قدمت يوم 3/3/2011 مسرحية «تغريبة الحسن الوزان» بمسرح محمد الخامس بالرباط.كتب النص الدرامي الأستاذ أنور المرتجي.والمسرحية من إخراج المخرج المسرحي بوسلهام الضعيف. قدمت هذه المسرحية على خشبة المسرح المذكور فرقة «مسرح الشامات»من مكناس. كان استهلال المسرحية هو ترديد كلمة «لا» من قبل خمس شخصيات/ممثلين.هذه «لا» يمكن تقديم تفسير لها انطلاقا من العرض المسرحي في مجمله.هذا التفسير يتعلق بشخصية الوزان نفسه وببعض مواقفه لاسيما تلك التي اتخذها أو أجبر على اتخاذها لما كان في روما عند البابا.لكن شخصيات المسرحية تتعدى خمس شخصيات،لذلك هناك من الممثلين من أدى أكثر من دور.كلمة «لا» قدمت بعد الترديد بإيقاع مضبوط.ثم بدأت تظهر تباعا على الخشبة شخصيات تحمل كل منها حقيبة سفر.السفر من الزمن الحاضر إلى الزمن الماضي.دليل ذلك استعمال الهاتف المحمول في بداية المسرحية واستعمال ملابس عصرية من لدن الساردة وكذلك شخصية الحجوي بوصفه ساردا ومحاورا للوزان.وهو حوار لا يمكن أن يكون إلا متخيلا لأن هناك مسافة زمنية فاصلة بين الشخصيتين. في بداية المسرحية أيضا تمت الإشارة إلى الريف وسوس انسجاما مع الأحداث المسرحية وحياة الحسن الوزان بالذات.وقد كان الانتقال من الحاضر إلى الماضي عن طريق قراءة في كتاب.كانت كل شخصية بعد قراءة جمل تتعثر في القراءة لكي تشرع شخصية أخرى في القراءة بعد تصحيح الخطأ.ويبدو أن الدافع إلى هذا الاختيار هو الرغبة في دفع الرتابة أثناء القراءة. كان الزمن المسرحي في معظمه، وليس في كليته، مرتبطا بالزمن الماضي الزمن الذي عاش فيه محمد بن الحسن الوزان الملقب بليون الإفريقي.وعلى هذا الأساس،يمكن القول بأن التاريخ هيمن في المسرحية أكثر من الحاضر.هذا التاريخ كان دافعا إلى استعمال السرد في العرض المسرحي،ومنه السرد الذي من خلاله قدم الحسن الوزان نفسه إلى الجمهور.لكن الحاضر ليس غائبا تماما في العرض المسرحي.إنه حاضر عبر الشخصيتين الساردتين،وحاضر عن طريق الرسائل (Messages ) التي كانت تتلفظ بها الساردة والسارد أيضا.وقد لجأ المخرج المسرحي إلى تعزيز هذه الرسائل، التي كانت لغوية، بواسطة حركات يدوية للممثلة التي أدت هذا الدور.حركات يبدو أن المخرج سعى من خلالها إلى تعميق دلالة المنطوق اللغوي. هذه الرسائل تتعلق بالمغرب والتسامح الديني في الزمن الحاضر.وقد فضل العرض المسرحي نوعا معينا من الثقافة ضد نوع آخر،يبدو،من خلال سياق العرض المسرحي،أنه فارغ المضمون والمحتوى.وهنا تجدر الإشارة إلى علاج «مرضى» بالموسيقى الأندلسية وبالطريقة الحمدوشية.هؤلاء «المرضى»غير منفصلين عن عالم الفكر والثقافة.وقد دلت حركاتهم على أنهم كذلك. الربط بين الماضي والحاضر في المسرحية جسده، من جهة، سارد هو الحجوي،الذي قال بأنه يتقاسم مع الحسن الوزان قواسم مشتركة ومنها «جامع القرويين»بفاس حيث درسا معا،ولكن في زمنين مختلفين تفصل بينهما قرون.فكل منهما نهل العلم من هذا الجامع،كما جسدت هذا الارتباط الزمني أيضا،من جهة أخرى، ساردة لم تقتصر على عملية السرد ولكنها كانت أيضا محملة برسائل تتعلق بالمغرب.رسائل هذه الساردة ذات إيحاءات تتجاوز الزمن الماضي،زمن الحسن الوزان،لترتبط بالزمن الحاضر.ولم تقتصر مهمة الحجوي على السرد فقط،، بل إضافة إلى هذا كانت مهمة هذه الشخصية هي محاورة الوزان حول بعض اختياراته ومواقفه.