هل يحق للسلطة التنفيذية في أي بلد أن تستغفل السلطة التشريعية عن طريق تمرير قوانين تتعلق بقطاعات تقنية لا يتوفر كل البرلمانيين على معلومات تفصيلية ودقيقة للقيام بدراستها بسرعة وبدون الانتباه إلى بعض جوانب خطورتها على مستقبل البلاد ؟ هذا بالذات ما يمكن استخلاصه من الندوة العلمية التي احتضنها مقر الغرفة التجارية للقنيطرة يوم الجمعة 13 ماي بمبادرة من جمعية «أمبوك» التي تهتم بحماية المستهلك على مستوى الآثار المخلة بسلامة البيئة ومحاربة التلوث على ضفاف نهر سبو بالمهدية المجاورة للقنيطرة أي المنطقة التي تعتبر الامتداد الإيكولوجي لعاصمة الغرب. الدعوة إلى الندوة العلمية جاءت من باب الحرص على حماية مستقبل هذه المنطقة المهمة في الحركة الاقتصادية الوطنية، وبالذات حماية الساحل وتنميته ضد الأخطار التي تنطوي عليها بعض جوانب النصوص التشريعية المعروضة حاليا على البرلمان. اهتم المشاركون في الندوة بتقرير علمي على جانب كبير من الأهمية للدفاع على السواحل من أجل تنمية مستدامة والتركيز على آثار عمليات الجرف التجاري بالسواحل وأعماق نهر سبو، على امتداد ست كيلومترات مربعة، لتحويل أوحال إلى رمال. أشرف على إعداد هذا التقرير الهام من حوالي مائة صفحة الأستاذة الباحثة بجامعة ابن طفيل عائشة بن محمدي بالتعاون مع الأستاذ مصطفى لبرايمي من جامعة محمد الخامس بالرباط، وهما مختصان في مجالات البيئة البحرية والآثار الخطيرة لعمليات الجرف التجاري للأوحال لاستخراج الرمال، عمليات تراهن بعض الشخصيات على فوائدها وعائداتها المالية. الخطر يكمن هنا في أن جهات تقنوقراطية أصبحت تنتحل منذ وقت ما، صفات حزبية لحضورها في الحكومة، جهات لها حساباتها وتقنياتها للاستفادة من مواقعها لفائدة بعض «الأصدقاء» في شركات عامة أو خاصة فيما بعد، وتبقى الغاية الأساسية هي السطو على الساحل بطرق « قانونية « ومن هنا الحاجة إلى عرض بعض النصوص القانونية على برلمان لا يتوفر كل أعضاء لجانه المختصة على الخبرة الضرورية لاستجلاء الملابسات والجوانب الخطيرة لبعض المشاريع والقدرة على استيعاب الجوانب الخفية لبعض النصوص القانونية: مثلا الصيغة التعديلية لمشروع القانون رقم 06-31 المتعلق بحماية الساحل وتنميته، صيغة أعدتها كتابة الدولة المكلفة بالماء والبيئة. وهناك مشروع قانون آخر لتعديل القانون 08-01 المتعلق بالمقالع أعده وزير التجهيز والنقل والذي ينتظر الفرصة المناسبة لعرضه على البرلمان، وإن كان هناك تردد بعدم التعجيل في هذا الأمر، فالسبب يعود إلى الجو السائد حاليا في الشارع المغربي حيث المطالبة بمحاربة اقتصاد الريع وضرورة إسقاط الفساد مع الإشارة إلى أسماء شخصيات معروفة أو غير معروفة عند عامة الناس، والهدف من هذا التعديل هو إقحام ظاهرة جديدة في المغرب هي مقالع تحت مائية في أعماق البحار والتي لا علاقة لها بقانون المقالع المنشور بالجريدة الرسمية. القاسم المشترك بين هذه القوانين هو إقحام عمليات الجرف قصد التجارة والتي تنطوي على العديد من الأخطار. هناك أناس يتحملون مسؤوليات سياسية أو إدارية