«ليباركك الله» بهذه العبارة النبوية، المكتوبة بالعربية والانجليزية في مقدمة طائرة إيرباص A320 التابعة للخطوط الجوية السعودية، بدأت هذا التحقيق في العربية السعودية، لكن هذه المغامرة بدأت في الواقع قبل مطار رواسي، بدأت مع ضرورة الحصول على تأشيرة مختومة على جواز سفري الخالي من أي ختم إسرائيلي، كنت أتمنى الحصول على التأشيرة قبل 4 أشهر في باريس بمكاتب السفارة السعودية، ومع توالي المواعيد، كنت في كل مرة أتلقى الوعود بالحصول على تلك التأشيرة التي تسمح لي في يوم ما، بدخول هذه المملكة التي لا تمنح تأشيرات للسياح، بل تمنح فقط تأشيرات مهنية للأجانب. وفي يوم السبت الذي سبق الذهاب إلى الرياض، أخبرتني السفارة بأنه بإمكاني السفر الأسبوع الموالي. توجهت إلى حي بيلفيل مصحوبة بصديقتي المسلمة خيرة، اشتريت عباءتين من نفس الثوب حتى لا يظهر أي جزء من جسدي وحتى لا أثير نظرات الرجال. واحتراما لضوابط البلد، كان لابد أن أتوفر على بذلتين إسلاميتين على الأقل، وحتى في الفاتيكان قبل ذلك، وحتى لا أثير الانتباه، كنت أرتدي الأسود مثل الراهبات وأنتعل مثلهن أحذية دركية، ولكن في هذه المرة لم أكن أتقن كما يجب تقنية تثبيت الحجاب الذي يغطي الرأس، ووضع المساحيق المناسبة على الوجه وخاصة العينين. وهكذا، وبمجرد الصعود إلى الطائرة لبست البذلة المناسبة، وبما أنني سمراء، فقد اندمجت بسرعة في الديكور. قواعد الوهابية الصارمة في تفسيرها للإسلام، تطبق منذ الإقلاع. هذا النظام المبني على توازن رفيع بين العائلة المالكة وطبقة رجال الدين، يمنع على النساء السفر دون تلك الورقة الصفراء للخروج، والمحرم، أي المرافق الذي يكون الأب أو الأخ أو العم أو الخال عندما تكون المرأة غير متزوجة. يستحيل إعطاء موعد لرجل في مقهى أو أخطر من ذلك في البيت. صحيح بإمكان المرأة إرسال رسائل الكترونية قصيرة خلسة والارتباط بالشبكة الاجتماعية بفضل الهاتف المحمول، لكن شرطة الأداب «المطاوعة» الشهيرة، أو الشرطة الدينية حاضرة في كل مكان... لا يمكن تصور قيادة السيارة أو ركوب دراجة. وسواء في المطاعم أو في الإدارات أو الأماكن العامة، هناك دائما مجالان منفصلان، واحد للرجال وآخر للنساء وللعائلات، هذه المعلومات المهمة وضعتني بسرعة في الجو العام وذكرتني بأن الملك عبد الله (88 سنة) الجالس على العرش منذ 2005 هو خادم الحرمين الشريفين في مكةوالمدينة، وهكذا يحكم أكبر بلد محافظ في العالم الاسلامي، تأسس سنة 1744 من طرف عائلة آل سعود التي لا تعترف بالمساواة بين الجنسين، والذي لم ترتسم ملامحه الحالية التي رسمها الملك عبد العزيز، إلا منذ 1932. وبهذه المعطيات الأساسية وكلمتين عربيتين «حلال» و«حرام» بإمكاني أن أطأ أرض النبي بسكانها البالغ عددهم 25 مليون ونصف نسمة، 83% منهم تقل أعمارهم عن 30 سنة. بعد رحلة دامت 6 ساعات تسلمت حقيبتي صحبة المصورة إزابيل إشراغي، كنا نتحاشى الفضاءات المخصصة للصلاة، والتحقنا بالفضاء المخصص للعائلات ننتظر السيارة التي ستنقلنا إلى الفندق، بعد نصف ساعة وصلنا إلى وسط مدينة الرياض بفندق نوفوتيل العانود في شارع الملك فهد. المحدد الوحيد أمامي هو برج المملكة الشهير المضاء ليلا، تعتقد أنك في طريق سيار، لأن المدينة التي تمتد على 80 كلم مخترقة بست طرق هائلة في كل اتجاه. كل شيء ضخم: أحس بأنني مثل حبة صغيرة في طبق