جيفري دفيد ساش، اقتصادي يدرس في معهد الارض بجامعة كولومبيا (نيويورك) الذي يقوده. وهو مستشار خاص للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ومدير مشروع أهداف الالفية للأمم المتحدة ورئيس ومؤسس المنظمة غير الحكومية «وعد الالفية». منذ ازيد من 20 سنة اقترح ساش مخططات علاج من الازمات الاقتصادية التي عاشتها بوليفيا، بولونيا وروسيا. و عمل مستشارا في عدة مؤسسات دولية: صندوق النقد الدولي، البنك العالمي، منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، منظمة الصحة العالمية. في سن 57 سنة من عمره، ظل جيفري ساش الجامعي الوحيد الذي كان عدة مرات ضمن ترتيب الشخصيات الاكثر نفوذا في العالم التي تصدرها الاسبوعية الامريكية «تايمز ماغازين» ، وهو عضو في لجنة تحكيم جائزة «وايز برايز»(جائزة القمة العالمية للابتكار في مجال التعليم ) التي تعتبر بمثابة نوبل في مجال التعليم والتربية وتبلغ قيمتها (500000 دولار) وستمنح جائزتها الاولى في نونبر المقبل بالدوحة (قطر) . القمة العالمية للابتكار في مجال التعليم، لقاء عالمي سنوي للتفكير في مجال التربية والتعليم يجلب أزيد من 100 دولة وحوالي ألف شخص من الخبراء واصحاب القرار في هذا الميدان. { هل تعتقد أن التربية تتقدم أم تتراجع في العالم؟ منذ اقرار اهداف الالفية سنة 2000 ، تزايد عدد التلاميذ المتمدرسين في العالم، مما سجل تقدما في قيمة المحتويات، ولكن مازالت هناك العديد من الدول الفقيرة التي لا يذهب فيها الاطفال الى المدرسة وبالاحرى الى الثانوية. والثانوي لم يتقدم مثل الابتدائي وظل متأخرا. و هذا امر مقلق لاسيما وان التعليم الابتدائي لا يؤهل الاطفال لمجتمع القرن 21 ، والادهى من ذلك ان الهوة لاتزال كبيرة بين نسبة تمدرس الفتيات والاطفال، خاصة في الثانوي. لكن الدول النامية ليست و حدها التي يتعين عليها ان تتعبأ في مجال التربية والتعليم. ففي الدول المتقدمة ماتحقق من تطور لا يستفيد منه الجميع بنفس الطريقة. ونلاحظ ذلك في بلدي الولاياتالمتحدة. في بعض المدن نصف التلاميذ يغادرون الثانوية خاصة اذا كانوا فقراء ومن الاقليات. هذا الهدر المدرسي يعيقهم في الحصول على شغل قار و مدر للدخل. في الولاياتالمتحدة المحتوى الدراسي للطفل رهين بشكل كبير بالعائلة التي ينحدر منها. فالاطفال من عائلات ذات دخل مرتفع ينهون مشوارهم الجامعي. على عكس الاطفال من عائلات ذات الدخل الضعيف وهو ما يساهم في استمرار الوضع السوسيو اقتصادي للعائلات مع توالي الاجيال. { ماهي الحصة من الناتج الداخلي الخام التي يتعين على دول مثل الولاياتالمتحدة او فرنسا تخصيصها للتعليم؟ الدول الاكثر نجاحا تستثمر من %6 الى %8 من الناتج الداخلي الخام في التعليم. تضاف الى ذلك ميزانية البحث والابتكار التي تراوح حدود %4 من الناتج الداخلي الخام في الدول الاكثر ابتكارا نصف الموارد يأتي من القطاع العمومي والباقي من القطاع الخاص. { في نظركم كاقتصادي، هل الرئيس اوباما واع بأن كل دولار يوضع في هذا القطاع يجب ان يعتبر استثمارا اكثر منه نفقة؟ الرئيس اوباما واع جدا بهذه الاولوية، ولكنني أخشى ان لا يرتفع الاستثمار التربوي وان تواصل ازمة الميزانية تأثيرها. { ولكن مع ذلك هناك تناقض: التأكيد على أن التعليم سبيل نحو التنمية وفي نفس الوقت الاقتطاع من الميزانيات بمرر التقليص من الدين. الدول السكندنافية توضح هذا الطريق: بالامكان الانفاق كثيرا في الحاجيات الاجتماعية ومن بينها التعليم دون الاخلال بتوازن الميزانية. ولكن يجب بالضرورة اعتبار الضرائب بمثابة الثمن الواجب اداؤه من اجل تطوير الحضارة في الولاياتالمتحدة بفضل تقليص النفقات بدل ان نطلب من كل مواطن مجهودا لبناء مجتمع تحضر، متعلم، وعادل. وتقليص ميزانيات التعليم والصحة والعلوم والتكنولوجيا او التنمية المستدامة هو اختيار خاطئ. بالمقابل التقليص من الميزانيات العسكرية، ورفع الضرائب على الشركات وعلى الاغنياء او القضاء على الواحات الضريبية هو الطريق لبناء مجتمع عادل ومنتج. { في انتظار ذلك، هل من المسموح اليوم القبول بأن يكون لدينا اطفال لا يعرفون القراءة بعد عشر سنوات قضوها في المدرسة؟ في الوقت الراهن يمكن للمعالجة ان تساعد هؤلاء الاطفال و هؤلاء المراهقين الذين تركوا على الهامش. ولكن هذه الحلول لا تعفينا من عمل في العمق حتى نتفادى أن يجدوا انفسهم في وضعية متأزمة في سن 13 او 14 سنة. هؤلاء الشباب كبروا في الغالب في الفقر. وبالتالي فالاستثمار في التعليم ورأس المال البشري يجب ان يتم مبكرا. قبل الدخول الى المدرسة. يجب ان يعطى للجميع ، اغنياء وفقراء ،مستوى جيد. نعرف ان نقص الاستثمار في الطفولة المبكرة له عواقب على المسار الدراسي: الصحة، أمل الحياة، وحتى على البيئة. لقد ركزنا كثيرا على اصلاح الثانوي والاعدادي، ولكن لا يجب ان ننسى أن نجاح حياة بكاملها يبنى خلال الطفولة المبكرة. { تحسين اجور المدرسين، تحسين تكوينهم او تقليص عدد التلاميذ في القسم.. ما الذي سيجعل انظمتنا التعليمية فعالة؟ اولا، الوعي بأن الزمن السياسي والزمن التعليمي او التربوي لا يتطابقان. بالنسبة للفرد كما بالنسبة للمجتمع. التعليم استثمار على المدى الطويل، يجب النظر للتكوين كمسلسل يمتد على مدى حياة بأكملها من الطفولة المبكرة، حتى الكهولة. في الولاياتالمتحدة تم احداث 5000 مدرسة مستقلة ، وهي مدارس خارجة عن القواعد. يؤسسها في الغالب مدرسون او اولياء تلاميذ. تتمتع باستقلال ذاتي واسع في التدريس وفي البرامج التعليمية بالرغم من وجود تمويل عمومي . يمكن ايضا تحسين التكوين البيداغوجي للمدرسين ، كل هذا أمر جيد. ولكن هذه ليست سوى تحسينات تقنية. التغيير الحقيقي لا يمكن أن يتم الا عندما نكون قد دخلنا في نظرة كونية للتربية. وعندما نفهم ان التربية هي القيمة الاجتماعية والاخلاقية الاساسية لمجتمعاتنا ، ويجب ان تكون الاستثمار الاول لاقتصاد الرفاه والعيش الحسن. { هل تؤمنون بالدور المحوري للتكنولوجيات الحديثة لنشر المعرفة؟ التكنولوجيات تمنحنا وسيلة لضمان تقاسم عالمي عادل للمعرفة. وباستحضار ذلك في الاذهان، انخرط معهد الارض بجامعة كولومبيا مع شركة اريكسون والمنظمة غير الحكومية «وعد الاليفة» في مبادرة عالمية لربط اقسام الدراسة بالانترنيت. انها وسيلة بالنسبة للطلبة والاساتذة في العالم أجمع، حتى في القرى النائية، للوصول الى موارد تربوية جيدة. وجامعة كولومبيا طورت ايضا «قاعة درس عالمية» تربط بين جامعات العالم اجمع عبر «دارات الفيديو». وقريبا منا فإن اللاتكافؤ الاجتماعي ازاء الوصول الى الدبلومات، يعتبر انشغالا كبيرا، خاصة وانه خلال السنوات الاخيرة ارتفعت بشكل كبير رسوم التسجيل في الجامعات و المشكل يأتي جزئيا من كون جامعاتنا لم تدمج التكنولوجيا الحديثة الا جزئيا. أعتقد أنه بإمكاننا القيام بإنجازات كبيرة في مجال الولوج الى التعليم العالي في العشريات القادمة فقط بتطوير استعمال التكنولوجيات الحديثة، لانها تسمح بالوصول الى المعرفة بعيدا عن قاعات الدرس. وهذا سيؤدي الى ثورة في التدريس والبرامج، فطلبتنا «الرقميون» سيجدون انفسهم في هذه الثورة. ومقاربة مجتمعنا الكوني ستكون اخلاقية اكثر مع ملاءمة افضل للتكوينات مع الحاجات المتحركة بسرعة للسوق العالمي للشغل. { هل عدم اهتمام الشباب الاوربي او الامريكي بالعلوم يقلقك؟ العلوم تبقى نافذة على الطبيعة وتمكننا من تكوين نظرة نقدية حول الطبيعة البشرية. واذاما تخلينا عن العلوم، لن نستطيع ابدا رفع اهم تحديات القرن 21 : الطاقة النظيفة، الامن الغذائي، القضاء على الاوبئة العالمية. وللحفاظ على الانتاجية والتنافسية داخل منافسة عالمية شرسة،لابد من كفاءات علمية وتكنولوجية صارمة. الاقتصاديات الاسيوية راهنت بحكمة على الاستثمار بكثافة في تكوين العلماء والمهندسين وتستفيد من ذلك لفائدة اقتصادياتها الخاصة، ولكنها ايضا تساهم في تقدم العالم أجمع. بالنسبة للولايات المتحدة استمرارها في الريادة في مجال التفوق العلمي أم لا رهين بالاختيارات التربوية في مجال العلوم. ومن واجب الحكومات ان تشجع الاهتمام بالرياضيات والعلوم . من مهامها ان تبرز اهمية العلوم بالابقاء على تمويل المبادرات العلمية وتحفيز الاهتمام بهذه المجالات. لابد من مساعدة الطلبة المحرومين ماديا الذين يتوفرون على مؤهلات بارزة في هذه المجالات، لان بلوغ الامتياز فيها يكلف كثيرا. ولايجب ان ننسى كذلك ان تمثيلية النساء في هذه المجالات مازالت ضعيفة ويجب على السياسات العمومية ان تحارب هذه النقائص ويجب ان تتطور المعايير الاجتماعية. { انت عضو في لجنة تحكيم أول جائزة عالمية للتربية التي ستمنح جائزتها الاولى في الخريف المقبل. لماذا؟ الجوائز الكبرى لها هذا الدور التحفيزي والتشجيع على انتاج الافكار. وانا على يقين بأن هذه الجائزة ستلعب هذا الدور، وهذا صحيح بشكل خاص عندما اصبحت العولمة وتكنولوجيات الاتصال والاعلام ومجتمعات المعرفة تضع موضوع التربية والتعليم في مكانة متميزة في الاجندات الدولية.