في قطاعات تقنية أو غير تقنية أصبحت أسماءهم متداولة بشأن علاقات مع شركة «درابور» أو مع شركة «إيكسبورسا» وتهتم أساسا بعمليات الجرف التجاري التي لا علاقة لها بالجرف العادي الذي يضع في الحسبان حماية الممرات المائية النهرية وهي عمليات محدودة في الزمن والمكان... والمكان طبعا هو نهر سبو وهو الوحيد في المغرب القابل للملاحة النهرية. ومن المعلوم أن عمليات الجرف التجاري في قعر نهر سبو بالمهدية، تهدف إلى استخراج أوحال معدة لأوراش البناء كرمال في مناطق السكن الاقتصادي علما بأن هذا الصنف من الرمال لا تتوفر فيه المواصفات والشروط الضرورية، أي الصلاحيات لضمان جودة البناء في أحياء السكن الاقتصادي والجميع يتذكر هنا انهيار مشروع بناء الحي التجاري «المنال» في مدينة القنيطرة. ويتحدثون عن وجود كميات كبيرة مكدسة قرب أوراش مشروع بناء مدينة جديدة في تامسناجنوبالرباط. ولا بد هنا من الإشارة إلى الخلفيات التي يتستر عليها من يقدمون للبرلمان بعض النصوص القانونية حيث يشرح الخبراء المهتمون بالساحل المحاذي للمهدية ومصب نهر سبو وسواحل المحمدية وأزمور والعرائش وغيرها من المناطق المشمولة بمشاريع من ذات النوع، والتي تخضع لعمليات جرف مكثفة، بدعوى تخليصها من الرواسب الملوثة ومن النفايات وكل ما يعيق الأنشطة الاقتصادية والسياحية وغيرها في مصب الأنهار والوديان والموانئ الموجودة بها أو بجوارها: إذا كان الكل يحبذ هذا التوجه ويشجعه ويسانده نظرا لما ينطوي عليه من مصالح عامة، فلا يعقل أن تتحول الغاية المعلنة إلى ذريعة لتحقيق أغراض أخرى لا يدركها عامة الناس ويعرف خباياها وأسرارها تقنيون ينظرون فقط إلى مصالح جد خاصة. هذه العمليات تتم من خلال جرف الأوحال ولكنها لا تقف عند الحد المطلوب، بل تتجاوز استصلاح سرير الأنهار ومساحة المرافق المينائية الضرورية لحركة سلسة للنقل النهري وممارسة الأنشطة الإنسانية والاجتماعية، وبذلك تؤدي عمليات الجرف التجاري إلى كسح قعر المياه وجوانبها أي الفضاء الذي يربطها بالبر على امتداد مساحات تتجاوز حاجيات التطهير المعلن عنه، بل يصل الأمر إلى المساحة الترابية المحاذية لمياه البحر. وهكذا تشمل هذه العمليات أيضا مكونات حيوية من الثورة الحيوانية والنباتية الضرورية جدا لحياة الإنسان وسلامة البيئة المحيطة به. و يهتم الخبراء الجامعيون المغاربة بجانب التخلص من المواد الضارة المشار إليها إما بطرحها أو تخزينها أو إتلافها حسب التقنيات الجاري بها العمل في الأقطار المتحضرة بهدف تلافي أضرارها بالنسبة للإنسان والبيئة. لكن الواقع، كما قيل في ندوة القنيطرة، هو أن عمليات الجرف بالسواحل المذكورة تتم في شروط مخالفة لهذه المتطلبات لأن الهدف أصلا هو استغلال تجاري لرمال ممزوجة بنفايات في قطاع البناء وذلك في ظل تجاهل مطلق لما ينتج عن ذلك من أضرار. لهذا يمكن الحديث عن تغطية شرعية أي تطويع تشريعي في خدمة أهداف لا علاقة لها بتطهير السواحل والموانئ والأنهار. من هنا يُستحسن أن لا تكتفي اللجان البرلمانية ببحث النصوص القانونية مع الجهات الحكومية، بل لا بد