "طلاق" لاجل غير مسّمى... وأوردت الجريدة نفسها بأن مصادر دبلوماسية مغربية استبعدت أن يكون دافع "دعوة الانضمام" مستهدفا لمشاركة المغرب في "حرب قريبة" مع إيران وعلّلت ذلك بأنّ ما تخشاه دول الخليج هو الاحتجاجات الشعبية التي يمكن أن تجتاحها، وإدراكها لضعف إمكانياتها الأمنية الذاتية لتطويق هذه الاحتجاجات...وهو التصريح الذي يعني بأن الخليجيين لا يرون في المغرب إلا "قوة قامعة لثوار مرتقبين"... وبهذا التحليل يسقط القارئ في بئر من المغالطات التي تبدو منطقية للوهلة الاولى لكنها غير صحيحة... فالمغرب غير مستعد لمساندة اي بلد عربي لخوض حرب ضد ايران لأن هكذا معركة لم ولن تكون معركته ابدا... والمغرب يعرف جيدا كيف يحمي نفسه من اي "مدّ هجين" قد يستهدف امنه وثوابته الدستورية والوطنية والملكية... والمغرب لن يدعم اي نظام قائم ضد ثورة شعبه ودماء شعبه الا لو اراد ان يبدأ "انتحارا سياسيا" وهذا مستبعد جدا... فاداء القوات الامنية المغربية مع متظاهري حركة 20 فبراير كانت سلمية وديمقراطية الى درجة مقبولة جدا. الخليج ونقطة ضعف المغرب!
إذن من المرّجح، كما بات مسرّبا لعدة اوساط اعلامية، ان يحمل الملف المغربي الى الرياض تصورات تعاون من قبيل مساهمة مغربية في حماية امن دول الخليج عبر تأهيل أجهزتها الأمنية وتسهيل تطوع مغاربة في هذه الأجهزة على غرار المغاربة ال1700 المتواجدين في الأجهزة الأمنية للإمارات العربية المتحدة... في مقابل ان تنشئ دول الخليج الست صندوقا استثماريا برأسمال خليجي مشترك للمساهمة في المشاريع الاستثمارية والأوراش التنموية التي يعرفها المغرب، أو منح قروض طويلة الأجل وبفائدة منخفضة، والأهم بالنسبة للمغرب التدخل لدى دول إفريقيا الشرقية لسحب اعترافها بالبوليساريو وربما إطلاق عجلة عربية جديدة للعمل على انهاء النزاع على الصحراء... هذا الاحتمال يبدو الاقرب اليوم الى المنطق السياسي للمغرب التي تعرف جيدا ان قضيتها الجيو-سياسية الاساسية اي "النزاع على الصحراء" باتت تحتاج الى عجلات دفع عربية وليس عجلات اوروبية واميركية الصنع.... فلطالما كان الخليج بعيدا بتصريحاته عن اتخاذ موقف صريح وداعم لاحقية المغرب بصحرائه.. واليوم بعد سقوط حليف عربي قوي للبوليساريو هو رأس النظام الليبي معمر القذافي وانفتاح سبل التغيير والاصلاح في الجزائر بعد خطاب بوتفليقة بشان اصلاحات مرتقبة فلم يبق هناك خوف من الوقوع في موقف حرج مع حلفاء البوليساريو من العرب بالنسبة للخليج وقد نرى تصريحات خليجية قريبة داعمة للموقف المغربي بشأن الصحراء. وقد يسأل اي مراقب الم يكن من الممكن للمغرب ان يزيد حجم استثماراته مع الاتحاد الاوروبي، كما فعل منذ سنوات مّما اوصله الى موقع الشراكة المتميز مع الاتحاد، وبالتالي الاستغناء عن القفز نحو زواج من قارة أخرى مع ثقافة خليجية بعيدة عنه؟ والاجابة على هذا التساؤل تكمن في الثورات القائمة في ليبيا وتونس... فالمغرب بلد مستورد رئيسي للنفط ووجود حليف استراتيجي قريب منه جغرافيا او بعيد، ليس مهما بل الاهم هنا وجود هذا الحليف، لتوفير حاجته من النفط أمر ضروري جدا ولن يكون هناك افضل من الشراكة الخليجية في هذا الاطار في وقت لم تظهر فيه بعد معالم النظام الجديد في تونس وليبيا...ويبدو ان المدة ستطول... تجنّي كويتي على المغرب والأردن!
بالمقابل عبّرت كتل نيابية في البرلمان الكويتي عن تحفّظها المبدئي من انضمام الأردن والمغرب لمجلس التعاون الخليجي... فقد أعرب النائب صالح عاشور عن قلقه من انضمام البلدين على اعتبار الأمر "خطوة تقديمية لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني" حسب رأيه.... وهذا لامر مستغرب تداوله وفيه تجنّي بحق هذين البلدين المعروفين بمواقفهما التاريخية الداعمة للفلسطينيين وقضيتهم... فمن موقف الشهيدين المهدي بن بركة وعمر بن جلون وموقف الحزبين المغربيين حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وصولا الى رأس النظام الملكي الملك محمد السادس الذي يظهر دائما مواقف داعمة للقضية باستمرار... امّا الأردن فلطالما اعتبر القضية الفلسطينية هي قضية أمن وطني أردني، ولكنه لا يتفاوض نيابة عن الفلسطينيين، ولا يشترك معهم في مفاوضات مع إسرائيل... ولعلّ مراجعة التعاون التجاري لقطر مع اسرائيل والقاعدة الاميركية في قطر والتي تنقل الأسلحة لاسرائيل لضرب لبنان وفلسطين باستمرار هي الأجدر مراجعتها من قبل النائب الكويتي للبحث أكثر في خفايا التطبيع الخليجي مع اسرائيل قبل نقد الأردن والمغرب... يبدو انّ كل التحليلات والتصريحات لا سيّما تلك التي صدرت عن المحللين والمراقبين من الخليج واعرق الصحف الاوروبية الاميركية ركزت على الاسباب التي دفعت الخليج للنجدة بالمغرب والاردن "لتدعيم امنهم" وتشكيل "نادي ملكي سني عربي" والوقوف في وجه "الزحف الايراني" و"المدّ الشيعي" و"اخماد الثورات العربية" في حال وصل تأثيرها للملكيات الخليجية، وغيرها من التفسيرات التي يسودها الكثير من الاخطاء والمغالطات، ولكنها ليست حديثنا هنا لان بات مطلوبا في هذ الحدث اليوم النظر اكثر الى العوامل التي شجعت الاردن لطلب الانضمام ودفعت بالوزير المغربي وبعثته الدبلوماسية الى الطيران بسرعة الى الرياض... ومهما تباينت دوافع الاردن والمغرب للانضمام بين اقتصادية وسياسية وامنية وغيرها، فان المغرب لا بدّ وانّه وضع اوراق الصحراء في ملفه قبل المغادرة للرياض ليزيد دبلوماسيته الشعبية والرسمية على السّواء نجاحا ودعما رويدا مروه