« فين غاديين آلخوت.. حي اشماعو الأمل دوار الجزارة ...». هكذا كان يخاطب سائق سيارة مرسديس 207 مجموعة من الأشخاص كانوا ينتظرون الحافلة في موقفها قرب قواس قنيطرة بسلا في تمام السّاعة الثامنة مساءً عندما هبّ عليهم «الخطاف» إلى طريق القنيطرة فجأة، الطريق الرّئيسي المؤدِّي إلى الأحياء التي جاءت على لسانه، بحيث لم يكن سِوى أن توجّه إلى السيارة المركونة جانبا ، بعض المنتظرين لوسيلة النّقل و الذين كان باديا عليهم التّعب، في حين بقي آخرون منهم ، من بينهم فتاة في مقتبل العمر ، ينتظرون الحافلة أو سيارة الأجرة . ثمن النّقل مع «الخطاف» صاحب المرسديس كان هو 5 دراهم للرّاكب ، أي أكثر من تكلفة امتطاء سيارة الأجرة الكبيرة أو الحافلة اللتين لا تتعدّى تسعيرة التوصيلة فيهما 4 دراهم ، في حينه سيفتح سائق المرسديس باب سيارته الخلفية وسيضع صندوقا فارغا للسمك أمامه من أجل تسهيل صعود الزبائن للعربة ، الجلوس داخل ال207 كان على طاولات خشبية مُسطحة ، فلا كراسٍ ، و لا أحد يجلس في كرسيه مستقل عن أحد ، الكلّ ممن داخل السيّارة تتلاصق جوانب أجسادهم اليمنى و اليسرى مع الأخرى للآخرين ، وسط ازدحام مُقلق و مُمل ... ، « كحاز آخاي ، حيْد يديك بلاتي رجليك ... » إنّها عبارات تتناهى إلى مسامع كل من اعتمد بعض سيارات الخطافة الّتي لا يتوفر فيها الحد الأدنى من الأمان أثناء النّقل جرّاء اكتظاظها عن آخرها في كلّ مرة قبل الإنطلاق ! و التي لا تكون دائما سوى سيارات كبيرات الحجم ، و بالمُقابل وجدنا شخصا اتّضح أنّه يعمل مع السّائق المذكور، يركب وراءً في السيارة مع الرّكّاب والّذي فُهم أنه يتكفّل باستلام 5 الدراهم من كلّ راكب قبل صُعوده إلى السيارة، و كذا تنظيم عملية الجلوس داخلها ، بحيث بدا أنّه إلى حين إغلاق الباب الخلفي و تحرك العجلات مصَمِّم على أن يسهر ما أمكن على امتلاء السيارة بالركاب أكثر ما يمكن قبل تحرّكها .ولعله نفس الأمر الموجود وبنفس تفاصيله بالمناطق الأخرى للمدينة و المتمثِّل في انتشار و تغلغل نقل « الخطّافة »، و في ظروف مُستهجنة و مُهينة للنقل و إن كان ذلك بأشكال و وسائل مُتعدِّدة . هناك بين حي مولاي اسماعيل و قرية ولاد موسى و سلاالجديدة ، كما بين شاطئ سلا ، في الصيف الحالي ، و حي سيدي موسى ، حركة دؤوبة للعشرات من مستخدمي الدراجات ثلاثية العجلات التي بدأت تتكاثر بشكل كبير خاصة منها المخصصة من طرف أصحابها لنقل النّاس ، و التي يعتمدونها لنقل الناس عوض أن يختاروا سيارة الأجرة الصغيرة أو الحافلة ، وذلك لتوفير بعض الدراهم في اليوم الواحد ، تقول (سميرة .ق 44 سنة) قاطنة بحي مولاي اسماعيل : أنا إيلا بغيت نمشي للقرية اللي خدامة فيها بالطاكسي صغير غانْصدق ، خصوصا وأنا يوميا تانمشي للقرية، فوحاد 7000 ريال فشهر، اللّهم هاد لمِّيطير تانمشي فيه ...» ! عبارات من راكبة بشكل اعتيادي لهذه الدراجات الثلاثية التي لا تحتوي شيئاً من شروط الأمان و السّلامة الطرقية ، تُعبِّر عن الحاجة إلى مثل هذه الوسائل الرخيصة للنقل بسبب الفقر الذي يساهم بشكل أو بآخر في بروز ظاهرة نقل البشر بهذه الدراجات الثلاثية التي تتوقّف في مجال المناطق المشار إليها ، و بالتّحديد بمواقف الحافلات باعتبارها كمواقع عاجّة بالزبائن ، بحيث يعرض أصحابها على الزبناء خدمة النقل إلى وجهات محددة بالمدينة ، فهناك من يقبل، و لعلهم كُثر، و لاسيما عندما يعلمون أن تسعيرة النقل بواسطة الدراجة الثلاثية لا تتجاوز الدرهمين . كما أن الكثيرين يقبلون الرّكوب مع «الخطافة» هنا و بمدن أخرى لماذا لا ، وكذا مع «خطافة» السيارات الصّغيرة التي يمكن القول إنهم يوفرون للركاب الجلوس الطبيعي و العادي بدون ازدحام ، و هذا النوع من «الخطافة» تنامى بكثرة بسلا في الأيام الأخيرة ! فإضافة إلى الخطافة المُعتمدين ل «السيارات الكبيرات الحجم» و خطّافة «الدراجات ثلاثية العجلات» ، بات أمرا مألوفا و خصوصا مع تعمّق أزمة النقل بسلا التي لا يجب التغاضي عنها، أن يقف خطافة « السيارات الصّغيرة» بعرباتهم في مواقف الحافلات أو سيارات الأجرة للمناداة على الزبائن من أجل الصعود معهم وذلك تفاديا للانتظار الطويل و مجيء الحافلة أو الطاكسي، و بنفس التّسعيرة التي يؤدونها فيهما ، و هو الأمر الذي يتسبب في مشاكل مباشرة بالنسبة لسائقي سيارات الأجرة الكبيرة و الصغيرة الّذين يؤدون واجبات مالية سنوية من أجل السماح بنقل الناس ، عكس من هو غير متبوع بأداء ضريبة ما عن خدمة النقل ... إن ظاهرة نقل سيارات و دراجات «الخطّافة» بمدينة سلا ، إلى جانب ظواهر أخرى، تؤشر على مدى تجذر العديد من مظاهر التخلف ، كما أنها صورة تعكس تدبيراً عليلا للنقل الطّرقي بداخل مدينة سلا ، نقل يعاني غياب التنظيم و تطبيق القانون معاً.. وتبقى مواجهة هذه الظاهرة أمرا ليس بالهين.. مواجهة يجب أن تكون بنظرة شمولية و طريقة جذرية، و تعامل بنيوي و ملتزم بالمنطق القاضي بالإنطلاق من خصوصية خريطة النقل الطرقي المحلية و من باقي القطاعات المحلية بالمدينة في فهم مسببات المشكل لإيجاد مخرج مما تعيشه طرق سلا .