أمام لجنة علمية تتكون من الأساتذة : الدكتور ” يونس لوليدي ” ( مشرفا ومقررا )، والدكتور ” المفضل الكنوني ” ( رئيسا للجنة )، والدكتور ” بنعيسى بوحمالة ” عضوا، والدكتور ” محمد أمنصور ” ( عضوا ) : ناقش الشاعر والناقد الفني المغربي ” بوجمعة العوفي ” عشية يوم الثلاثاء 29 مارس بقاعة الأدب العربي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ” ظهر المهراز ” بفاس أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها حول موضوع : ” الخطاب البصري في الشعر المغربي المعاصر : من الأشكال الخطية إلى القيمة التشكيلية “. وفي نهاية جلسة المناقشة التي دامت زهاء الأربع ساعات، وحضرتها ثلة من الفعاليات الأكاديمية والفكرية والنقدية والإبداعية والفنية المغربية، والعديد من طلبة الدراسات العليا والمهتمين، وبعد تلاوة محضر الجلسة من طرف رئيس لجنة المناقشة، منحت للباحث شهادة الدكتوراه بدرجة أو ميزة ” مشرف جدا “. وفيما يلي التقرير الذي قدمه الباحث حول أطروحته أمام لجنة المناقشة : تقرير حول الأطروحة : 1 مسوغات اختيار الموضوع : هذه ثمرة بحث صعب وطموح. واختيارنا لموضوعه : ” الخطاب البصري في الشعر المغربي المعاصر : من الأشكال الخطية إلى القيمة التشكيلية ” كرسالة نتقدم بها لنيل شهادة الدكتوراه لم يأت من باب الصدفة، بل هو موضوع ( أو انشغال ) يوجد ويحيا، منذ زمن غير يسير، في صلب ممارستنا الكتابية، التي ظلت تشتمل على شقين لا محيد عن اشتباه الأول بالثاني على الأقل بالنسبة لتجربتنا الكتابية وهما : انخراطنا في كتابة النص الشعري ( ضمن الجيل ” التسعيني ” في المغرب ) من جهة، ومساهمتنا المتواضعة كذلك في الكتابة أو القراءة المنتمية لمجال النقد الفني، من جهة ثانية. ثم لكون حجة هذا الموضوع بتقاطعاته الأجناسية، المتموقعة بالضرورة بين ( الشعر والتشكيل ) أو بين حدود ومجالات القراءة الأدبية والقراءة الجمالية تأتي أيضا ضمن اهتماماتنا المتزايدة بالثقافة الوطنية وبالإبداعات المغربية، التي يكون الشعر والتشكيل بالنسبة لنا على الأقل من بين أهم معالمها أو خرائطها، وبؤرها الإبداعية الأساسية، التي ما زالت في أمس الحاجة إلى المزيد من الاهتمام، والكشف، والبحث، والتعريف، والتنقيب، والإضاءة، والمساءلة. بدءا، نشير ضمن تحديدنا الأولي لموضوع بحثنا هذا إلى أن ما نقصد بالشعر المغربي المعاصر هنا، ودون الدخول في متاهات وإشكالات التحقيب أو التفصيل النظري لعمر الشعر المغربي : ليس كل الممارسة الكتابية والإبداعية الشعرية المغربية المنجزة في جميع لغاتها على مدى العقود الأربعة الماضية : ( وهي التحديد أو ” العمر الزمني ” المتفق عليه نقديا حاليا على الأقل لما ينعت بالمعاصر في الشعر المغربي ). بل ما قمنا بدراسته وتناوله في هذا البحث هي التجارب الشعرية المغربية المعاصرة التي راهنت، بل انخرطت بشكل واضح، وعلني، وجسور، في العديد من ” الإبدالات ” البصرية، والتحولات الجمالية والتعبيرية الجديدة : انطلاقا من التعبير الخطي للقصيدة، وتوظيفها لعناصر غير لسانية وتشكيلية دالة في رحمها، مرورا أيضا بالمقترح البصري – الكاليغرافي المغربي لهذه القصيدة، ومحاولات مزاوجة الشعري بالتشكيلي فيها، ثم وصولا إلى التجسيدات أو التجليات الرقمية والتفاعلية الراهنة لهذه القصيدة. أما التحديد الثاني لموضوع بحثنا : فهو اقتصار مجال اهتمامه على كشف ودراسة وتحليل العديد من البنيات والأشكال البصرية الدالة، في المتون أو التجارب الشعرية المغربية المعاصرة، المطبوعة والمنشورة في دواوين أو مجاميع شعرية ( باللغتين العربية والفرنسية فقط ). إضافة إلى انفتاح البحث على الخطاب البصري في المتن الشعري الزجلي المغربي، وكذلك على بعض الإنجازات الإبداعية المغربية التي حاولت إيجاد علاقة فعلية بين خطابي الشعر والتشكيل، والتي ضمتها بعض المعارض الشعرية – التشكيلية المغربية، تحت العديد من أشكال التنفيذ أو التجسيد الفني والبصري لهذه العلاقة. ثم إن مسوغات أو سبب اختيارنا للشعر المغربي المعاصر تحديدا، كمجال لموضوع للبحث، لا يكمن فقط في كون هذا الشعر ظل وما يزال بجميع قضاياه التعبيرية والجمالية، يشكل حافزا أو إغراء معرفيا مشفوعا برغبة شخصية لدينا في الاقتراب من بعض مجاهله فقط،، بل لأن العديد من القضايا الجمالية والتعبيرية لهذا الشعر ( وخصوصا في شقها البصري )، ما زالت غير