انتفض الزملاء في قناة الرياضية ونظموا عدة وقفات احتجاجية يستنكرون من خلالها الظروف المزرية التي تحيط بمجال اشتغالهم.. نفسها تلك الظروف والشروط دفعت بزملائنا في الإذاعة الوطنية لإعلان صوت الغضب. في محطات تلفزية وإذاعية أخرى، يحضر الغضب صامتا. هناك غليان وقلق يلفان محيط عمل الصحافيين في تلفزاتنا وإذاعاتنا.. وضع صعب يشتغل فيه منتسبو الإعلام السمعي البصري، والأصعب هو حين يبادر أحدهم لإعداد وإنجاز عمل يحمل كل مواصفات الجودة، فيصطدم بغياب كل الوسائل التقنية الضرورية.. طاقات وكفاءات يضيع جهدها، وتتكسر شوكتها، لتتغلب علامات «الخيوبة والقبح» ماسحة، أمامنا، نحن المشاهدون والمستمعون، كل ملامح الحسن والقبول.. نكتشف ونحن نتابع كيف يشتغل زملاؤنا، وأين، وفق أي شروط، أن الرداءة يخلقها غياب أدوات العمل، ولايتسبب فيها غياب المهنية أو الكفاءة. نكتشف، ونحن نلج دار البريهي أو مقر «الرياضية»، أن هناك مناضلين، مغامرين، جنود يحترقون من أجل شمعة تنير ولا تكفي للإضاءة. يتحدث أحد الزملاء في «معتقل» دار لبريهي بحسرة ومرارة وبنبرة التحدي: «عطيني وسائل جيدة للعمل، ثم قارني بعد ذلك بالشوالي وغيره..». هي متهمة بكل تأكيد حتى يثبت العكس، هي إدارة الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة. لا أتخيل أن الشركة «المليارديرة» ينقصها المال، أو تغيب عنها الأفكار، أو تفتقد للبصيرة، لكي لا تستنتج أسباب تدني نسب متابعة قنواتها وهروب المشاهدين للسفر عبر البارابول.. لن تحتاج إدارة لبريهي لمكتب دراسات لتكتشف أن داخل أقسامها طاقات بإمكانها تقديم الأجود والأفضل لو توفرت الشروط والوسائل.. بعد 50 سنة على استقلال بلدنا، لنا قناة واحدة متخصصة، ومثلها إذاعة واحدة، وحتى تلك القناة الواحدة، لم ننجح أبدا ومنذ خمس سنوات، في تطويرها، وفي الارتقاء بمنتوجها لمستوى يؤخر ولو بنسبة ضئيلة دوران البارابول! شاهدنا كيف يتحدث أصحاب الدار في «الرياضية» عن السيبة والفوضى، عن إهدار المال العام، عن تجويع هذا ونفخ الآخر، سمعنا ورأينا، كيف توقع الشيكات بسخاء، وتصرف أموال طائلة في برامج تحسب لأصدقاء أصحاب القرار.. وكيف تكمم الأفواه، وتحاصر الكفاءات، وكأنها عزبة أو ملكية خاصة، وكيف يمنع الحديث عن أي إصلاح وعن أي تصويب.. وصفها البعض، وكان ناجحا في اختيار النعت، إنها قيسارية أو سوق عشوائية! هي قناتنا المتخصصة الوحيدة، التي لاتتردد في التنقل لفرنسا مثلا، عبر فريق يتجاوز عدد أفراده العشرة، لتغطية منافسات رولان غاروس للتنس ويمكثون هناك لزهاء الشهر من الأيام، في إهدار للمال العام، لنقل منافسات لا يتابعها سوى نخبة من المتتبعين.. ولا تتردد في صرف ميزانيات كبيرة من أجل تغطية سباقات السيارات الكلاسيكية والراليات، والجيت السكي وكل الرياضات المائية، وسباقات الخيل والقفز على الحواجز، والغولف في شقيه التنافسي والسياحي، ولا تبذل أي اهتمام ولو ضئيل بتحسين جدران مقرها الداخلية، ولا تهتم بتوفير ولو جزء جد بسيط من وسائل العمل الضرورية! هي نفسها قناتنا التي ظلت تغدق كل المال الوفير لبرنامج «مستودع» رغم ما كان يصاحبه من انتقادات، بل وما كان يسببه لإدارة القناة مع الهاكا وحكماءها الذين بعثوا كل الإشارات والتنبيهات دون جدوى، ومنعته عن نقل مباريات أنديتنا الإفريقية! هي قناتنا التي منحها «باطرون» التلفزة والإذاعة كل الامتيازات، بما فيها جر البساط الرياضي من القناة الثانية «دوزيم» ومن القناة الأولى، لأجل خاطر عيونها، كما فعله نفس الأمر مع الإذاعة الوطنية لفائدة صديقه باطرون إحدى الإذاعات الخاصة! لإصلاح تلفزتنا وإذاعاتنا، أعتقد أنه يلزمنا فاصل طويل ومديد، وإلا فأكيد أننا لن نواصل!