والملاحظ هو اختلاف موقع السارد الحجوي والساردة في الخشبة المسرحية.ذلك أن السارد الحجوي كان جهة الحقل Coté jardin ،يخاطب الجمهور مباشرة أحيانا فيكون وجهه متجها نحو هذا الأخير،ويحاور الوزان فتتغير وضعيته على الخشبة لكي يخاطب مباشرة الشخصية المذكورة.أما الساردة فكانت في جهة الساحة أو الفناء .Coté courوتم تقديم المشاهد الأساسية وسط الخشبة،ومنها مشهد التعميد،وفي عمقها أيضا. في بداية المسرحية كانت هناك شخصية تستعمل على الرأس قبعة يهودية،بينما استعملت شخصية أخرى قبعة مغربية بيضاء ،يمكن وصفها أيضا بكونها إسلامية.يختلف شكلا القبعتين،كما تختلف طريقتا وضعهما على الرأس.اختلافان يدلان على الاختلاف الديني بين الشخصيتين. وبدون شك،فقد استعملت القبعة المغربية البيضاء في العرض المسرحي لتكتسب دلالة مغربية ودلالة إسلامية أيضا.لكن العرض المسرحي لم يقتصر على الحضور الديني الإسلامي واليهودي،فقد انضاف إليها،مع توالي المشاهد المسرحية، الدين المسيحي بمميزاته من حيث اللباس والطقوس:التعميد. حضر الدين المسيحي في المسرحية بعد تغير أساسي شمل الفضاء المسرحي.ذلك أن الفضاء المسرحي المرتبط بهذا الدين كان متعلقا بروما حيث مقر البابا.أدى استعمال هذا الفضاء الأخير إلى استحضار فضاءين جغرافيين آخرين هما طليطلة وغرناطة.فقد عاشت الشخصية اليهودية في المسرحية قبل قدومها إلى روما في مدينة طليطلة،وعاش الوزان جزء من حياته في غرناطة حينما كان طفلا.ولذلك فإن كلا من الشخصية اليهودية والوزان تنتميان إلى المورسكيين الذين كانوا عرضة لمحاكم التفتيش،والذين طردوا من الأندلس. كانت ملابس الوزان في البداية قبل الذهاب إلى روما ملابس مغربية تقليدية،جلباب وجراب.يوحي هذان الأخيران،فضلا عن ذلك،على الزمان،إنهما ينتميان إلى الزمان الماضي.غير أن هذا الزمان غير محدد بالضبط.وقد تولى الحوار الدرامي،أي الرسالة اللغوية،تحديده.إنه الزمان الذي عاش فيه الحسن الوزان/ليون الإفريقي.ففي هذا الحوار ذكرت وقائع تاريخية وذكر اسم السلطان المغربي محمد الوطاسي.هذا فضلا عن ذكر سنة مضبوطة هي سنة 1506م،السنة التي تمت فيها المصالحة بين المسلمين والمسيحيين الأفارقة بفضل الحسن الوزان.إذن تكفلت الرسالة اللغوية بتحديد الزمان الماضي تحديدا دقيق،هذا الزمان يحيل عليه بصريا الجراب والجلباب لكن من دون تحديد دقيق. ومع تطور الأفعال المسرحية غير الوزان ملابسه لتحل محلها ملابس لها دلالة دينية مسيحية.تغيير الملابس كان تعبيرا عن تنصر هذه الشخصية.وقبل تنصرها،وكذلك قبل ذهابها إلى روما،لعبت هذه الشخصية دورا أساسيا،حسب المسرحية،في إفريقيا باعتبار الوزان كان سفيرا للسلطان المغربي الوطاسي.في إفريقيا جنوب المغرب كان لهذه الشخصية،حسب المسرحية،دور في إحلال السلم بين الأفارقة المتصارعين دينيا،بين مسلميهم ومسيحييهم.كان لكل طرف من هذين الطرفين لباس خاص به أيضا.وقد كانت مخارج الحروف لدى الشخصيتين الإفرقيتين،المسلمة والمسيحية،مخارج معبرة عن هذا البعد الإفريقي فضلا عن ملابسيهما،وهي مختلفة لاختلاف دينيهما. في العرض المسرحي إذن علامات دينية مختلفة،لغوية وغير لغوية،إسلامية، ومسيحية، ويهودية.لكن هذا الاختلاف في العرض المسرحي لم يكن الهدف منه الصراع بين هذه الأديان السماوية الثلاثة.بالعكس،كانت الغاية هي التركيز على التسامح الديني.