ظاهرة جرائم الأحداث بالمغرب، وإن كان البعض يعتبرها أمرا عاديا بالمقارنة مع باقي الدول، إلا أنها تبقى ظاهرة جديرة بالمتابعة خاصة مع حجم الجرائم المسجلة خلال سنة واحدة فقط بمدينة الدارالبيضاء، والتي قارب عددها الألف حالة عرضت على أنظار محاكم البيضاء وصدرت أحكام قضائية في شأنها. هذه الجنح والجرائم، التي يتابع بها هؤلاء الأطفال الذين تتخذ في حقهم التدابير الوقائية، يمكن تصنيفهما كالتالي: السرقة العادية، السرقة الموصوفة، الضرب والجرح، العنف ضد الأصول، التشرد، تعاطي الدعارة والاتجار في المخدرات. أصدرت غرفة الجنايات بالجديدة حكمها القاضي بمؤاخذة المتهم (الطفل) من أجل المنسوب إليه والحكم بتوبيخه وتسليمه لوليه القانوني وتحميل هذا الأخير الصائر مجبرا في الأدنى. والحكم عليه في شخص وليه القانوني بأدائه للمطالب بالحق المدني تعويضا مدنيا قدره ستون ألف درهم (60.000 درهم) مع الصائر والإجبار في الأدنى. والمنسوب للمتهم الحدث هنا ، هو جريمة إحداث عاهة مستديمة لصديقه، بعد أن فقأ عينه بقلم حبر جاف. فمن خلال مجريات الملف صرح الضحية أن صديقه حمزة وضع القلم بفوهة مسدس فرماه بالقلم مباشرة في عينه من دون سبب. علا صراخ الطفل بعد إصابته البليغة ولم تدر الأم ماذا حدث ، فالدم ينزف من عين ابنها والصراخ أفقدها تركيزها. نقل الطفل إلى المصحة وكانت المفاجأة أنه جرح عميق في العين لن يعاود الطفل النظر بها. سجلت شكاية في الموضوع لدى مصالح الأمن والتي أحالت الملف إلى ابتدائية سيدي بنور، والتي قضت بعدم الاختصاص لتحال القضية على النيابة العامة في محكمة الاستئناف بالجديدة. أنكر المتهم / الحدث مرة أخرى أن يكون قد ضرب الضحية ونفى أمام قاضي التحقيق المنسوب إليه، مصرحا فقط أنه يعرف الضحية عثمان حيث يلعب معه في بعض الأحيان وأن ما يدعيه لا أساس له من الصحة، وأنه لم يضربه ولم يشاهد أي شخص يضربه، مؤكدا ما جاء في تصريحاته أمام الشرطة والتي كان قد نفى فيها جملة وتفصيلا ارتكابه للجرم. الشاهدان الحدثان اللذان قيل بأنهما عاينا الاعتداء لم يستطيعا إثباث أو نفي الجرم عن الفاعل، فقد أكد الأول أن حمزة وأثناء لعبه معهما أدخل القلم في عين الطفل عثمان. في حين أكد الثاني أنه لم يحضر النزاع بين الحدثين وقد شاهد فقط مجموعة من النساء متجمعات حول الطفل وإحداهن تصرخ بأن الطفل ضرب غيره، لكن الطفل ياسين والذي كان شاهدا على ماحدث أكد أن حمزة وضع قلما بفوهة المسدس ووجهه الى العين اليسرى لعثمان، محدثا له جرحا وقد تم الاعتداء عليه بمنزل المتهم. خبرة الطبيب خلصت الى اصابة الضحية في عينه اليسرى إصابة أفقدتها وظيفتها البصرية واقتصرت على تلقي الضوء. هكذا يتسبب اللعب الطفولي مرة أخرى في حرمان طفل من نعمة النظر، القاضي راعى الظروف المحيطة بالقضية وقضى بأقصى ظروف التخفيف. جريمة اليوم والتي يغيب عنها القصد الجنائي، من بين مجموعة من الجرائم الطفولية التي يراعي القاضي عند النطق بالحكم الظروف العامة المحيطة بها، فالأمر لايتعلق بجنوح، بل بلعب وسلوكات غير محسوبة العواقب ينتج عنها عمل إجرامي بنكهة طفولية يغير مسار حياة بأكملها. إذا كانت هذه القضية تتعلق بجريمة نتيجة لعب طفولي، فإن حكايات أخرى كثيرة لأطفال نزعت عنهم البراءة وتحولوا إلى مجرمين. منهم من دخل عالم الإجرام وهو في كامل وعيه وآخرون أرادوا إثباث رجولتهم، وهو حال مجموعة من القاصرين الذين وجدوا أنفسهم يعيشون طفولة استثنائية. ففي الكثير من الحالات يقع هؤلاء القاصرون ضحية وسطهم الإجتماعي، وفي حالات أخرى ضحية شبكات تستغل براءتهم لجني أرباح طائلة باستخدامهم في الدعارة أو تجارة المخدرات.