بلحسين الجراري رحل أول أمس الخميس 9 يونيو إلى دار البقاء الزميل المصور الصحفي أحمد كنز، وشيع جثمانه بعد عصر نفس اليوم بمقبرة الرحمة بالدارالبيضاء قلة من الجيران، وبضعة صحافيين. ودعا أحمد كنز، لم أنطقها بسهولة، ولا بطلاقة، فقد انتابتني هزات زفرات متلاحقة، كانت صعبة النطق صعوبة دلالاتها زمنا ومكانا وظروفا، فقد عمل أحمد كنز عضوا في الجسم الصحافي أزيد من ربع قرن، عرفته عام 1975 مصورا لجريدة المحرر، في مختلف المجالات، وبتركيز أكبر في المجال الرياضي، عرفته إنسانا صفي النفس، نقي الفطرة، في استقامة متناهية، في خاصة نفسه ومع الغير، يبذل من نفسه وجهده ليخلق بعدسته للناس عامة، والرياضيين خاصة، قسطا من السعادة، يسجل لحظات ويدونها بالصورة، يؤرخ بعدسة رافقته سنين طوال، لأشخاص وأحداث وفرق وجمعيات، احترف فن الصورة وصناعتها قبل 1975 بكثير، وجدته في الميدان وأنا أتلمس طريقا لكتابة تعليق أو صياغة خبر. أحمد كنز ابن المدينة القديمة بالدارالبيضاء، ازداد ونشأ وتزوج وأنجب ومرض ومات بنفس الشقة الضيقة، في زقاق مغلق متفرع عن زنقة بوطيل، عايش أحداث هذه المدينة العملاقة، عايش الأحداث الوطنية الكبرى السعيدة والأليمة بين سنوات الستينيات والثمانينيات خاصة، وأرخ لها بالصورة، كان يحمل إلينا كل صباح حصيلة عدسته من صور، وأكثر ما يأتينا صباح كل اثنين محملا بصور أحداث نهاية الأسبوع في زنقة الجندي روش (سابقا) مع جريدة المحرر، بمطابع دار النشر المغربية، ثم في زنقة الأمير عبد القادر مع جريدة الاتحاد الاشتراكي، وكان يمد جرائد أخرى ببعض صوره، تعرفه الملاعب والمضامير والقاعات والساحات، وتعرفه شوارع الدارالبيضاء متحركا على دراجته النارية التي كانت أكثر وفاء له، وأكثر لطفا به، تحمله، تهربه، يجف على سرجها عرقه، عاش وعايش تظاهرات فاتح ماي سنوات طويلة، مع الكونفدرالية ومع الفدرالية الدمقراطية للشغل، والتجمعات الكبرى للإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وخلدها بالصورة، كنز دائما هناك، ملتزم بمهمته وفي لتعهداته. 75 سنة زمن حياة كنز، انتهت يوم 9 يونيو 2011 في بوطويل، وفيه بدأت سنة 1936. رحل كنز في صمت، وهو الذي عاش حياة صامتة، قليل الكلام، عديم الملام، رحل إلى الأبد، وما تبث أنه أساء يوما لأحد، ترك أربعة كنوز، كنز رضوان وثلاث بنات، أما المتاع فلم يكتنز منه كنز ما تلتوي عليه اليد، عاش على كفاف، غني بكرامة وأنفة، قوي بزهد في الدنيا وصبر عليها لا يضاهى، فقد عرضت عليه مهام بالصورة من أعلى المستويات، لكن والدته تمسكت به فاختار جوارها، ظل يعمل واقفا إلى أن تهاوى وتمدد تحت ثقل المرض ، وامتد به المرض طويلا، فتحمله راضيا صابرا مصطبرا في غير أنة ولا شكوى، إلى أن لبى داعي ربه بنفس راضية مرضية. وداعا كنز، حق لنا أن نرفع الصوت بها، نحن الذين عاشرناه وعملنا معه سويا، حق لنا أن نغالب هذه الدمعة الساخنة ونكفكفها في إباء، ونحن نودع في أبسط موكب رجلا من رجال الصورة، بسيطا بساطة العظمة، عظيما عظمة البساطة، وحق علينا كما كنا مدينين له بالاحترام حيا أن نذكره بالدعاء ميتا، هناك حيث تمدد ينتظر، كلنا آتون يا كنز، سبقت بأجل ولكل أجل كتاب، سبقت وأنت تعلم أن هذا مضمار كلنا سالكوه، إن جريا سريعا أو بهرولة أو مشيا، لكل إنسان فيه انطلاقته ورقيب خط وصوله، سبقت وتركت العزاء في رضوان وأخواته، يرحمك الله، يغفر لك الله، دعاء لك من الأعماق وعن ظهر غيب، من كل الزملاء، خاصة من زملائك في جريدة الاتحاد الاشتراكي مسؤولين وصحفيين وتقنيين وإداريين وعمالا، وداعا كنز.