عرف اليوم الخامس للمهرجان كان السينمائي الدولي عرض الفيلم العربي الوحيد المشارك ضمن مسابقات المهرجان وهو فيلم «هلق لوين؟» (والآن إلى أين؟) للمخرجة اللبنانية نادين لبكي، الذي تم اختياره ضمن مسابقة «نظرة ما». وهو الفيلم الثاني للمخرجة بعد فيلمها الروائي الطويل الأول «سكر بنات (أو كاراميل)» الذي عرض عام 2007 بكان ضمن مسابقة نصف شهر المخرجين. والحقيقة أن «هلّق لوين؟» كان مخيبا لآمال كثيرين ممن تصوروا أن الفيلم الجديد للمخرجة سيكون أفضل من فيلمها الأول، حيث كان جد ضعيف بالمقارنة معه، وذلك لسبب بسيط هو أنها اختارت موضوعا في منتهى التعقيد يتجاوز قدراتها على الفهم والتحليل، بخلاف موضوع فيلمها الأول الذي كان في متناول يدها، قريبا منها، وتملك القدرة على التحكم فيه بشكل أفضل. ليس موضوع الفيلم شيئا آخر سوى التمييز الطائفي القائم في لبنان (وربما في مناطق أخرى في العالم العربي) بين المسلمين والمسيحيين، وذلك انطلاقا من قرية تتعايش فيها الطائفتان معا منذ عقود عدة دون أدنى مشكل، إلى أن تصلها بذور الصراع بين الطائفتين عن طريق جهاز التلفزيون الذي يتم إدخاله إلى القرية لأول مرة، فيفتح أعين سكانها على العالم، إلا أنه يفجر الصراع الطائفي بينهم. ولأن الموضوع أكبر من طاقة المخرجة على الفهم والتحليل، فإنها تقدم لنا عملا سينمائيا ضعيفا ومبهما يتردد بين الكوميديا والدراما والكوميديا الموسيقية، ويخلق عالما مغرقا في البعد عن الواقع، تتحول النساء فيه إلى «مناضلات» من أجل إخماد العنف الطائفي بمختلف الوسائل (جلب راقصات أوكرانيات إلى القرية، تخدير الرجال من أجل منعهم عن حمل السلاح ضد بعضهم البعض، تحول النساء المسيحيات إلى مسلمات والمسلمات إلى مسيحيات: في إطار «الكوميديا، طبعا»...)؛ مثلما يتحول الرجال قاطبة (مسلمين ومسيحيين) إلى دعاة حرب، لا أسهل بالنسبة لهم من حمل السلاح والشروع في القتل. وذلك بالإضافة إلى الوقوع في المباشرة عن طريق خطابات درامية زاعقة، نسائية بالخصوص، تدعو الرجال إلى التوقف عن التفكير في الحرب لأنها لا تجلب سوى الدمار وتحطيم علاقات طيبة متواصلة منذ عشرات العقود بين سكان القرية مع اختلاف دياناتهم. ولابأس، في ظل هذا الالتباس الكبير، من أن تخلق المخرجة لنا مواقف بعيدة عن التصديق، من قبيل الأم المسيحية التي يقتل ابنها خارج القرية، وبدل أن تدفن جثته تخفيها في بئر خوفا من أن يؤدي الإعلان عن موته إلى اندلاع «فتنة طائفية»، أو إطلاقها للرصاص على رجل ابنها كيلا يخرج من البيت ويساهم في اندلاع تلك «الفتنة». هذا دون الحديث عن السرعة والاستسهال في كتابة السيناريو وفي طريقة الإخراج والمونتاج، بما يولد لدى المشاهد الانطباع بأنه أمام فيلم أعدّ على عجل؛ ويطرح، في الوقت نفسه، تساؤلات كبرى حول اختيارات أفلام مسابقة «نظرة ما» لهذا العام، والتي يبدو أنها قدمت تنازلات كبيرة وغير مفهومة جعلتها تنتقي أفلاما بمقاييس بعيدة كل البعد عن تلك المعتادة في هذه المسابقة طيلة عشرات السنوات. بما يفسر إدراج عدد كبير من الأفلام الضعيفة ضمن مسابقة هذا العام، وأفلام مخرجين سبق لهم أن دخلوا المسابقة الرسمية في سنوات سابقة (مثل الأمريكي غاس فان سانت الذي سبق له أن حصل على السعفة الذهبية عام 2003 عن فيلمه «الفيل»، ووضع فيلمه الجديد «قلق» أو «بدون راحة» في افتتاح مسابقة «نظرة ما») رغم أن المنطق البسيط يفرض إما إدخالهم ضمن تلك المسابقة الرئيسية أو تركهم يجربون حظهم في مهرجانات عالمية أخرى. ولنا عودة إلى الموضوع.