مطروقة بما فيه الكفاية، وبالقدر الضروري والأساسي كذلك من التقصي المعرفي والبحث الجمالي. سواء من لدن البحث الجامعي المغربي، أو غيره من أشكال الاشتغال النقدي والكتابي في مدونتي البحث والنقد المغربي. إلا إذا استثنينا من ذلك بعض الدراسات الجادة والقليلة نسبيا، حول قضايا ومواضيع من هذا النوع، تخص الشعر المغربي، والتي تناولنا الكثير من نماذجها وتجاربها الأساسية ضمن سياقات المحاور المطروقة في هذا البحث. مع محاولتنا ورغبتنا الحثيثة والشغوفة أيضا في الإنصات إلى بعض طروحاتها، وأشكال تقصيها لقضايا، وأسئلة الجمالي والبصري، و” إبدالات “ وتحولات النص الشعري المعاصر في المغرب ضمن هذا المنحى التعبيري المغاير. هو المنحى الذي أكدته كذلك ولو ضمن رؤى شعرية وسياقات وأشكال اشتغال خاصة و” مخاتلة ” أحيانا العديد من المحاولات والتجارب التعبيرية والجمالية الأساسية في مسار الشعر المغربي. إنها المقترحات أو المحاولات الجمالية، التي وضعت النص الشعري المغربي المعاصر في عمق الكتابة، وعلى تخوم تعبيرية وجمالية حاولنا الكشف ضمن نماذجها الأساسية عن العديد من بنياتها، وخصائصها، ودلالاتها في هذا البحث. تخوم حتى وإن لم يكن من المتفق عليه بنوع من إجماع القراءة والنقد نعتها هنا ومرحليا على الأقل بالجديدة والمغايرة، وإن جاءت كذلك هذه التخوم أو هذا التجارب الشعرية البصرية المغربية، مطبوعة أحيانا بالقلة، والتشابه، وعدم التنوع، والتشظي، ومحكومة أيضا برؤى وتداعيات فهم شخصي للحداثة الشعرية، فهي قد عملت مع ذلك في نظرنا على خلخلة العديد من البنيات التقليدية والسائدة في الشعر المغربي، وعلى رأسها البنية الإيقاعية السماعية للنص، والتي جعلت خطاب النص الشعري ودلالته، يقتصران فقط على العنصر اللساني في هذا النص أو في القصيدة. وذلك بعض أو جزء من العناصر، والمكونات، والغايات الأساسية لأطروحتنا في هذا البحث، والتي حاولنا بأقصى جهدنا المتواضع إثباتها، وإظهارها، والدفاع عنها كذلك من خلال إبراز، ودراسة، وتحليل مدى ” حداثتها ” و ” مغايرتها ” وعملها الدؤوب على خلق وترسيخ ملمح وخطاب بصريين ” جديدين ” و ” مغايرين ” على الأقل بالنسبة لما كان سائدا في مدونة الشعر المغربي : بالرغم من وجود تقييمات ووجهات نظر أخرى كثيرة، مناقضة، ومغايرة أيضا لرأينا وأطروحتنا، ولما ذهبنا إليه، أو بالأحرى لما انتصرنا إليه كذلك من أشكال الرؤية، والتقييم، والقراءة الخاصة بموضوع ” البصري ” في الشعر المغربي المعاصر على وجه التحديد. حيث فضلنا أن نترك أيضا هذا الرأي أو هذه الأطروحة، بمثابة واحدة من فرضياتنا العامة والقائمة، بالنسبة لرصد التحولات التعبيرية والجمالية، وتحولات الأسئلة في رحم الشعر المغربي المعاصر، كي نسلم مؤقتا أو مرحليا على الأقل بأن العديد من التجارب الشعرية المغربية المعاصرة، انطلاقا من أسئلتها ومرجعياتها المتنوعة، وأشكال وعيها البصري والجمالي ( أجيال ما بعد الستينيات على الخصوص ) كل حسب مجهوده الإبداعي ووعيه الجمالي قد عملت على النزوح بالقصيدة أو النص الشعري المغربي المعاصر، نحو ما أصبح ينعت في التوصيف النقدي المغربي المعاصر كذلك بنوع من ” الإبدالات ” أو ” الأشكال الخروجية ” الكبرى في تجربة القصيدة المغربية المعاصرة. ولعل هذا الاختيار أو المسعى الذي تحدده وتمليه أساسا هذه التقاطعات الحارة والممكنة في رحم القصيدة المغربية المعاصرة بين البصري ( التشكيلي ) والشعري، والمقرونة أيضا بالنسبة لنا على الأقل بغواية أو بقناعة راسخة، نوجزها في : كون التشكيل المكاني والفضائي بغض النظر عن مستويات وأشكال وعيه وتحققه قد أصبح واقعا تعبيريا وجماليا للقصيدة المغربية المعاصرة، ومكونا أساسيا من مكونات الخطاب الشعري المعاصر في المغرب. إذ لم يكن الدفاع في هذا الإطار عن أطروحة من هذا القبيل، سوى شكل من أشكال المغامرة والإصرار على جعل موضوع هذا البحث وحجته توكيدا لاندغام الذاتي في الموضوعي، ومحاولة الوصول باستقراءات هذا البحث إلى نتائج، قد تساهم في إضاءة بعض فراغات العين الحاصلة في الملمح البصري الخاص بالقصيدة المعاصرة في المغرب. هي الفراغات التي تتشوق وتحاول هذه التورطات كلها في البحث، والكتابة، والإبداع الشعري المغربي، الوصول بها، ليس إلى حقائق معرفية وجمالية تخص الإبداع الشعري المغربي، بل إلى مشروع خطاطة بحثية وإبداعية تشير على الأقل