المتتبع لملف التخييم يعرف طرق المعالجة التي دبر بها، والتي ظلت تفضل الحلول الفورية التي لم تساهم إلا في إعادة إنتاج الصعوبات وتزايدها، لأنها لا تنصب على الأسباب الفعلية ولا تعتمد في نهاية المطاف على رؤى بعيدة المدى. وبالرغم من الوقفات التأملية التي عرفها قطاع التخييم منذ 1963 تاريخ انعقاد المناظرة الوطنية الأولى للتخييم وما واكبها من مناظرات أخرى سنوات 1973 و1978 و1982 و1987، فإن الأمل ظل معقودا على خلاصة المنتدى الوطني للتخييم الذي أسفر عن ميلاد الإستراتيجية الوطنية للتخييم التي لم يكتب لها الخروج إلى حيز التنفيذ لتفتح سيلا من الأسئلة حول هذه الإعاقة المنهجية. - هل هناك بالفعل اهتمام من طرف الوزارة الوصية بضرورة الانخراط في مسلسل إصلاحي لهذه المنظومة التخييمية بما تقتضيه الحاجة التربوية المجتمعية خارج خطاب العناوين والمزايدات السياسية المبنية على البدء من الصفر والقفز على التراكمات الإيجابية؟... - هل سلسلة الحوارات الوطنية وما تمخض عنها من إجماع بين مكونات الحقل التربوي المدني والحكومي حول مقرراتها أصبحت لا تلزم أحدا؟ - لماذا تم إقبار الوثيقة الوطنية المتضمنة للإستراتيجية الوطنية للتخييم؟ يمكن رصد إصلاح منظومة التخييم ببلادنا ومحاولة قياسها بما يعرفه الحقل التربوي من تحولات وتجاذبات بين تكريس أدوار ووظائف مؤسسات التخييم وعلاقتها بالمؤسسات الأخرى المهتمة بالتنشئة الاجتماعية، الأسرة والمدرسة وربطهما بالطلب التربوي الآني، في ظل ما يعرفه المجتمع من تحولات ديمقراطية وتنموية تتأسس على تكريس حقوق الأطفال والشباب وتمتيعهم بكافة الضمانات التي تمنحهم الحق في التربية والترفيه. إن استحضار الواقع الحالي لما آلت إليه أوضاع المخيمات التربوية ببلادنا لا يدع مجالا للشك أن إصلاح منظومة التخييم لم تعرف العناية المطلوبة التي ترفع من وضعها ومقامها التربوي خارج المناولة الروتينية التي تختزل هذا النشاط في مرحلة التوزيع وتوقيع الاتفاقيات في غياب النقاش عن المضامين والمناهج والمشاريع التربوية والضمانات المصاحبة لتهييء ظروف الاستقبال، وتجهيز الفضاءات وتعميمها وتوفير ظروف السلامة والصحة والتأطير والنقل والتنسيق بين الشركاء والفاعلين المتدخلين في العملية التخييمية. من المؤسف أن تظل هذه الوضعية جاثمة على صدر هذا القطاع وأن يتم هدر الميزانيات والوقت والجهد من أجل إنجاز إستراتيجية وطنية للتخييم ولا يتم إخضاعها لمرحلة التجريب والاختبار، بل تم الاكتفاء بتبني موقف لامبال تمثل في التعامل معها بنوع من التعالي المفرط وتواطؤ الجميع بمن فيهم من ساهموا في إعدادها. وبالمقابل نجد أن الوزارة الوصية ومعها جمعيات مهتمة بالتخييم، مازالت تكرس كل الأساليب والطرق التقليدية النمطية في تدبير هذا النشاط الحيوي، في حين كان من الأفيد اعتبار الأركان الإستراتيجية الخمسة مدخلا أساسيا لإعادة النقاش والمرافعة على مسار التغيير الذي يجب أن ينخرط فيه الجميع للنهوض بأحوال المخيمات ببلادنا، لم تفتح هذه المبادرة أبواب النقاش حول منظومتها التربوية للحوار بشأن الشروع في برنامج إصلاحي يعبئ من حوله إلى جانب القطاعات الحكومية المعنية الجمعيات والمنظمات التربوية التي بالمناسبة يجب أن تحدد مواقفها وتوجهاتها في إعادة الاعتبار للأدوار التربوية للمخيمات، وأن تفرد جانبا من اهتمامها للقضايا التربوية والبيداغوجية للخروج من الفقر البيداغوجي الذي يعاني منه هذا الجانب الذي لم يكرس سوى واقع تتجدد فصوله كلما حان وقت التخييم، وكأن العملية التخييمية كلها تختزل في المقاعد والمواقع والمراحل. أما الجانب التربوي فيظل يتيما لا أحد يتكلم عنه، ويظل الحديث عنه مغيبا وبعيدا عن الاجتهاد والابتكار، مما لا يساعد الأطفال على اكتساب تجارب جديدة في الحياة والتمرس على القيم وتمثلها ودعم ما تقوم به الأسرة والمدرسة من جهة وإغناء رصيدنا التربوي بما يفتح الأفق على قياس التجارب التربوية وتراكمها؛ وبالتالي تقوية منظومتنا التربوية بما يعزز مكانة وأدوار المخيم التربوية من جهة أخرى. إن التناقضات الغريبة في ما يصرح به من سياسات وما يقام فعلا على أرض الواقع يكذب كل المزاعم التي جعلت من ميدان التخييم واجهة إعلامية تروج فيها الوزارة ما تشاء وتستخف بذكاء المغاربة. إن القراءة البسيطة لواقع الحال تعطينا مشهدا من الاختلالات التي لا تكرس إلا أوجه تراجع هذا القطاع، فبقدر ما أن الحكومة بذلت مجهودا لترسيخ برنامج عطلة للجميع في ميزانية الدولة ورفعت من هذه الميزانية في ظرف وجيز إلى الضعفين، نجد أن الفضاءات لم تعرف زيادة في العدد وأن مناطق كانت الإستراتيجية للتخييم تراهن عليها لضمان توازن بين الأقاليم والجهات بشكل عادل باعتبار أن التخييم للجميع وليس لمناطق بعينها، كما أن جانب التجهيزات لم يحظ بدوره بالعناية المطلوبة. وهنا نقصد أيضا التجهيزات وكذلك المضامين التربوية التي ظلت بدون تجديد ومواكبة لكل المستجدات المرتبطة بعالم التربية والتكوين. الكل يترقب الإصلاح... ويبدو من المناسب وضع المخيم في السياق المجتمعي الحالي، وتحديد نطاقه ووضعه في بيئته المحلية، دون إغفال السياق والتحولات الاجتماعية التي يعرفها المجتمع، والتي تعيد طرح التساؤل من جديد عن وظيفة هذه الفضاءات وعلاقتها بتنشئة الأطفال والشباب، خصوصا وأن مشروع الدستور الحالي للبلاد أفرد حيزا مهما لحقوق الأطفال والشباب في مجال التربية والترفيه والمشاركة... فمتى سنعيد النظر في هذه العقلية المتسلطة على شؤون الطفولة والشباب وتوجيهها الوجهة الصحيحة لما فيه مصلحة الوطن؟....