قال جاك شيراك إنه لا يريد أن ينتهي الفرنسيون بالاعتقاد أن السياسة هي قضية ستراوس كان أو لوك فيري. فالسياسة هي خدمة البلاد و الدفاع عن قناعات و بناء مشروع. السياسة هي محاولة إيجاد حلول لمشاكل الفرنسيين وتحسين وضعيتهم والبحث في مستقبلهم. وأضاف: هذا ما استخلصه من كل السنوات التي قضيتها في خدمة الفرنسيين. بيد أن تجربتي الطويلة علمتني أيضا أن الحملات الانتخابية قد تكون في بعض الأحيان عنيفة جدا. فعلى بعد بضعة أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية الحاسمة بالنسبة لبلادنا, ينبغي أخذ الحذر كي لا نخرج من إطار احترام الآخر, في مناقشة الأفكار كما في مواجهة المشاريع, ينبغي علينا ذلك كواجب أمام الفرنسيين. كتبتم أن «هناك حياة بعد السلطة». كيف هي حياتك الجديدة؟ بعد أربعين عاما في خدمة الفرنسيين ، وبعد اثني عشر عاما رئيسا للجمهورية ، فإنه من الصعب علي ابتكار حياة جديدة ، وأنا لن أخفي عنكم أنني لم أكن أهييء نفسي خلال ولايتي لهذا الأمر ، لأنه إلى غاية آخر يوم من عهدتي أردت أن أكرس نفسي لهذه المهمة التي أوكلت إياها من قبل الفرنسيين. فقط بعد أن تركت الاليزيه بدأت أفكر في طريقة تمكنني من تقديم «خدمة بشكل مغاير» وتبين أن مهامي في حياتي الجديدة لن تكون كالمعتاد . فأنا كلفت نفسي بثلاث مهام. أولها تحمل مسؤوليتي بصفتي عضوا في المجلس الدستوري ، حتى و لو وضعت جانبا في الوقت الحاضر هذه المهمة بسبب محاكمتي. ثم ، من خلال مؤسستي ، التي أطلقت بواسطتها مشاريع ملموسة للمضي قدما في القضايا التي أعتبرها شخصيا على قدر كبير من الأهمية : السلام العالمي والتنمية المستدامة والحوار بين الثقافات. وأخيرا ، أن أبقى رهن إشارة الفرنسيين عبر الإنصات لهم، علني أنقل الدروس التي تعلمتها من السنوات التي قضيتها في خدمة فرنسا. ولا شك أن في المجلدين اللذين أعددتهما من مذكراتي جزء من هذه المهمة. لقد استطعت أن أحصل أيضا خلال الأربعة أعوام المنصرمة على ما كنت أفتقد إليه، على الأرجح، أكثر من أي شيء آخر : قليلا من الوقت بالنسبة لي و لعائلتي. لأن السياسة في نهاية المطاف هي حياة من الخدمة... وحياة من التضحية. كتابك الأخير.. هل هو تصفية حسابات مع نيكولا ساركوزي...؟ رأيت أمورا كثيرة في حياتي السياسية ، ومع ذلك فأنا ما زلت دائم الاندهاش . إن كان في هذا الكتاب، المكون من 600 صفحة ، جملة يمكن سحبها من سياقها هنا وهناك فقد يشعرني ذلك بالاشمئزاز . أردت أن أجعل من مذكراتي متنا لتمرير رؤية وقيم من خلال ما أسميته «العهد السياسي». أما فيما يتعلق بخلفي ، فأنا كنت دوما وما زلت على موقف واحد : لاينبغي للمرء أن تزعج مسيرته أية تعاليق كيفما كانت على الإطلاق. كيف هي علاقتك معه؟ إنها علاقة جيدة. كما تعلمون ، نحن نعرف بعضنا البعض جيدا ، وذلك منذ وقت طويل جدا. وعلاقتنا اليوم ، تتميز بالمصارحة وهي علاقة ودية وشخصية ، وأنا أعلم أكثر من أي شخص آخر مدى صعوبة مهامه. قلتم أنكم «تأثرتم» بكون نيكولا ساركوزي لم يذكر اسمكم في أول خطاب له كرئيس منتخب. هل تذاكرتم في الموضوع؟ أنا مؤمن باستمرارية الدولة. وهذا مبدأ رئيسي في النظام الجمهوري. فليس هناك أي سياسي يمكنه أن يمتلك منصبه. كما ليس هناك أي سياسي يمكنه الدوام في منصبه إلى الأبد. وكما هو الأمر في الحياة ، نحن نرث من السابقين ، دون اختيارنا ، وينتقل إرثنا إلى من يأتي بعدنا. وكل منا يتحمل تركته التي يخلفها. لذا نعم ، لقد ساءني هذا الإغفال. وساءني أيضا كوني أعتقد أنه ليس ثمة ما يخجلني من الحالة التي تركت عليها فرنسا حين غادرتها في 2007. أنا فخور بالسجل الذي قدمته للفرنسيين. سجل استطاع نيكولا ساركوزي ، وعلى الرغم من القطيعة التي أعلنها ، أن يدعي حصته فيه . وأنا على قناعة بأن هذا السجل شكل جزءا لايستهان به من عناصر فوزه الانتخابي. تشيدون كثيرا بآلان جوبيه. هل كان جوبيه ليمثل بالنسبة لكم خير خلف؟ في النظام الجمهوري ، الشعب هو الذي يختار. لم يخطر ببالي أبدا أن أعين خليفة من بعدي. ومع ذلك ، الجميع يعرف أنني حافظت على علاقات دائمة مع الان جوبيه. أنا أكن له التقدير والمودة. إنه رجل قناعة والتزام. وقد خدم بلاده دائما بنوع من الصرامة. وقد خدم بشكل جيد المثال الذي يعلي المصلحة العليا على كل المصالح كما رفع فكرة فكرة إعلاء دور فرنسا في العالم. هل تتمنون أن يكون دومينيك دوفيليبان مرشحا سنة 2012؟ دومينيك دوفيليبان رجل ذو شخصية وأفكار. لقد كان رئيس وزراء ممتاز. لكن لا تنتظروا مني أن أتدخل في النقاش الرئاسي القادم. هذا ليس دوري. لم أعد أمارس السياسة، ولن أتدخل فيها أبدا، إلا إذا كانت ظروف خاصة تفرض ذلك. وفي ما يتعلق بسؤالكم، فإن الترشح للانتخابات الرئاسية خيار كبير، شخصي وله متطلبات، ويتم بناء على وضعية سياسية معينة ويقوم على تصور لمستقبل بلدنا. نحن هنا في قلب سحر حياة الجمهورية. والانتخابات الرئاسية لقاء بين رجل وشعب. كنتم وراء إحداث حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية سنة 2002. بعد مرور عشر سنوات، ألا تتخوفون من انهياره؟ مع إحداث الاتحاد من أجل حركة شعبية، كنا نريد أن نضع في الحياة السياسية الفرنسية حزبا كبيرا، حديثا وشعبيا، قادرا على المناقشة والاقتراح، قادرا على دعم مرشح للرئاسة، والعمل في حالة انتخابه على دعم عمله. ويبدو لي أن هذه الحاجة إلى الوحدة والتجمع متوفرة اليوم بنفس القوة التي كانت عليها بالأمس. ومن أجل الاستمرارية، يتعين على الحزب أن يكون حريصا على أن يوفر مجالا لمختلف الحساسيات المنتمية لليمين والوسط، لأن لكل منها هوية قوية. س: تدعون الفرنسيين إلى الحذر من «الأقنعة المتعددة لليمين المتطرف»، هل أضحت الجبهة الوطنية أكثر شعبية مع مارين لوبين؟ ج: لن يتغير اليمين المتطرف أبدا. فقد كان وسيظل إيديولوجية جاءت لتضرب كل ما يشكل تاريخنا وهويتنا. التوجه نحو الجبهة الوطنية لا يعني الاحتجاج، بل يعني تقديم الدعم لحزب ذو طبيعة عنصرية ومناهضة للأجانب. والحلول التي تدعو إليها قيادات الجبهة الوطنية، كيفما كانت تلك القيادات، غير معقولة وخطيرة. ولا يمكن إلا أن تؤدي إلى الانقسام والمواجهة بين الفرنسيين، كما ستتسبب من الناحية الاقتصادية في تأزيم وضعية الأشخاص الأكثر هشاشة من خلال خروج الأورو والحمائية. كما أن رفض الآخر، والاختلافات والقيم الديمقراطية والنمو الاقتصادي والاجتماعي لا يمكن إلا أن يكون سببا في الاندحار ووقوع أسوأ الكوارث. إن بلدنا يستمد قوته، هيبته ووحدته من قيم الحرية، المساواة والإخاء. ويتعين على المسؤولين السياسيين المنتمين لتشكيلات جمهورية أن يقدموا أجوبة ملموسة للصعوبات التي يواجهها الفرنسيون. فاليمين الجمهوري يمكن أن يقنع دون أن يتغير، وينبغي على السلطات العمومية أن تعمل بصرامة على ضمان احترام قانون الجمهورية في كل التراب الفرنسي. وهكذا يمكن من تفادي تكرار 21 أبريل، وبالتالي جعل فرنسا، صاحبة الريادة ومنارة الحريات، تظل وفية لنموذجها المثالي. قمتم سنة 2004 بعرض قانون ضد ارتداء الحجاب الإسلامي في المدرسة للتصويت. ما رأيكم في منع ارتداء البرقع؟ إن مبدأ اللائكية ضروري، لأنه يسمح لكل فرد بالعيش وفق قناعاته الدينية دون إزعاج وفي إطار احترام الآخر. وبعد نقاش عمومي كبير، رأيت أنه يتعين حماية المدرسة العمومية من كل أشكال الانتماء الديني الواضحة، والتي من شأنها أن تؤثر على الهدوء الضروري في مصالح التعليم العمومي. وهو نفس المنطق الذي قاد نحو منع الحجاب الكامل، الذي من شأنه أن يثير حساسيات العديدين ويضع على المحك أسس مبدأ اللائكية. غير ان تنفيذ هذا المنع يظل معقدا، لأنه يشمل مجموع الفضاء العمومي. ينبغي أن يتم بشكل حذر وباحترام وبطريقة تربوية. وينبغي دائما التذكير بأن اللائكية لا تعارض الممارسة الدينية، بل تضع لها إطارا صحيحا، فهي إحدى شروط الحرية الدينية. وفي إطار حديثنا عن اللائكية، أنتم تكرمون فرانسوا هولاند الذي تصرف ك «رجل دولة»... لست مخولا للحديث عن محاسن أو مساوئ هذا أو ذاك. كنت أود أن أدلي بشهادتي في وقت مهم بالنسبة لبلدنا، حيث كان على البعض، سواء من اليمين أو اليسار، أن يذكروا بشكل جازم بقواعد اللائكية. ولقد برهن فرانسوا هولاند على الشجاعة والوضوح وحس كبير بالمسؤولية. لقد تمكن من الخروج من المنطق الحزبي من أجل القيام باختيار المصلحة العليا. ولسوء الحظ أن ذلك لا يتكرر كثيرا. كيف تنظرون إلى اعتقال «دومينيك ستراوس كان»؟ مثل جميع الفرنسيين, فوجئت بالإعلان عن هذا الخبر.كما فوجئت أمام خطورة التهمة الموجهة له, و فوجئت أيضا بالزوبعة الإعلامية-السياسية الكونية التي تسبب فيها هذا الحدث.في مثل هذه الظروف, أعتقد أنه ينبغي التشبث بمبدأ واحد هو مبدأ الاحترام. احترام كلمة الشابة التي تتهم,احترام قرينة البراءة بالنسبة للشخص المتهم, و بينهما على العدالة أن تبحث عن حقيقة ما وقع ,و آمل أن تقوم بذلك سريعا. كيف ترون المناخ السياسي مع القضايا المتتالية : ستراوس كان, ترون و فيري؟ لا أريد أن ينتهي الفرنسيون بالاعتقاد أن السياسة هي هاته. فالسياسة هي خدمة البلاد و الدفاع عن قناعات و بناء مشروع. السياسة هي محاولة إيجاد حلول لمشاكل الفرنسيين و تحسين وضعيتهم و البحث في مستقبلهم. هذا ما استخلصه من كل السنوات التي قضيتها في خدمة الفرنسيين. بيد أن تجربتي الطويلة علمتني أيضا أن الحملات الانتخابية قد تكون في بعض الأحيان عنيفة جدا. فعلى بعد بضعة أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية الحاسمة بالنسبة لبلادنا, ينبغي أخذ الحذر كي لا نخرج من إطار احترام الآخر, في مناقشة الأفكار كما في مواجهة المشاريع, ينبغي علينا ذلك كواجب أمام الفرنسيين. ما الذي يعنيه لكم الجدال حول الرادارات؟ حينما جعلت,سنة 2002, من محاربة العنف في الطرقات واحدا من الأوراش الثلاثة لفترتي الرئاسية, كانت الطرق الفرنسية تحصد أكثر من ثمانية آلاف قتيل كل سنة.و كانت هذه الوضعية خطيرة خاصة و أن سبل مقاومتها كانت متوفرة. فتمت تعبئة السلطات العمومية و الجمعيات و كانت النتيجة مذهلة و أنا فخور بها.فخلال خمس سنوات تم تفادي عشرة آلاف قتيل و مائة ألف جريح. و هذا يؤكد أنه بإمكان السياسة تغيير ما يراه الناس كقدر.فعلى أصحاب السيارات و الدراجات النارية أن يفهموا بأن هذه المعركة هي معركة من أجل الحياة.فإذا كان إلغاء التشوير الخاص بالرادارات يمكنه أن يحد من ضحايا الطرق فلا ينبغي التردد في ذلك. فلا شئْ يمكن إهماله في هذه المعركة. تقولون إن «الزمن ليس مصدرا من مصادر الطاقة المهيمنة» فهل على فرنسا أن تبرمج خروجها من الطاقة النووية؟ لا يمكن لفرنسا في الوقت الراهن أن تستغني عن الطاقة النووية.لكن هذا لا يعني البقاء في منطق الوضع الحالي.لقد بدأنا منذ وقت طويل التفكير في صنع نموذج طاقي جديد, في اتجاهات ثلاثة: إعطاء مكانة كبرى للطاقات المتجددة, منح النووي أفضل الضمانات الأمنية و توسيع جهودنا في ما يتعلق باقتصاد الطاقة. في مجال الطاقة يأخذ البحث العلمي مكانة أساسية و يبدو أنها قادرة على خلق ثورة في شروط إنتاج و استهلاك الطاقة. لهذا تقوم فرنسا بدور المحرك في مشروع «إيتير» لطاقة المستقبل. علينا الالتزام بقوة في الثورة الطاقية السائرة. بماذا توحي لكم الثورات العربية؟ أرى فيها أساسا رسالة تفاؤل و أمل,إشارة بأن الطموح إلى مستقبل أفضل هو طموح كوني. أرى فيها أيضا دليلا على خطر الفكرة, التي لم أتوقف عن شجبها, و هي فكرة صدام الحضارات. كما لو كانت إحداها حاملة للنموذج الدمقراطي بينما لا تحمله الأخريات. و من المثير أن هذه الحركات تأتي في الغالب من الشباب, في بلدان تتوفر فيها مستوى معين من التعليم و الحياة. إلى أين سيسير «الربيع العربي»؟ هل ستعرف جميع البلدان نفس الطريق نحو الدمقراطية؟ الجواب عن كل هذه الأسئلة ليس مكتوبا مسبقا. الأمر الأكيد, في المقابل, هو أن من مصلحتنا مساندة و دعم الإصلاحات السياسية و الاقتصادية بقوة.