إلى جزء أو فرع من شجرة الأنساب البصرية الكبرى لجمالية الشعر المغربي. إنها شجرة الأنساب أو الخطاطة الأصلية التي لا تعني هنا سوى تجربة الشعر الأندلسي المغربي، الغنية بالعديد من أشكال الترسيم والتجسيد البصري للقصيدة، وخصوصا خلال القرنين السادس والسابع. إن في ذلك أيضا، ما قد يشفع لهذه المحاولة البحثية تخصيصها ” الشعر المغربي المعاصر ” : موضوعا ومجالا للدراسة والبحث. في الوقت الذي تتجه فيه أغلب البحوث المنجزة، سواء داخل الجامعة المغربية أو خارجها : إلى موضوعات ” الشعر العربي ” وأعلامه الذين أخذوا في نظرنا حقهم الوافر من الدراسة والاهتمام. خصوصا وأن بحثنا هذا لم يهمل كليا تناول أشكال الخطاب البصري، وتمظهراته، وبعض دلالاته، في نماذج منتقاة من التجربة الشعرية العربية المعاصرة ككل. سواء من خلال المقترحات العربية الكتابية والطباعية الأساسية والمؤسسة، أو غيرها من التدوينات الشعرية – التشكيلية التي عرفتها القصيدة العربية المعاصرة الأم أو الأصل : ( مقترح الشاعر العربي ” أدونيس ” على سبيل المثال لا الحصر ). 2 أهمية محاور البحث وتعددها : الفرضيات وإشكالات المنهج : 1.2 أهمية المحاور والفرضيات : إن كل خطاب أو كل لغة ، تنتمي إلى المجال البصري : لا بد لها أن تتجسد من خلال مختلف مكوناتها وعناصرها الخطية والتصويرية ( التشكيلية ) في مكان أو في فضاء أو على سند ( يكون أحيانا بمثابة ” الدال ” ). ولها بالضرورة إرسالية أو مضمون : يكون بمثابة ” مدلول “، يتخذ له هيئة أو شكلا أو صورة بصرية معينة. بحيث يصبح لكل من الخطاب والشكل هنا في النهاية : تعبير وقيمة في آخر المطاف. إذ تحضر وتتمظهر كل هذه العناصر ( الخطاب / اللغة / الفضاء / السند / الإرسالية / المضمون / الشكل / الصورة / التعبير / القيمة ) في فرضيات بحثنا، ومحاوره، ومجالات دراسته بمثابة معطيات بصرية قابلة للقراءة والتحليل والتأويل : سواء بالنسبة للقصيدة، في أبعادها وتشكيلاتها الخطية والمكانية وتوزيع مساحات البياض والسواد في فضائها أو في جسدها، أو بالنسبة للقصيدة التي زاوجت في شكلها وخطابها بين الشعري ( اللغوي ) والتشكيلي ( التصويري ) : ( ضمن النشر الورقي والرقمي على حد سواء ). بحيث افترضنا إمكانية، وسبل، وصيغ تناول، ودراسة، وتحليل حضور وتمظهرات هذه المعطيات والعناصر البصرية في القصيدة وعناصرها التشكيلية والتعبيرية والجمالية ضمن صيغ وأشكال تدوينية رئيسة نوجزها فيما يلي : الشكل الأول : كتابي – خطي Scripto – graphique. تكون وسيلة تعبيره وتدليله الأساسية : الخط والكتابة : ( القصيدة الخطية / الكاليغرافية ). الشكل الثاني : كتابي – بصري Scriptovisuel وأيقوني – تشكيلي icono- plastique. تكون عناصر ووسائل تعبيره متعددة، وتشمل : الخط والكتابة والصورة ( الأيقونة ) معا : ( القصيدة التشكيلية أو المصاحبة للعنصر التشكيلي – التصويري ). الشكل الثالث : سمعي – خطي / بصري audio- scripto- visuel. تكون عناصر تعبيره أكثر تعددا، وتشمل : الصوت، والخط، والتشكيل، والصورة، واللون، والموسيقى، والحركة، ومؤثرات سمعية – بصرية أخرى : ( القصيدة الرقمية والمترابطة والتفاعلية ). ثم إن دراسة الخصائص البصرية للنص الشعري تظل مسألة أساسية. وذلك انطلاقا من أهمية الهيئة البصرية للقصيدة الجديدة، وفضائها الخطي، ومساحاتها النصية، وتشكيلاتها المكانية والخطية ( الغرافيكية Graphique ) وإشاراتها الخارجية من : عناوين، وحواشي، وهوامش، وعلامات ترقيم، وخطوط، وألوان، وفراغات، وبياضات، وعلامات غير لغوية وغيرها. بحيث لم تعد هذه الخصائص أو العناصر بالنسبة للقصيدة المعاصرة خافية على عين قارئ ومتصفح هذه القصيدة، ولم تعد استعمالاتها مجرد نزوة أو ترف جمالي عابر، بل أصبحت واقعا جماليا جديدا في الكتابة والتداول الشعري المعاصر ( إبداعا وقراءة ). مما يحتم على كل قراءة أيضا أن تأخذ بعين الاعتبار وجود هذا ” الواقع الجمالي الجديد “، وتواجد هذه الإشارات الخارجية وغير اللغوية في مساحة النص أو القصيدة، وتعمل بالتالي على تأويل بنياتها الدلالية الظاهرة والعميقة، وتأثيرها المباشر في تعبيرية النص الشعري البصري المعاصر وتلقيه. ومن ثم، يصبح لهذه الإشارات والعناصر البصرية في القصيدة المعاصرة : بلاغات أخرى ( خطية، ومكانية، وإشارية، وعلاماتية بالأساس ) ينبغي الالتفات إليها ضمن أبعاد ومداخل