الكتابُ الذي ننشر ترجمته الكاملة إلى العربية هو- كما أراد له صاحباه (حبيب المالكي ونرجس الرغاي)- ثمرةَ لقاء. لقاء ما بين رجل سياسة وبيْن إعلامية: الأوّل يريد أنْ يقدّم شهادة، والثانية تريد أنْ تفهم. ليس من عادة رجال السياسة أنْ يقدّموا شهاداتهم. قليلون جدا هُم الذين يَقبلون الانصراف إلى تمْرين تقديم الشهادة. ورَغم ذلك، فإنّ تاريخ المغرب المعاصر بإمكانه أن يشكّل تمرينا جيدا للشهادة. فمنذ مستهل التسعينيات، طوى المغرب صفحات مصالحة لم تكن دائما هادئة. إنها مادة رائعة أمام المُنقّبين الذين يرغبون في الذهاب أبعد من الطابع الآنيّ للمعلومةّّّ! كما أنّ هذا الكتاب هو كذلك ثمرة رغبة ملحّة في الفهم، فهم هذا الحُلم المقطوع المتمثّل في التناوب التوافقي الذي دشّنه الوزير الأول السابق المنتمي إلى اليسار، عبد الرحمان اليوسفي. وهو أيضا رغبة في فهم ذلك الإحساس بالطَّعْم غير المكتمل للتناوب الديمقراطي. } في هذا الفصل، الأستاذ حبيب المالكي، سنتطرق إلى حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في ظل العهد الجديد. نحن في سنة 2000، والاتحاد الاشتراكي يعقد مؤتمره السادس، وعبد الرحمان اليوسفي وزير أوّل. كيف تم التحضير لهذا المؤتمر؟ وكيف سارت الأمور بعد الجلسة الافتتاحية؟ هل تولد لديكم إحساس بأنكم تشاركون في مؤتمر ... حكومي؟ إنه المؤتمر الأوّل للحزب في غياب عبد الرحيم بوعبيد، وهو آخر مؤتمر يحضره عبد الرحمان اليوسفي. وقد انعقد بعد فترة مخاض طويلة. فالمؤتمر الخامس للاتحاد الاشتراكي انعقد سنة 1989 حين كان عبد الرحيم بوعبيد ما زال على قيْد الحياة. هذا المؤتمر السادس، تزامن مع السنة الرابعة من عُمْر حكومة التناوب. فقد كان إذنْ فرصة لعبد الرحمان اليوسفي، باعتباره الكاتب الأوّل للحزب والوزير الأول، لكيْ يقدّم عرضا اعتُبر إيجابيا، حيث استعرض حصيلة كلّ ما تحقق في الميدان السياسي والاقتصادي والسوسيو-ثقافي... } كانت تلك هي السنة الرابعة للتناوب، وكان اليوسفي راضيا عن حصيلته الحكومية. هل أحسستَ بأنه كان يدافع عنها أمام المناضلين؟ نعم، علاوة على أنّه كانَ يدافع عنها بقناعة راسخة. وبذات القناعة، راح ينوّه بما يُعتقد أنه تحقق في مجال الحريات وحقوق الإنسان ومعركة الدفاع عن وضعية المرأة... ويجب، بالمقابل، أنْ نلفت الانتباه إلى أنّ عبد الرحمان اليوسفي قدْ شدّدَ على القيم المؤسّسة للمجتمع المغربي. وبهذه المناسبة، ذكّر اليوسفي بأنّ الإسلام هو دين الحداثة. } في سنة 2000، كان حزب العدالة والتنمية قد انتقل إلى المعارضة. لقد كانتْ رسالة واضحة لكل من تستهويهم فكرة «الدين الاستعراضي». وأمام المؤتمرين، ذكّّر الكاتب الأوّل بأنّ الإسلام لم يكنْ البتّةَ دينَ استعراض، وأنّ الدين عموما هو مسألة تنتمي إلى ما هو حميميّ. كما أكد أن الدين اعتقاد شخصي، ويمثل واحدا من الأسس التي تشكّل ثقافتنا. } هل يتحدث عبد الرحمان اليوسفي عن الدين في المحافل الخاصة؟ بشكل منفتح ومقنع. إنه يتحدّث عن الإسلام كعامل ساهم في لحْم أسس الأمّة المغربية، وما عدا ذلك فهو كثير الكتمان. } الكتمان حتى فيما يتعلق الأمر بممارسة الشعائر الدينية؟ في ما يخص الشعائر الدينية، نعم.. لكنه مؤمن حقيقيّ. } آخر سؤال فيما يخصّ الشّقّ الديني. بما أن عبد الرحمان اليوسفي تناوله بوضوح خلال خطاب افتتاح المؤتمر السادس. هل يستطيع مناضلو الحزب أن يتبنوا ويدافعوا عن فكرة العلمانية؟ وما هي طبيعة العلاقة بين الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كحزب يساري، وبين العلمانية؟ كلّ شيء رهين بالتعريف الذي نعطيه للعلمانية. من الجليّ أنني لا أتخذ من التجربة الفرنسية منظومة مرجعية لتحديد العلمانية. فإذا كانت العلمانية تعني أنْ يكون المرء مؤمنا يؤدي شعائر الإسلام، مع التأكيد على أن الممارسة الدينية ترتبط بما هو حميمي، أَجَلْ، يمكن للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أنْ يدافع عن فكرة العلمانية. أمّا إذا كانتْ العلمانية تؤدي إلى فصل صريح بين ما هو ديني وسياسيّ، فإن موقف الحزب واضح في هذا الشأن: لا يجب توظيف الدّين لأهداف سياسية. } لنَعُدْ إلى هذا المؤتمر السادس للاتحاد الاشتراكي. في حادث مفاجئ، يعلنُ الأموي انسحابه منذ اليوم الأول للمؤتمر. فماذا حدث؟ وماذا ترتّب عن ذلك؟ لقد قاطع الأموي المؤتمر في الجلسة الافتتاحية... } لمْ يحضر الكاتب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل إذن أشغال الجلسة الافتتاحية. بلى، لقد كان متواجدا هناك، ولكن منْ أجل الاحتجاج عن» الإنزال»، أي الحضور المكثّف لمؤتمرين مزيفين. } هل كان هناك فعلا إنزال؟ فبعد مرور عشر سنوات، كانت هناك تعليمات بهذا الخصوص! أنا واضح جدا، هنا وفي قضايا أخرى. لقد عينا لجنة عُهد لها بتفحص جميع المحاضر والتفويضات الخاصة بالمؤتمرين. كان علينا حث لجنة مراقبة التفويضات للفصل فيما كان يسميه الأموي وبعض الرفاق ب «الإنزال». } هل بثت اللجنة في ذلك أم لا؟ للأَسَف لا.. لم ينتبه لها أحد. مرّ المؤتمر في ظروف عادية، لكننا نأسف كثيرا لغياب الأموي ومعه مجموعة الرفاق. لقدْ كان قرارا مفاجئا، خلّف تبعات فيما بعد. } كنتَ ضمن المجموعة التي ذهبت لرؤية الأموي من أجل إقناعه بالعودة إلى البيت. من هي الشخصيات التي شكلت هذا الوفد؟ ماذا كانت مقترحاتكم؟ وماذا كان رده؟ خلال تلك الفترة، دخلَ الأموي في «السّرّية». هاتفه المحمول كان خارج التغطية، وتحديد موقع تواجده كان صعبا. حاولنا الاتصال به من خلال المقربين منه، لكني أظن أنه كان قد اتخذ موقفا لا رجعة فيه. كان الأمر مُؤسفا، لأنّ قرار الأموي لم يكن يستند إلى أساس سياسي ولا إيديولوجي. فباعتباره عضوا في المكتب السياسي، كان الأموي مشاركا دائما في صُنْع القرارات الحاسمة التي يتبناها الحزب. } ما زلتُ أطرح أسئلة تلو الأخرى بهذا الخصوص، لأنّ رحيل الأموي يستدعي عدة تساؤلات. هل كان مدفوعا من طرف بعض مقربيه؟ وما الهدف من ذلك؟ هل كان نتيجة مراجعة جديدة للعلاقة بين الحزب والنقابة، كما عشنا ذلك خلال الستينيات مع الاتحاد المغربي للشغل؟ هل هي طريقة للقوْل بنهاية المهمة التاريخية لللاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مع مجيئ حكومة التناوب؟ بتعبير آخر، هلْ كان ينبغي المرور إلى أمور أخرى، فضلا عن أنّ هذه المقاطعة للمؤتمر السادس للحزب، جاءت سنة قبل الانتخابات التشريعية لسنة 2002، والتي تزامنتْ مع انعقاد مؤتمر الكونفدرالية الديمقراطية للشغل.. هل يمكن تصوُّر أنّ الأموي كان مُستعملا يتصرف بغيْر إرادته؟ من الصعب قولُ ذلك. فالأموي شخصيّة مستقلة يصعبُ في الغالب اختراقها أو التأثير على قراراتها. أعتقد بالأحرى أن ّالأمر يتعلق بمسار داخلي صرْف يكمنُ تحليل شمولي لتطوّر البلاد. ولديّ إحساس بأنّ الأموي كان يرى، من منظوره الشخصي، أنّ الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قد أكْمَل مهمّته، وبذلك وجب الانتقال إلى أمور أخرى. } كيف عاش اليوسفي هذه المقاطعة؟ هل كان الأمْر يتعلق بخيانة جديدة؟ لقد كان الأموي مقرَّبا جدّا من اليوسفي، فقد عارضا معا المحاولة الأولى للتناوب في 1992-1993. خلال هذه المرحلة، كان اليوسفي، وهو كاتب أوّل للحزب، قد اختار مغادرة المغرب بإرادته، احتجاجا على الظروف التي مرّت بها عملية تجديد ثلث أعضاء البرلمان سنة 1993. كما يجب أنْ لا ننسى بأنّ اليوسفي كان قد تزعّم حملة تضامن واسعة باسم الحزب، داخل المغرب وخارجه، إثْر اعتقال نوبير الأموي سنة 1992 . لقد كانت العلاقات بين الرّجُليْن حميميّة. } في حوار خصّ به جريدة «الباييس» الإسبانية، كان الأموي قد احتجّ على تبدير المال العام، ونتيجة ذلك حُكم على زعيم الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بسنتين سجنا نافذا خلال شهر أبريل 1992. وفي الوقت ذاته، يتساءل البعض: كيف للرّجليْن أن يكونا مقربيْن لبعضهما البعض؟ أنت على صواب. يجبُ أنْ نقرّ بأنّ مرْجعيّتهما الثقافية مختلفة كثيرا! فهما أسلوبان متنافران، غير أننا اعتدْنا داخل الحزب أنْ نجتمع حول ما هو أساسيّ. أي تطبيق مشروع التغيير. وهذا ما كان يُذيب خلافات جميع مكوّنات الاتحاد الاشتراكي. إنّ حملة التضامُن مع الأموي كانت قوية، بحيثُ أُطلق على إثرها سراحه خلال شهر يوليوز من سنة 1993 وذلك بمناسبة عيد الشباب. فبعد الانتهاء من الاحتفالات، استقبلني الحسن الثاني بمعيّة عبد الواحد الراضي، بإقامة عامل مدينة القنيطرة، ليطلعنا على إطلاق سراح الأموي. كما كلفنا بإبلاغه الرّسالة التالية: « ليقلْ الأمويُّ ما يشاء، لكنْ عليه أن يحافظ على ما هو أساسي». } هل بلّغتَه فحوى الرسالة بعد خروجه من السجن؟ طبعا.. ففي اليوم المُوالي لاحتفالات عيد الشباب، توجّهتُ إلى الدارالبيضاء لملاقاته وإبلاغه الرسالة الملكية. } وفي نظركَ، هل استوعب الأمويّ هذا الدرس؟ لقد أجابني الأموي مبتسما: « كلنا نبحث عن الأساسيّ الذي يجب المحافظة عليه!» } كلنا يعلم أنك مقرّب من الأموي. ما هي الصورة التي لديكَ عن الرجل كسياسي ونقابيّ؟ تربطنا صداقة طبيعية، لكن بدون تواطؤات. إنها صداقة تعزّزتْ خلال التحضير لأشغال اللجنة الوطنية النقابية برئاسة عبد الرحيم بوعبيد، والتي أدّتْ إلى تأسيس الكونفدرالية الديمقراطية للشغل... } يكاد المرء يتناسى بأنك عضوٌ مؤسس للكونفدرالية الديمقراطية للشغل. بالفعل.. لقد ساهمتُ عَمَليّا في تأسيس الكونفدرالية الديمقراطية للشغل سنة 1979. إن الأموي شخصية جذابة في أسلوبه، وفي القرارات التي يتخذها، وبالدفء الإنساني الذي يشملك به كلما احتضنك. وهو يعطيك الانطباع بأنه يرتجل، ويفضّل الهروب إلى الأمام، بينما جميع أفعاله وحركاته محسوبة بدقة عالية. بلْ حتى خطبه التي يلقيها بمناسبة فاتح ماي ليست وليدة الصدفة. وأنا على يقين بأنّ الأموي لا يترك شيئا للصدفة، بالرغم من أنه يعطي الانطباع بأنه مُرتجل إلى حدّ كبير. } لكنْ يعاب على الرّجل كوْنه شعبويّا يعزف على وَتَر الدّيماغوجية.. تعرفين، عندما نكون وحيدين في الحلبة، يصبح لفنّ مصارعة الثيران قوانينه الخاصة. فمن المتعذّر مصارعة الثيران في غياب المتفرجين. } شهدت سنة 1996 مفاجأة كبيرة: المصادقة على ميثاق الشَّرَف بين النقابات والباطرونا وادريس البصري، العدوّ اللذود. وكان الأموي قد أعطى موافقته ووقع بالأحرف الأولى على الميثاق.. من أقنعه بذلك؟ هل أقدم على ذلك عن قناعة تامة؟ هل تَوَلّد لديه إحساس بأنه يشارك في صنع شئ أكبر؟ كما قلت، وقّعت أهمّ المركزيات النقابية على الاتفاق يوم الأول من غشت 1996. وقد كانت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل النقابةَ الأكثر حضورا على الساحة السياسية. ويبدو أن الأموي فطن للأمْر وأراد أن يشارك نقابيّا ما كان اليوسفي يهيئ له سياسيّا. كما لا يجب أنْ ننسى أنّ فاتح يونيو 1996 كان قد عرف شنّ إضراب عامّ على المستوى الوطني. وبالنسبة لزعيم الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، فإنّ المصادقة على الاتفاق جاءتْ نتيجة تطوُّر طبيعي، وتتويج منطقي لسلسلة من الصراعات والنضالات، وكانتْ فرصة لفتح صفحة جديدة في العلاقات ما بين بين النقابات والحكومة. } كيف كان الأموي يتعامل مع حكومة التناوب؟ هل كان اليوسفي كوزير أوّل يرْضَخ لضغوطات الكونفدرالية الديمقراطية للشغل؟؟ لم يكنْ موقع الأموي مريحا، ويجب التذكير بأنه لم يتخذ موقفا من التناوب. } لم يقل «لا» ولمْ يقلْ «نعم». هذا يعني بعبارة أخرى:» تحمّلوا مسؤولياتكم». في بداية الأمر، أبدى اهتماما بالتجربة، ولكن بحذر كبير. وفي مرحلة ثانية، بدأ يتصرّف كنقابيّ . } هل معنى ذلك أنه كان مصدر تشْويش بالنسبة لليوسفي وللتناوب؟ لمْ يكن الأمر كذلك. كان الأموي يعتبر أنّ معدل حياة النقابة أطولُ من أية حكومة كيفما كان نوعها، لهذا كان ينبغي المحافظة على النقابة وممارسة المعارضة بشكل إيجابيّ، وذلك بهدف تحسين ظروف عيش العمال، أي جزء من القاعدة الاجتماعية للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. } هل قدّمتْ حكومة اليوسفي هدايا للنقابات وللعمال والعاملات؟ لقد أصبح الحوار أكثر انتظاما. وبهذا الشأن لا بدّ من الإشارة إلى فتح ملفات عويصة كالتغطية الصحية وقانون الشغل وتحسين الحد الأدنى للأجور. باختصار، لقد كانت هناك مبادرات، حتى ولو أنها كانت تبدو آنذاك غير كافية، والتي تعطي الانطباع أن حكومة التناوب ذات بعد اجتماعي. كما لا يجب أنْ ننسى أنه منذ نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات، وخلال المرحلة الاستعمارية، كان عبد الرحمان اليوسفي واحدا من