كذلك من الاستماع إلى وجهات نظر الباحثين الجامعيين والاستفادة من خبرتهم ومن غيرتهم على مستقبل السواحل المغربية. والحمد لله على كون المغرب يتوفر على كفاءات ومهارات وطنية لا تتقاسم بالضرورة مع بعض التقنيين، انشغالاتهم و... ارتباطاتهم، ذلك أن في بعض القطاعات الوزارية التقنية وغير التقنية أناسا يفكرون بعقليات أخرى تتجاهل كون بلادنا تطورت وأصبح لها أساتذة باحثون يصعب تهميشهم وإبعادهم عن ممارسة حقهم في الدفاع عن حوزة الوطن وسلامة أرضه وبحاره ومن حقهم كذلك أن يمارسوا معارضتهم للحد من مساحة التراب الوطني في البر أو البحر. التقرير الذي أعده الأستاذان الجامعيان يتعرض لأبحاث ودراسات أنجزتها وزارة التجهيز عن طريق شركة SOGREAH الفرنسية والمختبر المغربي للدراسات العمومية LPEE حيث الحديث عن تراجع شاطئ المهدية بمعدل 3 إلى 4 أمتار كل سنة وهذا معناه أن المهدية مهددة كشاطئ بالموت بعد عشر سنوات أو ثلاثة عشر سنة مع ما يتولد عن هذا الموت التدريجي من أخطار على مستوى الصيد البحري أو السياحة والسباحة في فصل الصيف. لهذا فالمطلوب الآن في إطار دراسة لجان البرلمان لقانون 01/36 المتعلق بالساحل، عدم الاكتفاء بالنظر من زاوية حماية الساحل، على مستوى اليابسة، بل الاهتمام أيضا بالناحية المائية التي ستعاني أكثر من خلفيات عمليات الجرف التجاري. هذا علاوة على أن بعض النصوص المعروضة على البرلمان تتجاهل مقتضيات يقرها التشريع الوطني وأحكام القانون الدولي والاتفاقيات التي صادقت عليها بلادنا: (مونتريال 1992 و بال 1995) في موضوع حماية نقل النفايات الخطيرة، وأوفاق فيينا ولندن وكوبنهاجن لعام 1995، وبروتوكول كيوطو لعام 2002، وكذلك الاتفاقية الدولية لحماية البحر الأبيض المتوسط 1999، واتفاقية الشراكة التي تربط بلادنا بالاتحاد الأوروبي. في هذا الصدد يجدر التنويه إلى أن الوزارة المكلفة بالبيئة تنهج سياسة رصينة في العمل على ملائمة التشريع الوطني ذي الصلة مع هذه الاتفاقيات الدولية. لكن هذا التوجه الوجيه يغيب عن ذهن واضعي القوانين الجديدة المتعلقة بالساحل أو عمليات الجرف التجاري رغم ما في الأمر من تعارض مع المبادئ النبيلة للاتفاقيات الدولية ومع القيم السامية الدستورية الحامية لحياة المواطنين وحقهم في سلامة البيئة والتعارض مع أحكام الشريعة العامة بما فيها قانون العقود والالتزامات، ومحاربة المواد السامة ، ومحاربة الغش وحماية المستهلك. ويبرز هنا التعارض بوضوح أكثر مع قانون الماء رقم 95-10 والمرسوم رقم 717-95-2 الخاص بالحماية ضد التلوث البحري العرضي، والقانون 95-42 المنظم لاستعمال المبيدات والقانون 01-08 المعروض تعديله أو بالأحرى تشويهه، والقانون 03-12 الذي يلزم المستثمرين مسبقا بأن ينجزوا بصورة منتظمة دراسات حول مخلفات نشاطاتهم على البيئة، والقانون 90-12 المنظم لإعداد التراب الوطني. هذه كلها مواضيع اهتم بها المشاركون في الندوة العلمية التي احتضنتها الغرفة التجارية للقنيطرة لعلها ندوة تكون قد دقت ناقوس الخطر حتى يتمكن البرلمان من إنقاذ المهدية المهددة بالزوال.