وأنماط نقدية جديدة، يكون قوامها ” القراءة البصرية ” عوض ” القراءة اللغوية “. باعتبار أن القصيدة المعاصرة والجديدة، في المغرب وغير المغرب، تجاوزت راهنا في العديد من نماذجها وتجاربها طور الشفهية والإنشاد والسماع، إلى طور القراءة بالعين وتشكيلات الكتابة. إذ أصبحت القصيدة الجديدة تدوينا لمخزون بصري ومشاهدات، ثم مجموعة إشارات ومساحة من الاتصال – التواصل البصري، تدرك بالعين أولا، ثم بباقي الحواس. ومن هنا، نفترض بدورنا، وعلى غرار ما سبق، بأن : أ وعي الشاعر المغربي المعاصر بالذات ” المتشظية ” و” الجسد المشروخ ” وإن كان هذا الوعي في بعض نماذجه قد قاد جزءا مهما من تجربة الشعر المغربي المعاصر إلى بعض ” إبدالاتها ” الأساسية مع منتصف السبعينيات ( كاستبدال الوعي الإيديولوجي في القصيدة بالوعي الجمالي، والعبور من صيغة أو مبدأ ” الالتزام ” إلى مبدأ ” الحرية “، وجعل هذه القصيدة تكتسب بالتالي شعرية جديدة تجعلها تنتقل من ” اللفظ ” و ” المعنى ” إلى ” الشكل ” و” الدلالة ” قد حقق مع ذلك قفزة نوعية في إجرائه الجمالي داخل القصيدة، بالرغم من تواجد العديد من الإكراهات الذاتية والموضوعية التي أصبحت تواجه هذا الوعي نفسه : بعض أشكال ” القصور” الحاصلة في القراءة والتلقي لما هو بصري في القصيدة، ثم العديد من إكراهات النشر وتقاليد الطباعة، غير المستجيبة في أغلبها لضرورات ومقترحات الجمالي والبصري في المغرب، على سبيل المثال لا الحصر. وأن الإنجازات البصرية الأساسية في القصيدة المغربية المعاصرة لم تعرف بعض تحققاتها التشكيلية الحقيقية ( مثلما عرفته تجربة القصيدة البصرية الغربية ) ضمن ما كانت تنتظره التوقعات وآفاقها : سوى ما حصل على مستوى تكثيف مشهدية اللغة الشعرية و ” تفضيتها ” في بعض القصائد ” الثمانينية ” والقصيدة ” التسعينية ” على وجه الخصوص. بدليل أن أهم ” خروج ” خطي ومكاني، وفضائي، على مستوى مساحة القصيدة المغربية المطبوعة أو المنسوخة باليد ( القصيدة الكاليغرافية ) : تم مع بداية الثمانينيات : على يد شعراء ” سبعينيين ” : ” محمد بنيس ” – ” عبد الله راجع ” – ” أحمد بلبداوي ” – ” بنسالم حميش ” ( وتلك مفارقة أخرى في مدونتي القراءة والإبداع العربي والمغربي على حد سواء ). حيث تعرضت بعض هذه المحاولات الخطية – البصرية في القصيدة المغربية المعاصرة : ( وخصوصا تجربة ” محمد بنيس ” ) إلى العديد من الانتقادات القاسية وغير ” الجمالية ” أحيانا داخل المغرب وخارجه، وتم نعتها في بعض الكتابات النقدية الملتصقة أساسا بالمنطلق الإيديولوجي في القراءة، وبخلفيات وتوجهات المنهج ” التاريخي – الاجتماعي ” تحديدا وغيره من المناهج بصفات أو توصيفات من قبيل : ” لزوم ما لا يلزم ” ( نجيب العوفي )، أو ” الحداثة التراجعية ” ( حاتم الصكر )، في هذه القصيدة. إذ سيخف بعد ذلك صوت هذه المحاولات ” الكاليغرافية – البصرية ” في التجارب اللاحقة لأجيال الشعر المغربي المعاصر، لتتجه صوب محاولات تشكيلية بديلة ( تجمع بين الشعر والتشكيل ) ظلت بدورها قليلة من حيث التراكم والنوعية. ب بأن ” الإبدال ” الجمالي – البصري في الشعر المغربي المعاصر هو مجهود فردي، ولا يدين بشيء لتيار، أو لحركة، أو مجموعة، أو جماعة من الشعراء، أو النقاد، أو دارسي الشعر في الجامعة المغربية وخارجها. إذ يكون الفرد هنا هو الذي يؤثر في الجماعة وليس العكس. بدليل أن صدور ” بيان الكتابة ” لمحمد بنيس ضمن العدد التاسع عشر من مجلة ” الثقافة الجديدة ” سنة 1981، قد يكون الدعوة – الخطوة الأساسية التي أطلقت شرارة القصيدة ” الكاليغرافية ” على مستوى المغرب العربي ( المغرب وتونس على سبيل المثال ). ج بأن تقاليد الطباعة والنشر في المغرب ( وخصوصا بالنسبة للصحف والمجلات ) تكون قد قلصت من إمكانات تطوير بصري وتشكيلي حقيقي للقصيدة المغربية المعاصرة، وانتشار التنويعات البصرية والمكانية واللونية بشكل أساسي في القصيدة، وذلك لعدم استيعاب هذه التقاليد ومؤسساتها ومنابرها للتصورات والإنجازات الجمالية – البصرية للشعراء والتشكيليين المهتمين ببصرية القصيدة وتشكيليتها. 