أصلها كلب يعترض سبيل النساء إلى الحمام و يحتمي بظهر الواسطي، مول الغابة والطاحونة، تفاقم الوضع فتعفنت المأكل والمرقد، وبدأت الجدران تزفر عطانة حيض ونفاس. نفد صبر الحاج امحمد، ابو البنات، فهب يبيع الثور الاحمر ويعقد تكة سرواله سبع مرات ميمما شطر المدينة طلوعا مع ذيل أمهم حتى «الاقليمية». الحافلة التي أقلته ذاك الصباح البعيد لفظته هذا المساء، في عين المكان قرب علامة الاربعين. على طول الطريق المتربة الى القرية ظل واجما يلتفت الى الوراء بين الفينة والأخرى ويتنهد: فلوس الثور الاحمر راحت في مجاري المياه العادمة، والعطانة إياها تجاوزت حدود الوطن كله، فأي حاجة تبقت في أن يعقد أبو البنات تكة سرواله سبع مرات محكمات؟ آمالك الحاج؟ أودي، سول الايام مالها بعد صلاة العشاء قعد تحت النجوم، وراء حائط المسجد، يفترش الحصير ويحكي لابناء العم والخال عن فداحة المطب، والابصار إليه شاخصة والسبسي يدور، ونقيق ضفادع تتعاشق بعيدا في غياهب ظلمة عاهله، وكلب فوق السطوح يستأنس بنباحه في وحشة هذا الوجود، ورائحة الكيف تدحر العطانة وما سواها، كما وتشفي من الاسهال و «بوزلوم» وأمراض أخرى لا تحصى... ولكنهم في المدينة، يا إخواني، يمنعون السبسي يبيحون المارنبورو والويسطون!؟ او ااااااه ! وا ايييييييي أي نعم، رأسا على عقب صارت الأمور في المدينة وهذا الزمن الأمرد، وجر ما لم يقترف الحاج، فلم يكن يعلم، وكل ما في الأمر أنه، بعدما أنهكته المساطر ومصاريف المساطر، هجع الى أقرب حديقة عمومية، وفي انتظار ان تفتح «الاقليمية» أبوابها الحديدية، اخرج السبسي والمطوي وقعد «يتكيف» ويتفرج على السيارات وحافلات السياح.. وفي شارع محمد الخامس، فكأنه على سطح القمر. الله الله... يهتف أحدهم فيردعه الحاج: الله يرحم الخامس، آه.. يصمت الرجل وتشخص الابصار ويتواتر النقيق في غور الظلمة بما يفيد ان الضفادع دخلت في حالة استنفار، ونباح الاستئناس لا يعتريه فتور ولا تشوبه شائبة. يغرغر السبسي في يد الحاج قبل ان تسط: ينقدف السقط من الشقف كقذيفة من فوهة مدفع.. تصمت الضفادع عن بكرة أبيها. يستطرد الحاج: واراهم لقطوني: آه أي نعم، لقطوني. اغمضت عيني حتى لا أراهم، ولكنهم لقطوني. قال لكن السبسي ممنوع!؟ قلت لهم: أي والله؟ ومنذ متى؟ عبس كبيرهم وتولى. تكلم في الراديو وقال: اطلع، بسملت وشمرت وتوكلت وطلعت، ولكنهم داخل سيارتهم، المعلومة أرادوا انتزاع السبسي مني، وكذا المطوي.. وكم كان عامرا. - «الخطفة هذه.. »ند عن حيمي، مول الزويجة والقنب، امتنع الحاج طبعا، ولما اشتد الوطيس خلع الجلباب والفرجية والتشامير كاشفا لهم عن أثر عملية جراحية على القلب، ورصاصة قديمة فوق الطحال، وجعجع بالوعيد يقصد ما يقول: «إلا السبسي.. والله يا أمكم حتى نموت ليكم هنا». تفرقوا من حوله مذعورين، وكبيرهم صار يبتسم إليه متوددا. صرفوا النظر عن السبسي والمطوي وحتى الثقاب، وفي المخفر أكرموا وفادته قدر المستطاع وباتوا يسطرون له المساطر. وما يتعنيت المساطر آل الحاج؟ تعرفون غابة الواسطي، طبعا؟ كذلك المساطر فهي غابة حقيقية بمتاهات ومجاهل ووحوش، لولا أن القانون غير القانون، والغلبة في نطاقها ليست للسبع ولكن لابن أوى. فليس أمامك والله سوى أن تبيع الثور الأحمر، وتعقد تكة سروالك سبع مرات محكمات، وتنتدب خدمات الزطاط، مول المسطرة والكاشكول. زطاط، زطاط؟.. »تساءلوا جميعا. «وووووه؟.... »رد الحاج بالايجاب، والضفادع عادت تنق بما يفيد أنها تتفقد الصفوف التي تقلصت، فواضح أن حنش الضاحية قد تعشى، وبناح الاستئناس شابته شائبة قد ينجلي أمرها بعد حين وقد لا ينجلي، أما الحاج فما خاف ولا أندهش، مثل أمام السيد الوكيل العام، والسبسي بيده بلاتفريط، أعجب بطلعته ولكم تمنى أن يزوجه إحدى بناته.. قال: «واوليدي، السبسي راه ولد البلاد... هذاك مارنبورو اللي في جيبك اللي حرامي ولد الحرام». ففي لمح البصر وجد الحاج نفسه خارج مكتب السيد الوكيل، والزطاط بين يديه يصبغ ا لسماء بلون ا لباذنجان، ياستار يا حفيظ. قال ماذا، قال يريدك أن تبيع الثور الأبيض حتى يسطر لك مساطر جديدة بشأن السبسي؟! ويا حبيب أمه وحدها، من يخصب البقرات فتعطينا الحليب واللبن، إذا الحاج ألحق الثور الأبيض بالأحمر؟ أت، أم أبوك؟ استشاط الزطاط غضبا و مضى يشهد ا لشهود على هذا الحاج الذي شتمه وشتم أباه... وحتى حرمته التي تجاوزت عطانتها حدود الوطن كله.. .. وبالفيزا والباسپور - «وووه؟... » شدد الحاج على صحيح أقواله وهو يتفحص الوجوه من حوله وينفث الدخان من منخر واحدة. «آبوه...» سانده الضاحي، مول الكويبة والعيسي، بكل تأكيد. ونقيق الضفادع عاد يتواتر فمخطئ من يعتقد أن حنش الضاحية يشبع، وأما الحاج فوجد نفسه أمام القاضي، وحجته بيده طبعا، والقاعة الفسيحة تعج بأكحل الراس دون سواه، فمن كان أبوه مزارعا يزرع الجلبان فينبت الكيف، ومن كان أبوه صانعا تقليديا ينقش السبسي ويبيع في الأسواق ولا أحد ها هنا كان أبوه يصنع الصواريخ.. قال: - واوليدي، قريناكم بالسبسي وتحكموا علينا بما رنبورو؟» فبينما الحاج يترافع أمام هيئة قضائية موقرة، إذا الزطاط يدلف وفي يده مسطرة وحول عنقه كشكول وفي عينيه جفول عجل معتبر غداة الفطام: يريد الثور الأبيض بقوة المساطر! هرب الحاج. أطلق ساقيه للريح وشقها فدانية عبر الشوارع والأزقة حتى محطة الحافلات.. حتى علامة الأربعين. «إيه؟... والقضية؟ تساءل حيمي فنهره الضاحي: / تاش م قضية؟ راهم ولاوا تلاتة... . «اوه؟...» «وووه... تركهما الحاج يرطنان على غرار ضفدع يسكب الماء على بطنه، وهب واقفا منتصب الأذنين، فهذا النباح، فوق السطوح، نباح الغاشي!... ومن عساه يأتينا في مثل هذه الساعة من الليل، ومن ناحية علامة الأربعين، ولا تعرفه الكلاب فتنبح نباح الغاشي؟... أماه، ثوري الأبيض. - هذا ما يكون الزطاط، مول المسطرة والكشكول،،؟ هبوا يستطلعون والحاج يهرول الى مربط الثور الأبيض، يفك وثاقه ويمخر به عباب الليل باتجاه غابة الواسطي، فاللهم السبع ولا الضبع، ونباح الغاشي يستفحل، وبليدة هي الضفادع تنق في حبور فيهتدي إليها الحنش الجائع ويفيق النائم.. وتلك الظلمة العاهلة تبتلع الحاج ولا تبتلع الثور الأبيض.