وجهت محكمة أمريكية أول أمس الخميس رسميا تهما لدومنيك ستراوس كان مدير صندوق النقد الدولي السابق بالتحرش الجنسي ومحاولة اغتصاب، كما قررت الافراج عنه بكفالة قدرها مليون دولار وضمانة قدرها خمسة ملايين دولار مقابل بقائه قيد الاقامة الجبرية في منزله بانتظار محاكمته. وقرر قاضي المحكمة مايكل اوبوس أن يخضع شتراوس كان لمراقبة الكترونية على مدار24 ساعة إلى حين موعد محاكمته. ويأتي قرار المحكمة بعد ساعات من إعلان ستراوس كان استقالته من منصبه بعد اتهامه بالتحرش الجنسي بعاملة بأحد فنادق ولاية نيويوركالأمريكية. المتابعة القضائية التي يتعرض لها المدير المستقيل لصندوق النقد الدولي بنيويورك والتي صدمت بشكل كبير الرأي العام الفرنسي كانت لها انعكاسات كبيرة سواء بفرنسا أو بأوربا. ففي الوقت الذ ي توجد فيه العملة الأوربية في وضعية حرجة جراء الأزمة التي تتخبط فيها اليونان والبرتغال، والتشتت الأوربي حول الموقف والطريقة التي يجب اتباعها لمساعدة هذين البلدين للخروج من الأزمة. وهل من الضروري منحهما قروضا جديدة أم مطالبتها بالتقشف أكثر كما تطالب بذلك ألمانيا أحد الممولين الأساسين للقروض الأوربية إلى اليونان التي تناهز 149 مليار أورو والتي وافق صندوق النقد الدولي على المساهمة بها. لا أحد كان يتوقع أن اعتقال ومتابعة أحد أقوى رجال العالم وبهذه الطريقة التي وصفت بالمهينة، ستكون لها كل هذه الانعكاسات السلبية، وبهذه السرعة. أول الخاسرين كان هو الحزب الاشتراكي الفرنسي، الذي فقد مرشحا ظل يتصدر استطلاعات الراي الفرنسية حول الانتخابات الرئاسية المقبلة. وكان يتقدم على كل منافسيه سواء داخل عائلته السياسية اليسارية أو في المشهد السياسي الفرنسي، حيث كان يتقدم على الرئيس الحالي ومرشح الاغلبية الحاكمة بفرنسا نيكولا ساركوزي أو على زعيمة الحزب اليميني المتطرف الفرنسي مارين لوبين. لكن فقدان الحزب للمرشح المفضل لدى الفرنسيين جعله يتخبط في أزمة حقيقية، خاصة أن الكاتبة الاولى للحزب مارتين اوبري يجمعها اتفاق مع ستراوس كان بأن يترشح باسم الحزب الاشتراكي، لما له من امتياز وخصوصا لدى الرأي العام الفرنسي، وهو الأمر الذي تمخض عما يسمى لدى الاشتراكيين الفرنسيين باتفاق مراكش. إن اختفاء ستراوس كان لأسباب قضائية سيدفع الكاتبة الاولى إلى الترشح وكذا عدد آخر من الاشتراكيين مما سيجعل الانتخابات التمهيدية صعبة. هل ستعطي للفرنسيين بالضرورة المرشح المفضل رغم أن استطلاعات الرأي حاليا هي في صالح فرنسوا هولند زعيم الحزب السابق. وهي كلها معطيات تنذر بمعركة قوية داخل الحزب يمكن أن تكون لها تأثيرات سلبية على الحملة الانتخابية للرئاسيات المقبلة. اعتقال دومنيك ستراوس كان، كانت له انعكاسات سلبية أيضا على المفاوضات الجارية حول مساعدة اليونان من جديد، هذه المساعدة التي ترفضها ألمانيا والتي تعتبر ان بلدان جنوب أوربا بصفة عامة لا تقوم بالتقشف اللازم في المصاريف من أجل إصلاح وضعها المالي. كان مدير صندوق النقد الدولي يتمتع بثقة المستشارة الالمانية انجيلا ميركل، وكان يقنعها ببرهان قوي، هو ان انهيار عملة الأورو يعني ألمانيا أولا، باعتبارها المستفيد الأول من منطقة الاورو. وبغياب دومنيك ستراوس كان سوف تتعقد المفاوضات الاوربية الاوربية مما يهدد بانهيار الأورو، بل هناك خطر اختفائها في حالة عدم إيجاد اتفاق ملائم ، بالإضافة إلى الصراع الدولي على رئاسة صندوق النقد الدولي والتي تطالب بها البلدان الصاعدة بعد ان كانت حكرا على الاوربيين. لكن الفرنسيين عبروا عن رغبتهم في ترشيح وزيرة المالية الحالية كريستين لاغارد، وهو الأمر الذي تدعمه المانيا، مما يعني أن الصراع على خلافة المدير المستقيل قد بدأت. طبعا منذ تولي دومينيك ستراوس كان، مسؤولية صندوق النقد الدولي هي محاولة إعادة التوازن إلى ماليته التي كانت في حالة سيئة سنة 2007 من خلال بيع احتياطي الذهب وتسريح جزء من الأطر. سعى المدير السابق إلى تحسين صورة هذا الصندوق لدى البلدان النامية التي لها صورة سيئة عن هذه المؤسسة التي كانت تفرض على هذه البلدان تطبيق سياسات لا شعبية. سواء بالمغرب أو تونس مصر ماليزيا او البرازيل او غيرها من البلدان الصاعدة. وهو ما تمكن منه جزئيا ،من خلال اعفاء البلدان المتواضعة من فوائد الديون المتراكمة عليها. طبعا الظروف التي غادر فيها دومنيك ستراوس كان صندوق النقد الدولي حرمت فرنسا من لعب دور أساسي، حيث أن رئاسة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لمجموعة 20 الكبار كانت فرصة للقيام ببعض الإصلاحات المالية ،وهو ما يجعل فرنسا اليوم تسعى إلى الاحتفاظ بهذا المنصب على رأس صندوق النقد الدولي .