صدر ضمن سلسلة ندوات لمنشورات وزارة الثقافة كتاب «متاهة تحت العين» مقاربات نقدية لتجربة الشاعر محمد بنطلحة، نسق مواده الناقد محمد الداهي. وهو ثمرة ندوة وطنية حول التجربة الشعرية لمحمد بنطلحة نظمها فرع اتحاد كتاب المغرب الصخيرات تمارة السنة الماضية تنويها لجهود شاعر متميز ساهم في تطوير القصيدة العربية الحديثة، وتأهيلا لمكانته في المشهد الثقافي المغربي. واعتبر الأستاذ بن سالم حميش أن الندوة هي التفاتة رمزية حيال شاعر كرس حياته جلها لتأسيس القصيدة المغربية الحديثة وتطوير مقولاتها الدلالية والبلاغية والإيقاعية. وما يثير في تجربة الشاعر محمد بنطلحة علاوة على عمقها وأصالتها هو قدرتها على إعادة تشخيص الواقع بجمالية وفنية واستيحاء مواده المتنافرة والمختلفة في سبيكة مفرغة ومتراصة، ومعاودة النظر في تفاصيل القول الشعري ومراجعته بحثا عن الشكل المتجدد والمتغير الذي يوفر للقصيدة حريتها وأصالتها وطراوتها. ويؤكد بن سالم حميش أن كل ديوان من دواوين بنطلحة هو استعارة ممتدة الأطراف، متغورة في غيهب الذات ومجهولها، مستمدة نسغها من رحابة المتخيل وثرائه. الناقد أنور المرتجي أعاد بناء علاقته الأولى بتجربة الشاعر محمد بنطلحة، حين تعرف عليه متوجا بجائزة الشعر خلال السبعينات من القرن الماضي، وقد ظل الشاعر بالنسبة للناقد أنور المرتجي مختبرا شعريا مغول بشغف البحث الذي لا ينقطع عن كتابة مستحيل القصيدة. يتصدى دائما للمعنى من أجل إفراغه من معناه الراكد يعيد تنقيح قاموس الشعر العربي ديدنه تأسيس لغة جديدة. الناقد محمد الداهي، منسق الكتاب، أشار الى خصائص واعتبارات تحكمت في تكريم الشاعر محمد بنطلحة منها أنه يعتبر من ثلة الشعراء المغاربة الذين انغمروا طيلة عقود في يم القصيدة الحديثة ومجاهيلها حرصا على تطوير بنياتها الفنية وتوسيع إشعاعها ودائرة تلقيها واستيحاء أسئلة الوجود بمختلف تجلياتها وامتداداتها وأبعادها، واستنطاقا عرائر الكينونة وأحلامها واستيهاماتها المخفية. كما أنه تجربة أصيلة أهم ما يميزها قدرته على مساءلة الواقع وإعادة تشخيصه في منأى عن الصخب الايديولوجي وسعيه الى تحويل القلق الى إحساس وجودي يكشف عن الغامض. ويعتبر محمد الداهي أن ثراء تجربة الشاعر بنطلحة تتأتى من انفتاح الشاعر على ثقافات متنوعة، إصراره على تليين اللغة، تأثيث المتناقضات والمفارقات، تجديد القصيدة وتشذيبها. يضم كتاب «متاهة تحت العين» مقاربات نقدية لتجربة الشاعر محمد بنطلحة، حيث يفتتح الناقد رشيد يحياوي بقراءة في ديوان «قليلا أكثر» والذي يقدم تنويها نقديا مفاده ضرورة اتخاذ مداخل للاقتراب من نصوص الشاعر بنطلحة لا مدخلا واحدا كما أن الديوان ينطوي على ما يسمه الناقد يحياوي بخارطة الطريق القراءة البانية التي تكشف لنا كيف يكتب محمد بنطلحة، الكائن الفيزيقي، عن محمد بنطلحة الكائن الشعري، أو كيف يكتب الكائن الهيروغليقي عن الكائن المجازي. ويتطرق الناقد خالد بلقاسم الى الغموض بسؤال المعنى في كتابة محمد بنطلحة حيث يروم تأملا نظريا في تجربة متفردة تكشف في النهاية عن شاعر أقام في العتمات وأنجز تراكيب خطابها من صراع قاس مع اللغة، بما يقتضيه هذا الصراع من نزول الى أقاصي مادة الكتابة. ومن إنصات لمجهول التسمية. الناقد نجيب العوفي تحدث عن شعر محمد بنطلحة كفحولة حداثية، حيث توقف عند سمات تجربة الشاعر وملامحها، معتبرا القصيدة عند بنطلحة