2.2 إشكالات المنهج والصعوبات : وإن كان كل بحث لا يخلو في طبيعته ومناهجه ومصادره من صعوبات، فإن الإقدام أو المجازفة بدراسة ” الخطاب البصري في الشعر المغربي المعاصر “، على مستوى بحث كامل، يعد من الصعوبة بمكان. وذلك لأن به ( مثلما سبقت الإشارة إلى ذلك ) تخصيصا مضاعفا ومزدوجا لغاية البحث على المستوى الموضوعاتي والمنهجي. إذ تعتبر دراسة الخطاب البصري في الشعر، على الأقل بما هو ضروري من التروي والشمولية والتنقيب المعرفي والمنهجي، مسألة ليست حديثة وقليلة فحسب، بل شاقة وشديدة الصعوبة أيضا، بالنظر إلى كون دراسات من هذا النوع تكاد تكون معدودة على رؤوس الأصابع، حتى في المنجز البحثي والنقدي الغربي نفسه، فما بالك بالشعر العربي والمغربي على وجه الخصوص ؟ ثم إن السبب الرئيس والأولي، الذي يبدو وراء هذا الغياب شبه التام لدراسة البصري في الثقافة العربية وأجناس تعبيرها الفني والأدبي بشكل عام، هو حداثة المناهج النقدية الخاصة بمثل هذه المجالات وصعوبة تطبيقها حتى في الغرب نفسه، من جهة. ثم لأن التجربة أو التيار النقدي العربي على رأي المفكر المغربي الدكتور” عبد الله العروي ” في كتابه : ” الإيديولوجيا العربية المعاصرة ” ظل مشدودا إلى ” بعده الإيديولوجي التقدمي “. ومن ثم ركز هذا التيار المتسيد بشكل أساس، سواء داخل الجامعة أو خارجها، على ما يسمى بالدراسة ” الاجتماعية للمضمون “، دون الالتفات إلى الخاصيات الجمالية والدلالية للشكل. ومن ثم، تم حرمان العديد من أجناس التعبير الفني والأدبي في الثقافة العربية، وضمنها الشعر، من هذه الإمكانية الهائلة والجديدة لوصول العديد من تعبيراته ومضامينه الجمالية نفسها إلى القارئ. خصوصا وأن الشعر قد دخل الآن مرحلة الكتابة بامتياز، وأصبح بإمكان المقترحات الكتابية والبصرية للقصيدة ( سواء في أبعادها الطباعية، والخطية، والتشكيلية، والرقمية، أو كلها مجتمعة ) أن تشكل أداة ووسيلة فعالة لتوصيل مضمون هذه القصيدة إلى قارئها – ناظرها ومتصفحها في آخر المطاف. وذلك باعتبار ” هيئة الكلمة ” أو ” صورتها المجسدة ” لها دائما قوة التأثير الإضافية. لا سيما وأن قوانين التأثير في المتلقي قد تغيرت كثيرا أيضا بتغير الوسائط وتعددها المبهر : إذ أصبح الحديث جاريا الآن حول القصيدة البصرية، والتشكيلية، والرقمية المتحركة، بأبعادها الثلاثة على شاشات الحواسيب وشبكة الإنترنت. وبالرغم من أن صعوبة تطبيق المناهج تطبيقا كاملا وصارما على ظواهر ونصوص منفلتتة دائما من بين أيدينا كباحثين، تظل قائمة ومتوقعة، نظرا لنسبية و” نزقية ” واستحالة تطويع المناهج نفسها أحيانا، وجعلها سبيلا للوصول إلى نتائج ملموسة. فإن قصارى جهدنا هنا وما كان في وسع باحث متواضع مثلنا، القيام به في هذا الإطار هو : الاقتراب نسبيا من بعض السمات التعبيرية والجمالية للتجربة البصرية في المتن المعاصر للشعر المغربي. وإن كانت جل تحليلاتنا في هذا البحث على المستوى المنهجي قد تبدو ربما أكثر قربا من بعض مقتضيات وتوجهات ” المنهج التفسيري ” في الأدب. وذلك من خلال اهتمامنا النوعي أيضا بالكيفية التي وصلنا من خلالها إلى بعض ملامح وعناصر ممكنة لبعض الاستقراءات أو ” الاستنتاجات ” الخاصة بالبصري والجمالي في التجارب والمتون المدروسة من الشعر المغربي المعاصر، عوض الاهتمام الكلي بهذه ” الاستنتاجات ” نفسها : فذلك راجع بالضرورة إلى السبب أو الضرورة المنهجية التالية : إذ ربما يكون سؤال ال ” كيف ؟ ” هنا في نظرنا المتواضع أهم من سؤال ال ” ماذا ؟ “. وذالك حتما له علاقة وطيدة بصعوبة وخصوصية مجال وموضوع البحث نفسه، ولما يكتنف مجالات وسياقات وأدوات تناوله، من نسبية في التحليل، ومن تعدد في المناهج والمداخل النقدية والنظرية الكفيلة بمقاربته، والمؤهلة كذلك لفحص جميع جوانبه وقضاياه الشكلية والجمالية. هي القضايا والإشكالات التي ستظل، مع ذلك، في الكثير من جوانبها التطبيقية والنظرية مستعصية على القبض والتحليل، وعالقة في آخر المطاف. لذلك، واجهتنا نفس الصعوبات فيما يخص تطبيق المنهج في هذا البحث. وكان توسلنا متوجها بالضرورة نحو منهج تركيبي : بوسعه أن يجمع في أدواته التحليلية ومداخله على الأقل بين العديد من المناهج والمداخل القرائية الأخرى المنتسبة أساسا إلى بعض التفريعات الملائمة لطبيعة بحثنا في المنهج ” البنيوي ” : مثل ” القراءة الوصفية ” و ” القراءة الشكلية ” و ” القراءة الجمالية ” التي تعمل في قراءتها وأشكال مقاربتها وتحليلها للخطاب البصري في القصيدة على استحضار أو تشغيل مرن وقريب من بعض مفاهيم الإستيطيقيا. مع ذلك، وبالرغم مما حاولنا القيام به على مستوى هذا