أهم القيادييّن النقابييّن. } لم يكن الأمر كذلك، لأن الأموي ينتمي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. لا. لقد جاء ذلك نتيجة قناعات راسخة. ومع ذلك كان من الممكن أن نذهب بعيدا في المجال الاجتماعي. } بعد مغادرته المؤتمر، ويغادر أيضا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ويؤسس حزب المؤتمر الوطني. لم يعد الأموي كما كان، فقد دخل الأسد إلى عرينه، كما لو أن الشخصية السياسية لايعود لها وجود خارج الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. لقد ارتكب خطأ استراتيجيا، أو خطأ في التقدير الاستراتيجي، خطأ لم يقدّرْ نتائجه. فمغادرة حزب دون اختلاف حول الخطّ السياسي، أو خلاف عن الخيارات الكبرى، لا تساعد على إضفاء المشروعية بشكل مقنع على جميع المبادرات المتخذة بعد ذلك. وينطبقُ الأمر على كثير من المناضلين، وهذا ما يفسّر وجودنا أمام مشهد يظهر فيه اليسار مشتّتا، مما يضرّ بنضال اليسار في عمومه. بل الأنكى من هذا أنه كانتْ له عواقب وخيمة على الحركة النقابية. وفي سنة 2003 تأسست الفدرالية الديمقراطية للشغل على رأسها نقابي بارز هو الطيب منشد. } هل كانت الفيدرالية الديمقراطية للشغل تطمح إلى أن تحلّ محل الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، أو أنْ تمارس عَمَلا نقابيّا جديدا؟ تشكل الفيدرالية الديمقراطية للشغل قطيعة مع التجارب النقابية السابقة، أي نقابة من أهدافها وضع أسس ثقافية جديدة. ثقافة ديمقراطية ومسؤولة، ثقافة تعطي الأولوية للحوار، ثقافة تجعل من النقابة شريكا اجتماعيا له حقوق وعليه واجبات، دون أن ننسى أن الفيدرالية الديمقراطية نظمت ثلاثة مؤتمرات منذ 2003. } بخلاف الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، هذا ما تقول. لن أذكّرك بوضعية باقي المركزيات النقابية. } سأعود إلى سؤالي السابق الذي ما زال ينتظر جوابا. هل قُدّر للأموي، خارج الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أنْ يكون ظلَّ نفسه، لأنه لمْ يُوجد إلا عَبْرَ الحزب الاشتراكي؟. إن شعبية وسلطة وثقل حزْب كالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لا يمكن مقارنتها مع أية تنظيم سياسيّ كيفما كان توجّهه. إنّ الدور الذي يؤمن به الأموي اليوم هو وجود حركة نقابية احتجاجية تمارس التصحيح، وتتمم ما تحاول الأحزاب فعله، أو ما لم تفعله. } هل طَوَى الاتحاد الاشتراكي صفحة الأموي؟ كل الذين غادروا الحزب يطْوُون الصفحة من تلقاء ذواتهم. } تحاول الفيدرالية الديمقراطية للشغل أنْ تمارس عَمَلا نقابيا يقطع مع ما كان يعمل به سابقا. هل أنتَ من الذين يدعون إلى توضيح الحدّ الفاصل بين الخط السياسي والخط النقابي؟ هل تصبح السياسة في خطر كلما كانت النقابات مجرّد تابعة للأحزاب السياسية؟ يجب تجنب اللبس في هذا المجال. فالنقابة مطالبة بأن تكون مستقلة تماما في اتخاذ قراراتها. إن انتماء أعضاء النقابة، سواء كانوا أُطُرٌا أو مسيّرين، إلى هيئة سياسية هذا شيء، وتحمّل المسؤوليات النقابية شيء آخر. إنّ تجدّد دماء العمل النقابي المغربيّ رهين بحلّ هذه المعادلة.