من الكسكس. بمجرد وصولي، دخلت غرفتي بتجهيزاتها العملية حيث بدأت أرتب لائحة اتصالاتي. الخبر السار الأول، كنت مدعوة في اليوم الموالي إلى عشاء عند (م. أ. أ) ناشطة نسائية مصورة وطبيبة نفسانية ترفض الكشف عن هويتها علانية، والتي كدت ألا أصل إلى منزلها. وبما أن النساء لا يقدن السيارة، فإن إشارتهن للوصول إلى مكان ما تقريبية، فالأزقة لا تحمل لا أرقاما ولا أسماء ، ومن الصعب تحديد الوجهة ليلا. فالعلامات التجارية الضوئية في كل مكان: رولكس، باتيك فيليب، هارفي وكودي، مطاعم للأكلات السريعة، بورغركينغ، بيبسي كولا، ريدبول... ولكنني وصلت. مضيفتي تستقبل في شقتها الجميلة عشر نساء ينشطن في مجالات التربية والجمعيات والمعلوميات والتدريس.. لباسهن المميز؟ أغلبهن يلبسن السروال الأسود مع قميص طويل، ومجوهرات من الفضة وكأس عصير في اليد. كانت كل واحدة تتحدث بعد الأخرى باللغة الانجليزية «مجتمعنا مغلق ومسيج، مازال الزواج مرتبا، نحن نرفض دكتاتورية الزوج، ولا نقبل أن نبقى، رغم توفرنا على شواهد عليا ، محصورات في قطاعات الصحة والموضة والتواصل والعمل الاجتماعي...». مطالب واضحة قبل أن يعلن عن قرب وصول المستشار الثقافي الفرنسي دانييل أوليفيي. في تلك اللحظة لبست هؤلاء المحتجبات العباية والحجاب! صباح اليوم الموالي بعدما تصفحت جريدة «أراب نيوز» التي لا تنشر أبدا صورا للنساء ولو محجبات، توجهت إلى فندق الفيصلية، فندق من الرخام حيث تعقد النساء النافذات مأدبات عمل. كان لي موعد مع المحامية عتوق الشهيل، ورغم مهنتها فإنها لا تذهب إلى المحكمة، سلام الرياس مسؤولة في التعليم الابتدائي، منى أبو سليمان على رأس مؤسسة إنسانية، خلود الدخيل، مسؤولة في بنك، وهايدي العسكري مديرة مركز سلام للأبحاث حول الإعاقة. أنيقات في الأربعينات من العمر، في عباءات من تصميم مصممين محليين، يضعن بعض المجوهرات بذوق رفيع، ينحدرن من الطبقة الحاكمة ومتخرجات من أرقى الجامعات الانجلوسكسونية، هؤلاء النسوة متواضعات ومتأكدات من ذاتهن «نحن واعيات بأننا مثال لتحرر المرأة، ولكن هنا «التطور» لا يعني «الثورة». ودهشة أخرى ،لأنه بالرغم من سلطتهن وخطابهن التقدمي، لم تغادر أي واحدة منهن، في هذا اليوم، أيضا لباسها التقليدي، وبفضل معارفي الجديدة التي كثرت مع توالي لقاءاتي، ورغم أن عطلة نهاية الأسبوع لدى المسلمين تبدأ يوم الجمعة، يوم الصلاة الكبرى في المسجد، التقيت فنانات، أولا وفاء يوسف بهائي مطلقة، رسامة وعالمة أركيولوجيا شابة، حاصلة على عدة جوائز، منها الجائزة الأولى للمرأة السعودية الفنانة سنة 2002، وبعد أن قدمت لي لوحاتها كثيرة الألوان، تناولنا طعام الغداء رفقة إحدى صديقاتها، ثم تناولنا القهوة مع هيفاء المنصور مخرجة فيلم «نساء بلا ظل»، الذي عرض في أكثر من 15 دولة. المخرجة تشتغل في البحرين، لأن الفن السابع غير موجود في السعودية! بعد ذلك توجهت لدعوة عشاء عند زاهر المناجد، رجل أعمال متعدد الآفاق وزوجته رانا، ينتميان إلى البورجوازية العليا المثقفة. كنا ننتقل من صالون إلى آخر، في قاعة الأكل كان هناك أكل سخي، لحم، دجاج، أنواع مختلفة من اللحم، كافيار، سلطات، حلويات مختلفة ومشروبات غازية... كنا نمشي فوق زرابي تقليدية جميلة. الجو العام مخملي حميمي. هنا أيضا لم تنزع رانا حجابها! النساء يلبسن فساتين مزينة من صنع مصممين