البحث من تناولات، وقراءات، ومقاربات ” وصفية “، و” تأويلية “، و” جمالية “، و” شكلية ” ممكنة للبنيات، والهيئات، والتمظهرات، والخطابات، والتجليات البصرية العديدة لنماذج من القصيدة المغربية المعاصرة والجديدة، سواء في أبعادها وصيغ تدويناتها الخطية، والتشكيلية، والرقمية : فإن أطروحة هذا البحث كانت قد بدأت أو بدت لنا على مستوى تصورها وتصميها الأولي شاسعة وضخمة ومتعددة المحاور والفروع والأضلاع. مما كان يطرح في البداية أمام أعيننا، وإمكانات البحث الصعبة والمتعذرة أحيانا، وخصوصا فيما يتعلق بالزمن ( مدة الإنجاز ) وإكراهات المنهج والمصادر والمراجع : نوعا من الاستحالة في الإنجاز، وعدم القدرة على القيام بنوع من التسييج، والإلمام أو الاقتراب الضروري على الأقل من كل محاورالبحث المقترحة. إلا أن الدعم الفائق، والتشجيع المتواصل، والتوجيه السديد من أستاذنا المشرف والمقتدر : الدكتور ” يونس لوليدي ” المحترم، لرغبتنا ولمسعانا البحثي هذا، قد جعلنا نمضي قدما في هذا الرهان الصعب، ودلل مشكورا الكثير من الصعوبات والعراقيل والعقبات التي واجهتنا أثناء جميع مراحل إنجاز هذا البحث. كذلك، لا ندعي بتاتا هنا بأن هذه المحاولة البحثية التي قمنا بها مستجيبين لضرورات الرهان والمغامرة : بأننا أجبنا على كل الأسئلة المطروحة والمتعلقة بمختلف قضايا وإشكالات ودلالات ” الخطاب البصري ” في المحاور المطروقة في ” التجربة الشعرية البصرية المغربية المعاصرة “. بل ظلت هناك حتما العديد من الأسئلة والقضايا المتعلقة بموضوع هذا البحث مؤجلة ومعلقة. ومن أهمها أو على رأسها : مدى قدرة هذه المحاولة نفسها على تفتيت، وتفكيك، وتأويل، كل الأسئلة الجمالية والتعبيرية الملتصقة بمجالات البحث، ومن ثم، الإحاطة بكل محاوره وقضاياه الشائكة، والشاسعة ؟ ذلك مطمح سيظل قائما بالنسبة لدينا على الأقل ولو أنه يبدو أحيانا، وفي الوقت الراهن، متعذرا وبعيد المنال. نشير كذلك إلى أن هذا البحث كان ثمرة ولادة مقتسمة وشرعية بين السندين : الورقي والرقمي على مستوى المراجع والمصادر المعتمدة في إعداده، بالنسبة إلى ” البيبليوغرافيا ” و” الويبوغرافيا Webographie ” أو ” النتوغرافيا Netographie ” إن صح القول ؟ إذ واجهتنا صعوبات جمة في الحصول على ما يكفي من مصادر ومراجع ورقية تفي بالغرض وتستجيب لكافة مجالات وخصوصيات هذا البحث، لذلك كنا مضطرين إلى الاستعانة واللجوء إلى العديد من الدراسات والمقالات والمواد المنشورة على السند أو المرجع الرقمي ( الإنترنت )، مع الحرص الكامل على التدقيق في نوعية ومصداقية هذه المراجع، والمصادر، والشواهد النصية، والمواد والدراسات، من حيث عمقها وقيمتها العلمية والمعرفية على حد سواء. كما واجهتنا أيضا صعوبات جمة، فيما يخص جمع وتوفير المعطيات والوثائق البصرية الكثيرة والمختلفة والضرورية لهذا البحث. بحيث كان لزاما علينا أيضا قبل إدراجها وموضعتها ضمن مساحاتها الخاصة في البحث القيام بالعديد من العمليات المعقدة التي تتطلب الصبر والأناة والاختصاص : مثل رقمنتها، ومعالجتها، وتوضيب أحجامها، وتصحيح خصائصها اللونية والضوئية.. وغيرها، بواسطة برامج معلوماتية وحاسوبية بالغة التعقيد، وتتطلب الكثير من الجهد كذلك. 3 محاور البحث ومواضيع دراسته : ومن أجل محاولة الإحاطة بمختلف المجالات، والإشكالات، والقضايا النظرية، والمفاهيمية، والتاريخية.. وغيرها.. والتي لها علاقة وطيدة بمحاور بحثنا ومواضيع دراسته، جاء التصميم العام لبحثنا في بابين كبيرين : الأول نظري، ويشتمل على ثلاثة فصول ومباحث عديدة. فيما جاء الباب الثاني في أربعة فصول ومباحث عديدة أيضا، وذلك لكونه بابا تطبيقيا في مجمله، ويتطلب مساحة أكبر للنماذج الشعرية المدروسة وللتحليل. وتمهيدا لتجليات الكتابة والفضاء في العديد من التجارب الشعرية الكونية، خصصنا المباحث الثلاثة الأولى من ” الفصل الأول ” من ” الباب الأول ” : لمختلف القضايا، والمفاهيم، والمعطيات النظرية والبصرية، و” الديناميات النفسية والتاريخية ” للشفاهية والكتابية، بما يشمله هذا التمهيد من مراحل، ابتدأت من : الانتقال من الصورة والعلامة والرمز إلى الكتابة، وصولا إلى ظهور السند واختراع المطبعة. فيما تناولنا في المبحث الرابع من نفس الفصل : ” تجليات الكتابة والفضاء في التجربة الشعرية الغربية “. أما ” الفصل الثاني ” من نفس ” الباب