من منطلق أخلاقيات المسؤولية ونبل الصداقة، أجدني ملزما بالقول بأن الإجهاز على برنامج ثقافي وازن ومرموق من طينة «مشارف» -الذي دأب بألمعية شاهقة، على إعداده وتقديمه الصديق المبدع والإعلامي المتميز ياسين عدنان على امتداد خمس سنوات، حفلت بالمفيد والثري من النقاشات والسجالات التي تلامس راهن وآفاق العديد من المجالات الأدبية والفنية والمعرفية، سواء على الصعيد الوطني أو العربي- يعتبر إسفينا آخر يدق في نعش حرية التعبير داخل المغرب. يبدو أن ثمة أجهزة من العهد البائد تستعير هيئة الغربان كلما اندلعت الحساسين، وتود بأي ثمن أن تعيد عقارب الزمن إلى الوراء. أجهزة متخصصة في تكميم النشيد يهمها أن تعاكس بوصلة رياح التغيير التي تكشط آخر الطبقات الرسوبية العتيقة للأنظمة الاستبدادية في عالمنا العربي المشتعل. في قلبي فراغ أسود وداخل فمي خل مّر مما حدث ومما سوف يحدث، لأنه ينبئ بأن الأفاعي في طريقها لالتهام القمر. ياسين عدنان لن يهدر ماء وجهه ولن يبوس حذاء أي مدير أو مسؤول متنفذ كي يعيدوا له طلته البهية على جمهور الكتاب لأنه كان على الدوام سامقا كالطود الأشم، ونحن عشيرة الحرف لن نقتات الرجاء كي يرجعوا لنا البرنامج الثقافي الوحيد في تلفزيون المخزن. لن ننتظر أن تيبس في عيوننا الغابات ولن نحمل أثقال الوأد في قلوبنا وحيثما مال بنا البطش الإعلامي ملنا. لن تستقر أيادينا على مفرق الأسف وكتف صاحب «رصيف القيامة»، بل علينا جميعا أن نفجر هذه الصبابة التي لن يطهرها الجرح بمبادرة مشرفة على شكل وقفة احتجاجية أمام مبنى «دار البريهي»، لكون هذه الدار الطاعنة في الخطايا لم تحترم مواطنيها الذين يسددون ميزانيتها من قوتهم، ولم تجشم نفسها حتى عناء الاعتذار لهم على الزج بموعدهم الثقافي الأوحد في غياهب المنع.. فالرجل لم يمت حيا والبرنامج لم يكن زهرة ميتة بين الرماد والحريق.. الرجل كان مرآتنا الارتدادية التي نطل من خلالها على ما يحدث عندنا رمزيا وما يمور بين أروقة صناع الوهم الجميل الذي يساعد الناس على الاستمرار في مزاولة هذه المهنة المتعبة التي تسمى الحياة. يا أصحاب العقول الراجحة والضمائر المتبصرة، القضية ليست شخصية بالتأكيد، لأنهم يودون خنق رقبة الحبقة الوحيدة التي كانت تتنفس داخل القفص... وليست لها علاقة بمن مر في بلاتو هذا البرنامج ويود رد الدين إكراما للجميل... القضية أكبر، لأنهم يجهزون تباعا على كافة حقوق المثقف في الإعلام العمومي ويوغرون السكاكين في ظهر كل عصفور حطّ على السقف... أعلن تضامني المطلق واللامشروط وبملء السخط... وأقول: إن الشعب يريد عودة «مشارف».