كبار. لكن فيما بينهن فقط، يعشن في الغالب حياة باذخة، راقية مقسمة بين عدة إقامات، لكن دائما بعيدا عن الأنظار. البذخ لا يظهر أيضا في المباني الرسمية وناطحات السحاب ، رغم أنها مبنية بأدوات ومواد راقية ووظيفية. أما القصور الجميلة من الطراز العربي أو الكلاسيكي الجديد، المبنية بالحجر الناصع الجميل، يمكن أن نتخيلها داخل الأسوار المحمية من الأنظار بستار سميك من الأشجار والخضرة. في هذه المدينة التي لا يوجد بها ، تقريبا، طوار باستثناء رصيف شارع التحلية، بمثابة شانزليزي السعودية، تجد نفسك في دوامة دائمة من الرمال والغبار وسط ظلال سوداء تمشي بتثاقل، ورجال في قمصان بيضاء طويلة أو بسراويل جينز وسط أصوات دراجات نارية ضخمة يابانية الصنع، في الأفق لوحات إشارات خضراء بالعربية والإنجليزية ومحلات تجارية ولكن بدون آبار نفط مثل « تانتان في بلاد الذهب الأسود»، فقط صوامع المساجد والتلال. تغير الديكور ليوم مع محبس الحيوانات الذي لا يصعب تصويره نظريا... أولا الجمال، بعد نصف ساعة بالسيارة، وصلنا إلى «سوق الجمل»، المكان المسور يمتد على امتداد البصر بحيوانات رائعة باللون البني الغامق أو الفاتح، حسب الجودة والأصل، الجمال لها مشية متمايلة، عيون لوزية وخدود إلى الأعلى، المربون يكلمونها بلطف والحيوانات ترد برغاء مسموع. هل يبدي هؤلاء الرجال نفس الحنان مع زوجاتهم؟ بأدب يشرحون لي بإنجليزية عجيبة، أن هذه الثديات كانت في الماضي تحمل الملح، وتسمى سفن الصحراء، أصبحت حيوانات صُحبة وديكور غالية تكلف ماليكها من الأغنياء ما بين 3000 إلى 500000 أورو للحيوان الواحد، فقط من أجل المتعة. سفيرنا دعاني إلى حضور جائزة السفراء في الحلبة الملكية الخضراء، كما في حلبة «لونشون»... إنجاز بكل المقاييس! وباستثناء الدبلوماسيين وأقاربهم، لا يوجد هنا إلا السعوديون، ولامُراهن واحد، لأن الاسلام يمنع القمار، ومع ذلك هناك جائزة تامبولا، تسمح بالفوز بسيارات. السباقات المجانية تعتبر تحية من الملك لشعبه من أجل نبل الخيول الأصيلة، جوهر الثقافة العربية. استقبلت بعد ذلك في «دراب» في حرس الملك عبد العزيز، حيث تتم تربية 170 حصانا عربيا أصيلا منها 64 نوعا استثنائيا من أعرق السلالات في الصحراء السعودية، هذا المركز الرائد بالنسبة للخيول العربية، يعتبر المرجع بالنسبة لجميع مراكز تربية الخيول في الشرق الأوسط. ومن اللقاءات الاستثنائية أيضا: سلطان المنديل وصقوره التي يروضها أولا من أجل متعة رؤيتها تحلق عاليا في السماء الزرقاء، ثم لإطعامها. وعندما ينطلق في رحلة صيد، يأخذها معه إلى الصحراء على متن سيارة رباعية الدفع معدة خصيصا لهذا الغرض، وإذا ما تاه أحد هذه الصقور، فإن سلطان لا ينام وينشغل عليه كما لو أن أحد أبنائه هو الذي تاه. وعندما وضع «عزام»، صقره المفضل ، على يده اليمنى المحمية بقفاز جلدي سميك، كنت مقسمة بين الخوف والانبهار، طائر صياد وغالي الثمن، حوالي 40 ألف أور! وهو ثمن قليل بالمقارنة مع أثمنة صقور سيبيرية يمكن أن يصل ثمنها إلى 200 ألف أورو! كانت الوجهة في اليوم الموالي هي جدة. تطلب الأمر ساعة من الطيران من أجل بلوغ ثاني أكبر مدينة في البلد بساكنة تصل إلى ثلاثة ملايين ونصف، وبمطار يستقبل الحجيج المتوجهين إلى مكة. كان ثمة عشرات من الحجاج من مختلف الأعمار في طريقهم إلى الكعبة وهم يرتدون ثوب الإحرام. هم