الأول ” : فتناولنا فيه “ تجليات الكتابة في التراث الأدبي والشعري : الصيني، والياباني، والفارسي، والعربي – الإسلامي ( الشعر كوسيلة للتزيين )، وخصصنا مباحثه الأربعة لمختلف أوجه تجليات الكتابة والفضاء في هاته التجارب الشعرية : بما في ذلك ” ثقافة العين والنصوص المرتبطة بالنظر ” في الثرات الأدبي العربي : ( ” طوق الحمامة ” ” لابن حزم الأندلسي ” )، ثم : ” مزية الخط وحسن الكتابة ” في ” الرسائل الشعرية “، وصولا إلى : ” جمالية المكان وتشكيل القصيدة في الشعر الأندلسي ( الموشح ) “. كما تطرقنا، ضمن المباحث الأربعة في ” الفصل الثالث ” من نفس ” الباب الأول “، إلى محور : ” القصيدة العربية الحديثة والمعاصرة ومغامرة الشكل “. وذلك من خلال انكبابنا على دراسة وتحليل المكونات، والعناصر، والقضايا المرتبطة، بشكل وثيق بهذا التحول الذي حصل في شكل القصيدة العربية مع مجيء ” حركة الشعر الحر “. ( ” نازك الملائكة ” و ” بدر شاكر السياب ” .. وغيرهما من الشعراء الرواد لهذه الحركة ). وهكذا انطلقنا في هذا الفصل من طرح وإثارة ” إشكالية الحداثة ” في القصيدة العربية الحديثة والمعاصرة، مرورا بتحول هذه القصيدة من ” نظام الشطرين ” إلى ” السطر الشعري “، ومن ” الإنشاد إلى اللغة البصرية والتجسيد الطباعي “. وصولا إلى ” دخول الملمح البصري و ” الإجراء التشكيلي في هذه القصيدة “. أما ” الفصل الأول ” من ” الباب الثاني “، فقد جاء كمدخل لدراسة وتناول القصيدة المعاصرة في المغرب. وخصصناه لتجربة ” المكان ومعمارية النص الشعري : القصيدة الكاليغرافية المعاصرة في المغرب “. وذلك ضمن ستة مباحث : انكب الأول منها ضمن نوع من التمهيد النظري والمفاهيمي للوعي البصري الجديد في هذه القصيدة على طرح خصائص وتقاطعات ” المقروء والمرئي “، ثم بعض المفاهيم الدالة والتعبيرية لكل من ” الفضاء النصي “، و ” الفضاء التصويري “، والفضاء الأيقوني ” في القصيدة. وصولا إلى ” بيانات الكتابة في المغرب ” ومدى قدرتها على تأسيس ” وعي القراءة والإبداع ” معا في هذه القصيدة، ثم إلى التوجهات والمقترحات الشكلية الأساسية، والمؤسسة للقصيدة الكاليغرافية المعاصرة في المغرب : ( ” بنيس ” ” راجع ” ” بلبداوي ” و ” حميش ” ). أما ” الفصل الثاني ” من نفس ” الباب الثاني “، فقد عرضنا في مباحثه الثلاثة، ومن خلال نماذج تطبيقية عديدة ومختلفة، للعديد من الإبداعات العالمية، والعربية، والمغربية، التي حاولت تحقيق علاقة ممكنة بين الشعر والتشكيل : سواء من خلال مصاحبة القصيدة للصورة كأثر فني – تشكيلي، أو من خلال تواجد هذه الصورة – الأثر على غلاف الديوان الشعري المغربي. كما قمنا كذلك، ضمن المابحث الخاصة بهذا الفصل، بتحليل وإضاءة حضور هذا العنصر التشكيلي على الغلاف وداخل الديوان الشعري، ضمن ما أسميناه بالوظيفتين : ” التعبيرية المشخصة ” و” التعبيرية المجردة ” لهذا العنصر أو الأثر التشكيلي. من ثم، انكببنا بشكل مستفيض ومفصل ضمن مناحي البحث التطبيقية، ومن خلال مبحثين أساسيين في ” الفصل الثالث ” من نفس ” الباب الثاني ” على عرض، وتحليل، ومناقشة العديد من إنجازات ونماذج ” التجربة الشعرية – التشكيلية المغربية المعاصرة “. محاولين إظهار مدى قدرة هذه التجربة، في نماذجها الأساسية والمختلفة، على التمكن أو عدم الوصول إلى تحقيق علاقة تجاور وتحاور حقيقي بين القصيدة والعمل التشكيلي : سواء كان هذا العمل ينتمي إلى مجال الرسم والتصوير الصباغي، أو إلى لفن الفوتوغرافي.. وغيره من أشكال التعبير الفني التصويري. بذلك، نصل إلى ” الفصل الرابع ” والأخير من نفس ” الباب الثاني ” ومن البحث كذلك، والموسوم : ” القصيدة المعاصرة في المغرب : من التشكيل إلى الرقمية “. إذ حاولنا من خلال مباحثه الأربعة طرح وتناول العديد من الجوانب، والقضايا، والمعطيات، والمفاهيم الخاصة بالتواصل والكتابة والإبداع في عالم متغير “، أصبحت تطبعه وتهيمن عليه ” الوسائطية ”، و ” الرقمنة “، و” الترابطية أو التشعبية النصية Hyper textualité “، و” التفاعلية interactivité ” في الإبداع الأدبي، والعديد من تقنيات ومظاهر العصر الرقمي الجديد. مستعرضين ومحللين في هذا الفصل بعض النماذج الأساسية من الأعمال الشعرية الرقمية والتفاعلية العربية والمغربية. مع الإشارة أيضا إلى أننا أرفقنا بحثنا هذا بقرص مدمج، يحتوي على نماذج منتقاة من القصائد