منذ انطلاقة الانتفاضة السورية قبل ما يقارب الشهور الخمسة، حاول أبناء الشعب الفلسطيني هناك، النأي بأنفسهم عن تلك الأحداث، لاعتبارات عديدة أهمها النظر إلى ان ما يجري في سوريا على انه ليس سوى قضية داخلية لا يجوز التدخل فيها تحت أي عنوان، وهكذا فعلت القيادة الفلسطينية التي ارتأت ان من الأفضل عدم زج الطرف الفلسطيني في هذا الذي يجري في سوريا العزيزة، على اعتبار ان نظام أسد لن يتردد في استخدام كل ما يملك من قوة وبطش ضد المخيمات الفلسطينية، فيما لو كان لهذه القيادة موقف مؤيد بأي شكل من الأشكال للشعب السوري. من هنا التزمت القيادة بكافة «أشكالها وأطيافها» وليس فقط قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، سياسة «عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية»، هذا الشعار الذي تم رفعه منذ زمن طويل، وهذا ربما ما لم يرض الطرف الرسمي السوري في ما يتعلق ببعض التنظيمات الفلسطينية التي تحتضن العاصمة دمشق قياداتها، لا بل تردد ان هذه القيادات تعرضت للعتب واللوم على اتخاذها هذا الموقف، على اعتبار أن لسوريا حقا عليها وانها لا بد من أن تساند قيادة بشار أسد في قمعه لشعبه. التجربة الفلسطينية مع الأنظمة العربية بشكل عام، وفي مقدمتها نظام عائلة أسد، لم تكن مشرقة خلال الفترات التاريخية السابقة، حيث ما زالت الذاكرة الفلسطينية تختزن الكثير من التجارب السيئة والمحزنة والرهيبة، برغم ان هذه التجارب لا يمكن ان تعمم على شعوب تلك الأنظمة التي قدم أبناؤها الغالي والثمين في خدمة القضية الفلسطينية، كما لا تزال الذاكرة الفلسطينية تختزن بكل إكبار وإجلال واحترام، وقوف أبناءالشعوب العربية وخاصة في سوريا ولبنان والعراق والأردن وغيرها مع القضية، وتضحياتهم من اجل فلسطين. خلال اليومين الماضيين، تواترت الأنباء عن قيام عصابات النظام السوري بقصف مخيم الرمل الفلسطيني في اللاذقية، وتشريد الآلاف من أبناء المخيم الذين اضطروا إلى اللجوء عند قيام الكيان الصهيوني إلى تلك البقعة من ارض سوريا، ليستقروا هناك على أمل العودة إلى ديارهم، هذا الانتظار الذي طال أمده، والذي من الواضح انه لا إشارة في الأفق على ان تلك العودة قد تبدو قريبة. ما جرى في مخيم الرمل الفلسطيني، ليس غريبا على نظام كالنظام في سوريا، وهو ليس مفاجئا ولا باعثا على الصدمة، كما حاول البعض تصوير الأمر، خاصة وان لأبناء فلسطين تجربة مريرة مع نظام عائلة أسد، وقد تكون هي المصادفة المحضة التي تجعل من التاريخ يعيد نفسه في ذات الشهر وعلى يد ذات القوات وعلى يد ذات النظام وذات العائلة. ففي مثل هذه الأيام من غشت من العام 1976 وبعد أشهر طويلة من الحصار لمخيم تل الزعتر، أقدمت القوات السورية ومعها قوات اليمين المسيحي اللبناني بقيادة كميل شمعون وبيير الجميل على ارتكاب مجزرة بشعة لا تقل بشاعتها عن مجازر صبرا وشاتيلا، حيث سقط عشرات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني واللبناني ممن التجأوا إلى المخيم تحت سمع وبصر أمة العرب والعالم، وقد عبر اسحق رابين في حينه عن ابتهاجه العميق لما تقوم به قوات عائلة أسد من ذبح وتقتيل للفلسطينيين ورفاقهم من اللبنانيين. ان ما جرى في مخيم الرمل وما جرى قبله في مخيم اليرموك، ومحاولات الزج بفلسطينيي سوريا في هذا الذي يجري هناك، ومحالة استعمال أبناء فلسطين كأدوات للضغط على القيادة الفلسطينية، سواء تلك الموجودة في سوريا أو تلك الموجودة خارجها يجب ان يتوقف، خاصة وان الطرف الفلسطيني خبر النتائج التي يمكن ان تترتب على التدخل في أي شأن للدول العربية. كما لا بد من القول إن ادعاءات بثينة شعبان حول تورط بعض أبناء المخيم في الأحداث، يفتقر إلى المصداقية والإثباتات حيث درجت وسائل الإعلام السورية وكل المدافعين عن النظام بمثل هذه الادعاءات غير المثبتة، والتي تفتقر إلى الحد الأدنى من المصداقية، وهي ليست سوى محاولات لتبرير كل هذا القتل الذي يجري هناك. أما الذين أصيبوا بالصدمة او الذهول على هذا الذي جرى في مخيم الرمل، فنقول، ليس هنالك ما يدعو إلى الاستغراب ولا الدهشة، لأن من يقتل شعبه منذ شهور خمسة، ومن يستعمل الدبابات والغواصات والطائرات ضد أبناء شعبه، ليس غريبا عليه ان يقدم على قتل أي كان، وعليه فإن ما جرى ولا يزال في مخيم الرمل ليس بغريب على جيش عائلة أسد. إلا ان ما يقلقنا هو، إلى أين سيذهب هؤلاء الذين اضطروا إلى ترك بيوتهم وأحلامهم الصغيرة او الكبيرة، في رحلة من اللجوء جديدة؟.