يلقبه البعض بالمناضل والنقابي الذي لا يكل ولا يتعب في الدفاع عن قضايا اللاعبين المغاربة.. تابعه الجميع وهو ينتفض مؤخرا، عبر جمعيته التي يترأسها والخاصة بالدفاع عن لاعبي كرة القدم الوطنية، كيف احتضن بقوة ملف لاعبي فريق المغرب التطواني, وشباب المحمدية، وقبلهم العديد من اللاعبين الذين وجدوا في جمعيته ملاذهم وسندهم لاسترجاع حقوقهم. إنه مصطفى الحداوي اللاعب الذي أبدع في مختلف الملاعب المغربية والافريقية والعالمية، تحت ألوان فريقه الأصلي الرجاء, والمنتخب الوطني وكذا ألوان أندية أوربية كانت قنطرته التي قفز بفضلها من شخص بسيط اجتماعيا، لرجل أعمال حاليا ناجح جدا.. في درب الشرفاء بمدينة الدارالبيضاء، الذي انتقلت إليه الأسرة من درب السبليون، سنة واحدة بعد ميلاده في 28 يوليوز 1961، نشأ مصطفى الحداوي وفتح عينيه على عالم يعج بالحركية.. الجميع يركض خلف لقمة العيش في بيئة حياتية بسيطة للغاية.. في منزل الأسرة التي كانت تكتريه بالزنقة رقم 59، كان مصطفى يتقاسم غرفة ضيقة جدا مع إخوته السبعة: أحمد ، عبدالواحد, عبدالرزاق، المرحوم نورالدين، حسن , أمينة وعائشة, يرعاهم والد حمل بندقيته لسنوات طويلة كجندي شارك في عدة حروب أشهرها حرب لاندوشين، كما حمل إعاقة على مستوى رجله ظلت دوما تذكره بكل تلك المخاطر التي واجهها وهو عسكري، كما ظلت تذكره وتشعره بتلك الحسرة المؤلمة على تضييع سنوات طويلة في الجندية التي خرج منها بإصابة فقط دون أي تعويض ودون أي تقاعد. في ذلك الوضع المعيشي الصعب، كان للأم أن تلعب دورا استثنائيا في مساعدة الأب على توفير مدخول للتكلف بالأفواه الثمانية في البيت.. خرجت للسوق تتاجر في الملابس المستعملة وفي مختلف المواد التي تستعملها عادة النساء.. بالكاد كانت الأسرة توفر مدخولا يوميا تغطي بواسطته ولو نسبيا مصاريف البيت. في تلك الظروف، ترعرع مصطفى وهو يحمل في دواخله عشقا استثنائيا لرياضة كرة القدم، لم يكن همه سوى ملامستها وتعلم مبادئها وتطوير إمكانياته ومؤهلاته حتى يحظى بشرف الانتماء لأحد قطبي كرة القدم البيضاوية الرجاء أو الوداد، خاصة الرجاء الفريق المعبود في محيط الحي الذي كان يقطنه. لفت مصطفى كل الأنظار إليه وهو لايزال صبيا يتقن التحاور مع كرة القدم، ذاع صيته، وأضحى في ظرف وجيز مرغوبا في خدماته من طرف كل فرق الأحياء.. وعندما ولج البيت الأخضر، وحمل لون الرجاء في فئة الصغار، عرف أن الطريق لبناء المسار الكروي الذي ظل يحلم به، سيبدأ من هناك.لم يكن يرى, كما يوضح على لسانه، من وراء الانتساب للرجاء وممارسة لعبة الكرة، سوى تحقيق أمنيته في توطيد علاقته بكرة القدم، ولعبها على مستوى أفضل، دون أن يكون لديه أي مطمح في تحسين وضعه الاجتماعي بواسطة الكرة.. كان الحداوي، شأنه شأن معظم اللاعبين الموهوبين من جيله، لا يرى في ممارسة الكرة سوى ممارسة هواية فطرية لديه، لم يكن يعلم حينها أن كرة القدم ستتحول مع استمراريته وتألقه في الميادين، إلى بوابة ستفتح له الطريق نحو حياة أفضل وعيش أكرم. صحيح أنه شعر بسعادة لا توصف وهو يتسلم مبلغ 35 درهما كأول منحة يتقاضاها وهو لاعب يفوز رفقة صغار الرجاء ببطولة المغرب حين حققوا الفوز على صغار اتحاد طنجة بهدفين مقابل صفر, سجل منهما مصطفى الهدف الثاني, لكنه مع ذلك, كان يدرك أن كرة القدم لا يمكن أن تمنح لممارسها فرصة تحقيق الأحلام وتغيير نمط الحياة.. كان مخطئا في تقديره بكل تأكيد، فعوالم الكرة التي نقش في جدرانها اسمه لفترات طويلة جدا، ستمنحه ما لم يكن ينتظره على الإطلاق.. أولى العلامات ستظهر بعدما سيتوصل بأول راتب شهري له في فريق الرجاء ولم تكن قيمته تتجاوز حينها مبلغ 1800 درهم, هو نفس الراتب الذي سيغير الكثير من نمط حياته, خصوصا بعد ارتفاع قيمته بالأضعاف بعدما سينجح في توقيع أول عقوده الاحترافية بسويسرا مع نادي لوزان الذي حمل ألوانه لغاية سنة 1987، وبعدها عندما حط الرحال في فرنسا مع نادي سانت إتيان الذي تركه سنة 1988 ولكنه لم يغير الأجواء الفرنسية إذ لعب لنادي نيس موسمين وبعدها انتقل إلى نادي لانس وتركه سنة 1993 لينتقل إلى نادي أنجيه ,وفي موسم 1995/1996 لعب لنادي جيان وبقي معه موسما واحد، ليختم بعدها تجربته الاحترافية بنادي سلطنة عمان رفقة زميله عبدالسلام لغريسي وكان ذلك في سنة 1999. وبين هذا وذاك، برز الحداوي في صفوف المنتخب الوطني الذي شهد معه أزهى فترات التألق, خصوصا سنة 1986 بمناسبة المشاركة في مونديال مكسيكو. يعيش مصطفى الحداوي حاليا في حي بوركون، أحد أرقى الأحياء بمدينة الدارالبيضاْء, يعيس حياة سعيدة وهانئة رفقة زوجته آمال الرياضية السابقة التي تدير معه شركتهما الخاصة بتنظيم الأنشطة الرياضية, يرعيان أبنائهما نسيم (23 سنة) لاعب المنتخب الوطني للكرة الشاطئية، أنس (21 سنة) لاعب أمل الرجاء البيضاوي، سامي (13 سنة) وأمير (11 سنة). وغير بعيد عن شقته، اقتنى للوالدة شقة ممتازة حتى تظل ، كما يقول، قريبة منه وليتمكن من زيارتها في كل وقت وحين. مصطفى الحداوي عشق كرة القدم، منحها وقته وحياته، فبادلته العطاء بالمثل.. بفضل الكرة، يعيش مصطفى حاليا وضعا يليق بشخص من أعيان المجتمع.