لكل دستور من الدساتير الخمسة تصديره ، تشابهت فقراته الأربع في الوثائق الثلاث الاولى، وأضيفت إليه «المغرب العربي الكبير» بدل «المغرب الكبير» بعد أن وقعت بلادنا على اتفاقية مراكش في فبراير 1989 لتأسيس هذا التجمع الاقليمي ، الذي تعد ، جغرافيا وتاريخيا وتنظيميا ، جزءا منه. وتم تمديد الفقرة الثالثة ليؤكد المغرب «تشبثه بحقوق الانسان كما هي متعارف عليها دوليا».فالمغرب صادق في سنتي 1979 على العهدين الدوليين المتعلقين بالحقوق المدنية والسياسية ، والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وفي سنة 1993 صادق على اتفاقيات مناهضة التمييز ضد المرأة، ومناهضة التعذيب ، وحقوق الطفل. التصدير أصبح جزء لا يتجزأ من صلب الدستور ويتكون من 15 فقرة أبرزها : - إن المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل إقامة مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة. - المملكة المغربية دولة إسلامية، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها العربية - الاسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الافريقية والأندلسية ،والعبرية، والمتوسطية. كما أن الهوية المغربية تتميز بتبوئ الدين الاسلامي مكانة الصدارة فيها، وذلك في ظل تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الانسانية جمعاء. - ...تؤكد تشبثها بحقوق الانسان، كما هي متعارف عليها عالميا. ... - حماية منظومتي حقوق الانسان والقانون الدولي الانساني والنهوض بهما، والإسهام في تطويرهما، مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق، وعدم قابليتها للتجزئ - حظر ومكافحة كل أشكال التمييز، بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو اللغة أو الإعاقة أو أي وضع شخصي، مهما كان. - جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة. وظل الفصل الأول نفسه : « نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية ديمقراطية واجتماعية»، طيلة الخمسين سنة الماضية. وفي المشروع الجديد تم التنصيص على أن «نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية، ديمقراطية برلمانية واجتماعية».و«يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس الفصل المرن للسلط، مع توازنها وتعاونها والديمقراطية المواطنة والتشاركية وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة»... نحن مدعوون الى فتح نقاش عميق وحوار مجتمعي واسع حول مقومات ومضامين ومقتضيات هذا التعاقد السياسي، الاجتماعي الجديد، لأن المطلوب ليس تعبئة المواطنين للتصويت بنعم على الدستور، بل المطلوب هو توفير الفرصة لمختلف الفئات والشرائح والتيارات والمواطنين والمواطنات. أنور المرتجي، كاتب وآستاذ جامعي مشروع الدستور الحالي يرتقي الى سقف المطالب الوطنية الاستفاء الحالي يختلف عن الاستفتاءات السابقة التي عرفها المغرب منذ الاستقلال، أولا من حيث السياق السياسي المتمثل في المنعطف الديمقراطي الكبير الذي اندمج فيه المغرب في طواعية، في عهد محمد السادس من خلال تدشين مرحلة الانتقال الى الديمقراطية، وطي صفحة الماضي الأليم عن طريق الإصلاح والمصالحة. كما أنه يتزامن مع الحراك الديمقراطي الذي تعرفه المنطقة المغاربية والعربية, فعلى الصعيد المحلي منذ انطلاق حركة 20 فبراير، التي تمت الاستجابة لمطالبها مبكرا من خلال خطاب 9 مارس، الذي اتسم بالبعد الاستباقي والاستشرافي في آن، يتميز هذا الاستفتاء كذلك من حيث منهجية العمل من خلال المشاركة الفعلية والحقيقية الواسعة لمختلف الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والحقوقي والتلقي الإيجابي لمقترحات الفعاليات الثقافية عبر وسائل الاتصال الجماهيري. كل هذا جعل من مشروع الدستور الحالي يرتقي الى سقف المطالب الوطنية وأن يكون خلاصة منقحة ومزيدة لجميع مطالب الحركة الحقوقية والسياسية لمدة تزيد عن أربعة عقود، كما أنه يراعي في أفق مستقبلي أشكال التحولات المجتمعية على المستوى الوطني والعالمي ودينامية الجهوية المغربية التي تعترف بمختلف مكوناتها في اتجاه يحترم التعدد والغنى الذي يزخر به مجتمعنا, كما أنه يكرس التوازن والفصل بين السلطات واستقلالية القضاء وتحديد مهام وظيفة المؤسسة الملكية يقول أنور المرتجي، أما على المستوى الكوني، فإنه يتعاطي في إطار علاقة حوارية خلاقة مع الاتفاقيات الدولية التي تضاف الى ترسانة الحقوق كما هو متعارف عليها عالميا, يبوؤنا موقعا متفردا في منتدى الديمقراطيات العالمية.