محفلا إبداعيا ثريا وبهيا. الكاتب محمد زهير، تناول تجاذبات الرغبة والضرورة في حالة ديوان «قليلا أكثر» حيث أشاد بمضي الشاعر في تشييد عالمه الشعري، بالبحث عما يجعل النص حقل قيم شعرية متجددة، على أساس رؤية واعية برهاناتها في هدم المعبد قبل بنائه (بلانشو) ليختلف البناء عن سابقه كيفية ونظرة إلى الشعر أي نظرة إلى العالم والحياة من أفق الإبداع. في شهادته العميقة تحدث القاص أحمد بوزفور عن شعر بنطلحة الجسر تحت الهاوية معتبرا أن بنطلحة ينطلق من إبداعه المنجز ليبني تصوره للشعر، ومع الشاعر بنطلحة يجب أن نعبر الجسر تحت الهاوية فهي أشبه بالمتاهة ذات الطرق المتشابكة. أما الناقد اسماعيل شكري، فيورد الكثافة البلاغية في شعر محمد بن طلحة متحدثا عن فرضيتين أساسيتين أولاها انتماء شعر محمد بنطلحة الى الخطاب الشعري بمعناه الكوني لأنه يتمفصل عن كلية شعرية عالمية هي الكثافة البلاغية وثانيها تقديم شعره لرؤية كارثية. وبذلك يتخذ الخطاب الشعري لمحمد بن طلحة خاصيتين مركزيتين خاصية الكليات الشعرية العالمية، وخاصية الوسائط التجريبانية المحلية. الناقد محمد الصالحي، يقوم بنزهة سريعة في «سدوم» الآثمة للشاعر محمد بن طلحة، منتهيا إلى أن الشاعر في أضمومته «سدوم» يتأمل شعره محاولا القبض على ماهيته كما صار الوزن جزءا من دلالة النص وإيجاد إيقاع خاص به.. الناقد محمد جودات، يقارب شعرية الانزياح في ديوان «ليثني أعمى» والتي لا يمكن فهمها دون انطلاق من المؤسسة الشعرية العربية الحديثة حينها يمكننا فهم الجغرافية الممتدة التي تصاحب النصوص في «ليثني أعمى» بحكم التشكيل البصري والإيقاع الذي تتبناه. وهي استراتيجية نصية لايمكن فهمه خارج شعرية الانزياح. الناقد محمد الزاهيري، يعود ليكتب عن محمد بنطلحة ورهان القول الشعري، متلمسا تجربة الشاعر في شموليتها، وفي معرض حديثه عن تجربته، يرى أن العمل الإبداعي لا ينتهي إلا لكي يبدأ مادام أساسه قائما على ذاك التوتر الدائم بين الشيء ونقيضه، يقول بنطلحة «في القول الشعري يصير المرئي مضاعفا لما يخفيه». الشاعر إدريس الملياني، يخط شهادة الشاعر المبحر في مركبه النشوان محاولا الإجابة عن سؤال «من أين للشاعر محمد بنطلحة كل هذا الجمال» شهادة عميقة في حق الشاعر بنطلحة كتجربة متميزة ومتفردة في الحقل الشعري المغربي والعربي. الباحث عبدالعزيز بومسهولي، قارب ثلاثية الشعرالمعرفةالقصيدة في تجربة محمد بنطلحة الشعرية مذكرا بمقولة بإمكان الشعر أن يكون في حد ذاته «وسيلة للمعرفة». القصيدة عند الشاعر محمد بن طلحة تعبر عن كينونة نصية مفتوحة ومتعددة. وليست تمثلا معرفيا بل هي إبداع لمعرفة تستكنه الوجود وتختبر إمكانيات الكائن الشعري في الكشف عن واقع سري يشكل أفقا خصبا للتجربة الشعرية. الناقد المهدي لعرج، تناول بنية المفارقة ومستويات التفاعل في ديوان «قليلا أكثر» حيث يعتبر أن لبنة المفارقة إبدالات متنوعة، جعلت التوتر يرتفع الى درجة عالية من الإبداع، كما أشار الى رهان ثاني في تجربة الشاعر يكمن في خلق نوع من التفاعل بين الشاعر والقارئ. وبقدر ما كان يتأزم القول الشعري بقدر ما كانت تنفتح في آخر درب القراءة أبواب التفاعل. يختتم الشاعر محمد بنطلحة هذا الكتاب الجامع «متاهة تحت العين» بشهادة موسومة ب«زل بي لساني» والتي تستدعي مقولة جذرية في فهم الشعر الذي «هو ما يبقى لديك بعد أن تكون قد نسيت كل شيء».