أدت الشائعات هذا الاسبوع حول خفض تصنيف فرنسا الائتماني الى تراجع خطير في البورصات الاوربية، خاصة ببورصة باريس حيث تضررت من هذا الانخفاض أكبر الابناك الفرنسية. هذه الازمة الطارئة تم الحد من خطورتها بعد أن كذبت الحكومة الفرنسية هذا الخبر حول خفض تصنيفها الائتماني الممتاز( أ أ أ )وهو نفس الشيء الذي قامت به وكالة فيتش للائتمان وهي إحدى الوكالات الثلاث العالمية التي تنقط وضعية الدول والشركات والمقاولات في العالم . خطورة الازمة التي مرت منها البورصة الفرنسية والاوربية وتداعياتها المحتملة على الاقتصاد الفرنسي والعالمي ، دفعت الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الى قطع عطلته والدخول بشكل عاجل الى القصر الرئاسي بباريس، حيث اجتمع مع الوزير الاول ألان جيبي والوزراء المعنيين بالقطاع الاقتصادي والمالي. كما تاثرت البورصة الاوربية أيضا بتراجع بورصة نيويورك هذا الاسبوع التي تعاني من الجدل حول فقدان واشنطن لتصنيفها الائتماني الممتاز، والذي يتيح لها الحصول على قروض بنسب فائدة مهمة. كما تميز هذا الاسبوع بظهور مخاوف جديدة حول الديون اليونانية بعد إعلانها تمديد الآجال في تسديد الدين ،وهو ما يشكل ثقلا اضافيا على دائنيها من القطاع الخاص. الابناك الفرنسية الكبرى التي تتواجد كمساهمك أساسي في الأبناك المغربية سواء الشركة العامة أو بانب باري با تعرضت لتراجع كبير في قيمة أسهمها ببورصة باريس قبل أن تعود للتوازن في آخر الاسبوع. وقد كلف رئيس الجمهورية الفرنسية وزير المالية فرنسوا بروان بإعداد العديد من الإجراءات التقشفية من أجل خفض مصاريف الدولة دون الرفع من قيمة الضرائب من خلال الحد من العديد من الامتيازات الضريبية التي يتمتع بها الافراد والمؤسسات . الديون المتراكمة على الدولة الفرنسية والتي وصلت الى 85 في المائة من الدخل الوطني الخام، والتي أصبحت تقترب من نسبة الديون المتراكمة على الحكومة الامريكية هي التي من شأنها أن تخفض من نسبة الثقة التي تتمتع بها فرنسا في سوق الاقتراض، بل إن الشائعات حول فقدان فرنسا لدرجتها الممتازة هي التي أدت الى التراجع الخطير في البورصة الفرنسية والاوربية .هذا القرار بالإضافة الى الاعلان عن اجتماع عاجل الاسبوع المقبل بين الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والمستشارة الالمانية انجيلا ميركل لتدارس هذه الازمة، أدى الى انتعاش في البورصات الاوربية في آخر هذا الاسبوع. لكن في نفس الوقت هناك انتظارات كبيرة حول هذا اللقاء وحول القرارات التي سوف يتخذها البلدان، وهي قرارات لها تأثير على باقي البلدان الاوربية، خاصة تدخلات البنك المركزي الاوربي. وفي انتظار ذلك تكثفت التصريحات السياسية التي تدعو الى الاطمئنان، بل إن البنك المركزي الاوربي تدخل في السوق وقام بشراء سندان الديون السيادية لكل من اسبانيا وايطاليا وهي سابقة في تاريخ الاتحاد المالي الاوربي، وهو ما أزال المخاوف حول الديون الاسبانية والايطالية وجعل البورصة الاوربية تنتعش من جديد. أما في الولاياتالمتحدةالامريكية بعد وصول الجمهوريين والديموقراطيين الى اتفاق حول الديون، بدأت التهم تتبادل بين الطرفين حول لمن تعود المسؤولية في فقدان واشنطن لتنقيطها الممتاز لدى وكالات التنقيط. الأزمة المالية التي تعيشها أوربا وفرنسا اصبحت تشبه الحلقة المفرغة، وكالات الائتمان تطالب بالحد من ديون الدول والمصاريف الاجتماعية، وهي قرارت تؤثر بشكل سلبي على نمو الاقتصاد بفعل غياب الاستثمارات العمومية مما يجعل الحل مستحيلا لأنه بدون استثمارات للدولة لا يمكن للاقتصاد ان ينطلق من جديد ، مما جعل عددا من الاصوات تطالب بحذف دور وكالات الائتمان بل هناك عدد من الأصوات بأوربا طالبت بإنشاء وكالة ائتمان اوربية، لكن التساؤلات المطروحةهي: هل وكالة تابعة لدول يمكنها أن تكون مستقلة وموضوعية في تنقيط الدول ووضعيتها الاقتصادية؟. وهناك أيضا من الاقتصاديين والسياسيين من يطالب بفرض ضرائب على المضاربين في البورصة وإرساء قواعد اكثر داخل البورصة والمضاربات المالية ،وإعطاء دور أكبر لدولة من أجل التحكم في الابناك وإطلاق ابناك عمومية وإنجاز الاستثمارات الكبرى.. لكن هل قادة بلدان مجموعة 8 قادرون على مواجهة ضغوط اللوبيات المالية والابناك التي أدت مضارباتها الى أزمات متتالية منذ 2008،بل إن الازمات التي تتسبب فيها أبناك المضاربات المالية تكون الدول مجبرة على اصلاحها وإنقاذ الاقتصاد ، هذه الابناك تتصرف كالطفل الصغير حال ما تنسى المشكلة الاولى تقوم بمشكلة ثانية لعدم وجود سلطة على هذه الابناك، بل إن هذه اللوبيات لها سلطة على السياسيين ،و حتى الان لا يوجد مؤشر للتحول في هذه السلوكات ،لتطل علينا الازمات المالية من حين للآخر والتي يمكنها في أي وقت ان تعصف بالاقتصاد الاوربي والعالمي . لكن قرار البنك المركزي الاوربي شراء السندات الاسبانية و الايطالية لأول مرة في تاريخ الاتحاد المالي الاوربي كان سابقة جد إيجابية، والتي تعطي ثقة في العملة الاوربية ومنطقتها، فهل دخلت اوربا الى وحدة مالية حقيقية؟ وهو السؤال الذي ستجيب عنه القمة الفرنسية الالمانية الاسبوع المقبل .