فبعد عدة أسئلة تتعلق بتحريم أكل لحم الخنزير،وتحريم الخمر،وتحريم التصوير،وتعدد الزوجات في الإسلام،طرحت من قبل البابا ممثلا للدين المسيحي وتولى الإجابة عنها الوزان،كان الإقرار في النهاية بأن المعبود واحد:الله.ويبدو أن واحدة من رسائل العرض المسرحي المرتبطة بالحاضر هذه الرسالة بالذات،رسالة التسامح الديني.ولما كانت الأندلس رمزا لهذا التسامح الديني،فقد كانت هناك دعوة لصنع أندلس جديدة. حاول البابا،بعد تنصير الوزان وتعميده ومباركته وتغيير اسمه،أن يستفيد من هذا الأخير.لكن كان هناك مشكل اللغة من الجانبين معا،غير أنه تم التغلب عليه حسبما ذكر في العرض المسرحي،عن طريق الاستفادة اللغوية المتبادلة.لكن المهمة الأساسية التي طلب البابا من الوزان/ليون الإفريقي أن يضطلع بها هي كتابة كتاب عن إفريقيا،فكان كتابه المعروف «وصف إفريقيا».قامت الخريطة التي ظهرت في خلفية الخشبة المسرحية،حيث تم التركيز على إفريقيا في الخريطة،بتعضيد الحوار اللفظي المتعلق بالرغبة في تأليف كتاب عن إفريقيا.فكان الانسجام على هذا الصعيد بين المنطوق اللغوي من جهة والبصري من جهة أخرى. وقد كشفت الشخصية اليهودية في العرض المسرحي،التي جاءت إلى روما قبل الوزان،عن الهدف من تنصير هذا الأخير،وهو رغبة البابا في معرفة إفريقيا.هذه الرغبة أثارت حساسية الحجوي في العرض المسرحي، لأن هذه الرغبة قد تكون مشبوهة.ومادام أن الحجوي هو الذي أثارته هذه الرغبة يمكن القول إن جوهر هذه الرسالة موجه إلى الحاضر.ومثلما أفصح الحجوي عن بعض القواسم المشتركة بينه وبين الوزان،رغم المسافة الزمنية الفاصلة بينهما،أفصحت كذلك الشخصية اليهودية عن قواسم مشتركة تجمعها مع الوزان.فكلاهما من ضحايا محاكم التفتيش في الأندلس،وكلاهما من المورسكيين.ولدت الشخصية اليهودية في طليطلة حسب المسرحية،وولد الحسن الوزان في غرناطة.لكن الشخصية اليهودية استقرت بروما،بينما استقر الوزان بمدينة فاس قبل قدومه إلى روما. كانت هذه الشخصية اليهودية مهتمة بمخطوط للفيلسوف ابن رشد،وهو أندلسي.في نهاية المسرحية طلبت هذه الشخصية من الوزان أن يعتني بذلك المخطوط حين عودته إلى مدينة فاس.ولهذا كانت نهاية المسرحية توحي بهذه العودة. لقد كان الوزان محور كل المشاهد والأفعال المسرحية.و كان الفضاء المسرحي يتغير تبعا لتطور هذه الشخصية المسرحية.ومع ذلك،يمكن القول إن الحسن الوزان في المسرحية ليس بطلا لافتقاده للقيم البطولية،ولكنه الشخصية المسرحية الأساسية فيها.ورغم ثقل التاريخ في المسرحية الذي تم النظر إليه وفق منظور ينبذ التعصب الديني ويؤكد على التسامح،فقد تضمنت،مع ذلك، رسائل تتعلق بالراهن.ومنها التأكيد على التسامح الديني.ويمكن القول بأن اهتمام الشخصية اليهودية في المسرحية بابن رشد راجع إلى فضيلة الانفتاح الثقافي التي تحلى بها هذا الأخير وعقلانيته. كانت حياة الحسن الوزان،في تقاطعها مع أحداث عصره بالمغرب وعلاقة هذا الأخير بالضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط،هي المادة الخام التي اعتمد عليها أنور المرتجي،مؤلف النص الدرامي،في كتابة هذا النص.وتحولت هذه الشخصية الدرامية من عالم النص الدرامي إلى المسرح بفضل المخرج بوسلهام الضعيف وفرقة «مسرح الشامات»المكناسية.وقد سبق أن كانت حياة الحسن الوزان موضوعا لرواية لأمين معلوف عنوانها هو:»ليون الإفريقي».وعاش الحسن الوزان في القرن السادس عشر.وقد وقع في الأسر وقضى جزء من حياته ملازما للبابا.