بدورهم مدمنون على الإنترنت، فما إن حطت الطائرة بالمطار حتى أسرعوا نحو هواتفهم النقالة. وتظل هذه المدينة التي تطل على البحر الأحمر، وجهة مفضلة لدى الشباب الذين يستطيعون الالتقاء فيها بكل سهولة، كما أن الأجانب يشعرون فيها بضغط أقل مما هو عليه الأمر في العاصمة. نسيم البحر وأشجار النخيل المثمرة يجعلونك تكاد تنسى أنك في قلب الصحراء. استقبلتني سارة بن لادن بابتسامة وتميز، فهي واحدة من أفراد أسرة غنية تحمل نفس الاسم. وكانت هذه الأسرة، المنحدرة من أصول يمنية والتي أضحت لها إمبراطورية حقيقية في مجال البناء والأشغال العمومية، قد وضعت نفسها بعيدا عن زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، الذي قتل بتاريخ 2 ماي 2011 . ولقد كانت العديد من القبائل اليمنية،السورية، العراقية، المصرية، الفلسطينية واللبنانية... قد تمت تنحيتها بسبب ثورات قومية متعاقبة لترحل بعد ذلك إلى العربية السعودية. أقدمت سارة اليوم على دعوة بعض صديقاتها إلى منزلها الجميل المؤثث بأثاث إنجليزي يعود للقرن التاسع عشر وأثاث آخر أكثر معاصرة. كل صديقاتها يوجدن على رأس أسر مكونة من ثلاثة أو ستة أطفال ( هي بدورها لها أربعة أطفال). بعضهن يشتغلن في تصميم الأزياء، أو بيع الجواهر، في الكتابة أو في علم النفس... هؤلاء السيدات السعوديات الشابات ( أعمارهن تتراوح ما بين 30 و40 سنة)، بفساتينهن الملتصقة بأجسادهن وسراويل الجينز الأنيقة وأقمصة حريرية ويتزين بحلي ثمينة، يمثلن الجيل الجديد من النساء السعوديات اللواتي نجحن في قلب هذا النظام السعودي من إحداث «مقاولاتهن». يقلن: «مادمنا لا نتوفر على سينما أو مسرح أو أي نشاط آخر، ثقافيا كان أو سياسيا، فإن الباب أمام القيام بأمور أخرى يظل مفتوحا، وها نحن نبتكر ثقافتنا الخاصة بنا. أي الانفتاح على المجتمع. ولأننا نقضي معظم الوقت في المنزل، فإننا نستغل ذلك أكثر ما يمكن ». ورغم عمليات الإنجاب المتعددة التي قمن بها، إلا أنهن حافظن على قوام ممشوق، وبعيدات كل البعد عن الصور التي تظهر بها المرأة العربية في اللوحات القديمة، وكأنهن نساء بوزن زائد ويتكئن فوق أريكة ممتدة أو داخل حمام. تشير سارة إلى أن فقط 13 بالمائة من النساء هن اللواتي يشتغلن وتنتقد في نفس الآن أحد أبرز المعيقات التي تعترض سبيلهن: منعهن من السياقة. وتقر بأن النساء النخبة أو اللواتي حظين بنصيب أكبر من التعليم، يقمن بالاستعانة بخدمات سائق، فيما تقوم الموظفات بتخصيص جزء من أجرتهن لنفس الغرض، أما البعض الآخر فيلجأن إلى بعض أفراد الأسرة. انتقلت النسوة إلى الحديث عن موضوع الإرث: «الأشقاء لهم الامتياز على الدوام تقريبا.» الطلاق؟ «عموما هو في مصلحة الرجل». تعدد الزوجات؟ «أن تكوني ضرة، هذا يعتبر أمرا تافها. لذلك فما يقال هو «زوجتي المفضلة» في إشارة إلى الزوجة الرئيسية. أما عندما تقوم الزوجة الثانية بدور أكثر أهمية من ذاك الذي تقوم به الأولى، فإنها تحتفظ بلقب «العشيقة». قاطعتهن بسؤال: «هل يمكن الجمع بين أربع زوجات في نفس الآن؟ هذا أمر لا يتكرر كثيرا كما كان عليه الأمر في السابق، لأن القرآن ينص على العدل في التعامل معهن. أما هنا، فلم يمض وقت طويل عندما كان الرجال يسافرون لعدة أشهر، وكانوا يتوفرون في كل مكان على زوجة. أما الآن فقد أصبحت لنا بعض الاستقلالية، لأن النساء أصبحن يتوفرن على أموالهن الخاصة. حياتنا نحن النساء تدور حول فلك الأسرة والأطفال». في اليوم الموالي كنت في الطابق تحت الأرضي لمستشفى الملك عبد العزيز الجامعي بجدة. مجمع عصري لا يبعد كثيرا عن القصر الأميري. كنت رفقة البروفيسورة سعاد خليل الجواني، التي كانت ترتدي بزة بيضاء وتضع غطاء على الرأس. كانت محاطة بفريقها المكون من الرجال باستثناء باحثة. تشتغل في وسط يتم فيه السماح بالاختلاط. كانت البروفيسورة أحد أفراد الفوج المكون من 24 سيدة سعودية تخرجن سنة 1981 بشهادة دكتوراه في الطب. تصر الدكتورة على الحديث عن مشاكل الصحة العمومية: «تعاني النساء من أمراض عدة أبرزها داء سرطان الثدي والكبد، وذلك بسبب تعرضهن للكثير من التلوث والإشعاعات. هذا دون الحديث عن داء السكري بسبب تناولهن لأطعمة تحتوي على نسب كبيرة من السكر دون أن يمارسن الرياضة. كما أنهن يعانين من مرض الطلاسيميا المرتبط بالدم والمنتشر بكثرة في المنطقة المتوسطية ». كان هناك أيضا مركز خصوصي للأطفال المعاقين بجدة، وهو المركز الذي توجد مها الجفيلي على رأسه، حيث أقامته بدعم مالي كبير من والدها الثري. ويستقبل المركز حوالي 350 طفلا تتراوح أعمارهم ما بين 3 و18 سنة. وثمة عادة في السعودية، أصبحت في مقام الواجب، أن يقوم الأثرياء بتقديم الأموال لدعم المشاريع الخيرية. ومن المعلوم أن 5000 فرد يقتسمون مداخيل النفط الضخمة ويخصصون جزءا يسيرا منها لتمويل المشاريع. وتشرفت بلقاء صاحبة السمو الملكي الأميرة لؤلؤة الفيصل، بنت الملك فيصل، والتي تترأس الجامعة النسائية. وبعد أن شرحت لي أن الجامعة التي أسستها والدتها تستقبل 900 طالبة وتعمل من أجل تكريس المساواة. سألتها: «هل يمكنك أن تحدثيني عن والدك الملك فيصل؟ « قالت: «إنه شخص كرس وقته كله لخدمة البلد. يفضل تناول وجباته وهو محاط بأبنائه الثمانية عشر على أن يكون محاطا بالوزراء. كنا نجلس حول 24 مائدة، وكان هناك حوالي مائة شخص يعملون على خدمتنا. درست في المنزل، لأنه لم تكن حينها مدارس خاصة بالبنات، قبل أن أتمم دراستي في سويسرا. أتوفر على شقة في باريس، وهناك في أوربا، أنزع عني العباءة لكنني أحتفظ بغطاء الرأس. وبفضل الملك فيصل، كان كل فرد يعي دوره في القبيلة، وكان الملك يحرص على تمرير تقاليد الضيافة والكرم واللياقة والاستقامة واحترام ديننا إلى الجميع.» دخول جدة يعني أيضا التوجه إلى مركز تجاري. وهناك أيضا لاحظت وجود قاعات للصلاة تفرق بين الذكور والإناث. وفي المجال السياسي، كان الملك عبد الله قد باشر فعلا ، ومنذ مدة ، سلسلة من الإصلاحات على إيقاعه الخاص. ولقد تسارعت وتيرة هذه الإصلاحات مع حركة الانتفاضة والتطلع إلى الحرية التي انتقلت من تونس ومصر وعبرت إلى ليبيا، سوريا، البحرين، اليمن... مزعزعة العالم العربي ككل. ولقد أعلن من مكتبه وعبر التلفزيون عن مجموعة من الخطوات: خلق أربعة ملايين منصب شغل، بناء 500 ألف سكن، رفع متوسط الدخل الشهري إلى 800 دولار، التعويض عن البطالة، توزيع الهدايا نقدا، أي ما يعادل 70 مليار دولار من المساعدات، كما وعد بتحقيق تقدم اجتماعي. هل ستنتقل هذه الملكية المحافظة إلى ملكية دستورية ذات تعددية حزبية أمام رياح الحداثة؟ كيف ستكون الإجابة؟ على كل حال، لكل واحد جذوره، تاريخه... وكما جاء في أغنية «غابان»، قلت لنفسي: «الآن أعرف، أعرف أنني لا أعرف أبدا...».