قد يكون، ذلك طريقة مغربية في التحايل علي اليأس في البداية وفي النهاية. في يوم واحد، نزل خبران، الأول من بركان يقول بأن شخصا أحرق نفسه خطأ. كان من الممكن أن يموت خطأ بطريقة لم تعد في العالم العربي قضية خطأ أو طريقة خطأ، بل طريقة مفكرا فيها جيدا. وفي اليوم ذاته، وصل النبأ بأن سيدة بفاس أنجبت أمام باب المستشفى، فاس العاصمة العلمية ومحط العلم، التي ابتليت بأشياء كثيرة لا يقبلها إدريس الأول ولا الذين جاؤوا من بعده، من ملوك ومن علماء ومن تجار ومن مداحين وحفاظ وفنانين ومعماريين وسكاكين، وغيرهم من شعب الله الذي يطوف بين بوجلود وبين القرويين. وعندما يقع الذي لا يخطر على البال، ينشغل البال بما هو أخطر من الظاهر. كيف يعقل أن يحدث للمرة الثالثة في أقل من سنة ، أن تلد مغربية أمام المستشفيات، في البيضاء، وفي الجديدة وفي زايو، ولا تسلم مدينة كبيرة أو صغيرة من هذا. لم يعد مقبولا أن نولد على عجل، كما لو أن أمهاتنا ذاهبات إلى حتفهن، كما لو كن فجرا بلا بلاد ولا مقدمات في النسل وفي النسب. ليس من حق أحد أن يفرض على أبناء المغاربة أن يولدوا في الشوارع، ولا يمكن لأحد أن يمنع المغاربة من الغضب من هذا الوضع الذي لم يعد أحد يتصوره في قرن الطب الافتراضي!! في قرن توصل فيه الاطباء الأتراك، وهو خبر حديث للغاية، الى زراعة الرحم ، ما زلنا نزرع أبناءنا على الطرقات، بعد أن يغادروا أرحام أمهاتهم غير مأسوف عليهم!! ولا أعتقد بأن المسؤولين من هذه الطينة التي تستبيح الارحام في الشوارع، يمكنها أن تفكر في العلم من الارحام ( أو الغيب فيها ) وكل ما يهمهم هو التربع على كراسي المسؤولية بغير قليل من العجرفة واحتقار المغاربة. فقد كان علم الطب ممنوعا على أبناء الشعب، إلا من رحم ربك بقرارات عصبية ومتعصبة ، وها هو اليوم لا يصل الى المغاربة المرضى. فمن يصدق بأن الولادة في الشارع ، مجرد حدث عابر؟ من يصدق بأنه، بعد الحادثة الاولى تم تدارك الشيء ووضعت الأمور في منازلها لكي لا يتكرر ما حدث؟ لا شك أنهم سيجدون ممرضا بسيطا يعلقونه على حبل المشنقة، أو موظفا صغيرا في دواليب الصحة، يمكن أن يكون بدوره - زيادة في السوريالية- مصابا بداء الربو لكي يعلقوا على وزرته، وزر الوزارة والمتحكمين في الصحة العمومية محليا. الصحة العمومية، منذ زمن غير قليل في صلب الانشغال لدى المواطنين، سواء في مراقبة ثمن الزيارات الطبية والاثمنة التي يتلقاها الاطباء في مصحاتهم أو في عياداتهم، كيف أن الجميع يعرف أن التسعيرة ليست هي التسعيرة؟ كيف أن القانون في واد وصحة الناس في واد آخر، إلا من رحم ربك من أطباء يؤمنون حقا بكرامة المواطنين ويؤمنون حقا بأنه أكبر شيء وأغلاه ورثوه عن أبقراط. نحن أمام مصيبة حقيقية عندما تلد الأمهات (أو هادوك ما شي بنادم واقيلا ) في الطرقات. فليحاول كل الذين هم مسؤولون عن هذا الوضع الرهيب أن يجربوا ولادة أبنائهم في الطرقات وأمام أبواب المستشفيات، ليحاولوا أن يجعلوا من الصحة قضية صغيرة عندما يمرضون أو يمرض أهاليهم. هل يعقل أن بلادا تعيش هذا الغليان الاجتماعي وهذا الحراك المفتوح، لا تجد من يرأف بها لكي يقلل من دواعي الغضب والتأفف والاحتجاج، ويشحذ همته قليلا من أجل أن يوفر على بلاده المزيد من عناصر التأجيج الاجتماعي.؟ هل يعقل أن بلادا مثل بلادنا في هذا الظرف الدقيق تجد من يعتبر الزيادة في الطرقات ( كما الزيادة في الاسعار ) في شهر رمضان أمرا عاديا، ويكاد يكون لا شيء في حياة الناس، مع التداول الذي أصبحت تكتسيه قضية من هذا الشكل والقدر ة على التأثير على الرأي العام مثل هذه الصور التي تعم اليوم كل الشاشات، من اليوتوب الى القنوات الفضائية الخليجية؟ الفقراء لهم رأسمال واحد هو الصحة ، والتعليم هو طريقهم الوحيد لكي يكون لهم موقع في المجتمع، وكل ما هو حراك اليوم حول السياسة والدستور والاشكال الصالحة للحكامة والتدبير الناجع للدولة، هو من أجل أن تكون للناس الفرصة في تعليم جيد وفي صحة جيدة وفي شغل لائق، وسكن يحترم الحد الأدنى من الكرامة والعيش الكريم . والذين يزيدون الطين بلة اليوم هم من يريدون بالفعل أن يسقط كل شيء في مياه لا أحد يعرف أين تصب.