الرقمية العالمية والمغربية، والتي كان بعضها موضوعا أو مادة للتحليل والتناول في هذا البحث. إضافة إلى نماذج عدة ومختلفة من ” بطائق شعرية رقمية ” : كنا قد أنجزناها خصيصا بواسطة برامج معلوماتية وحاسوبية، كمحاولة منا لتحقيق جزء من مشروع ” رقمنة ” القصيدة المغربية والعربية، وتعميق حضور البصري في خطاب ولغة هذه القصيدة بشكل أساس. 4 من العام الخاص أو بعض خلاصات البحث واستنتاجاته الكبرى : دائما ارتبطت المشافهة بالذاكرة والحفظ،، فيما ارتبطت الكتابة بالحضور ( حضور الذات الكاتبة والأثر الكتابي معا ) : وبهذا المعنى، تكون الذاكرة أيضا مرتبطة بالغياب : ليس غياب القائل والصوت فقط،، بل غياب المقول كذلك، وما يمكن أن يحيل إلى هيئته ومظهره وملامحه الملموسة والواقعية. لقد حفر الإنسان، ونقش، ورسم، وصبغ، ولون على جدران الكهوف والمغاور قبل أن يتكلم ويكتب. قدس الإنسان في بدايته وما يزال الصورة والأيقونة والعديد من الأشكال ” المجيدة ” لظله، وجسده، ومحيطه، قبل تقديسه للكلام الإلهي. الصورة إذن هي البداية. أعاد الإنسان إنشاء لغاته في السند وبواسطة المطبعة، وبالتالي منح تجسيدا ماديا ملموسا ومرئيا لصوته وصورته وأفكاره وأفعاله المتعددة. عرفت الحضارات الشرقية والعربية والإسلامية بدورها وفي مجملها ( بما فيها القديمة ) العديد من أشكال التدوين البصري في منجزتاها العمرانية، والفنية، والنصية على حد سواء. ولو بأشكالها الأكثر تجريدية وروحانية أحيانا. مع مجيء حركة ” الشعر الحر “، ودخول القصيدة العربية الحديثة مرحلة الطباعة، كان العديد من الشعراء قد شرعوا في كسر النسق العمودي والمتوازي الأشطر لهذه القصيدة. هو النسق المبني عروضيا وخطيا على وحدة البيت والقافية. ليتم تعويضه أو استبداله بنسق جديد يتخذ المقطع والسطر الشعري تحديدا عنصرا أساسيا في بناء جسم القصيدة وهيكلها الكلي. كانت بيانات الكتابة في المغرب ( البيانات الشعرية تحديدا )، تلك التي جاءت على شكل تأملات ومساءلات واقتراحات نظرية، أو بالأحرى في شكل مشاريع تنظيرية، تقدم بها شعراء مغاربة، وطرحوا من خلالها تصورا نظريا يعضد أو يفسر في منحى آخر تجاربهم الإبداعية : بمثابة وعي نظري بقيمة البصري والمكاني في القصيدة. هو الوعي النظري الذي حصل بشكل أو بآخر لدى بعض الشعراء المغاربة الذين أصدروا ” بيانات للكتابة ) : ( محمد بنيس، وعبد الله راجع على وجه التحديد )، في مرحلة معينة من مسار كتابتهم أو تجاربهم النصية. عرفت القصيدة العربية والمغربية الحديثة، والمعاصرة منها على وجه الخصوص، نوعين أو ضربين من التشكيل البصري : أ الضرب الأول : خطي، تجسد أساسا على مستوى تشكيل القصيدة هندسيا على الحامل أو الصفحة، بواسطة الحروف والعلامات ( سواء كانت هذه القصيدة ذات خاصية طباعية محضة، أو ذات خاصية كاليغرافية، منسوخة باليد ). ب أما الضرب الثاني لتشكيل القصيدة العربية بصريا، فتجلى في لجوء الشعر إلى التشكيل كأداة للدلالة والتعبير. أي : حين أدرجت هذه القصيدة في صلبها عناصر أخرى غير لسانية، وذات قيمة تشكيلية وتصويرية بالأساس : من رسوم وعلامات وصور فوتوغرافية وألوان، وغيرها من العناصر الأيقونية والإشارات يعرف العصر الرقمي الحالي الكثير من التجليات الوسائطية، والتحولات الجذرية في مفاهيم وأشكال الثقافة، والتعاملات، والعلاقات الإنسانية نفسها بين المجموعات البشرية، سواء داخل محيطها الجغرافي الخاص، أو عبر الفضاء الكوني. وعرفت تسمية ” القصيدة الرقمية ” بدورها، وخصوصا في مجال التداول النقدي والكتابي العربي، الكثير من الالتباسات في التعريف وفي المفهوم. خصوصا وأن هذا ” الجنس ” أو هذا ” الإنجاز ” الإبداعي التفاعلي، يعد بمثابة الوافد ” الجديد ” والمستحدث نوعا ما في الثقافة الإنسانية بشكل عام، والمستنبت كذلك في الثقافة والممارسة الإبداعية العربية بشكل خاص. أخيرا يكون السؤال الكبير : ” هل نعلن موت الكتابة ؟ “، والذي قمنا بطرحه في خاتمة البحث، هو السؤال الذي استعرناه بصيغة أخرى من تأملات وحفريات ” موريس بلانشو ” ( خصوصا في كتابه التدشيني ” الكتاب الآتي Le livre à venir” ) ، وغيره من الباحثين والمهتمين بهذا المجال، لنجعله آخر ركن أو آخر محطة في بحثنا، ثم ” مشروعا ” ممكنا أيضا لما يمكن أن ننكب عليه مستقبلا من اشتغالات، لها علاقة وطيدة بمجالات البحث واهتمامنا : سوى أفق آخر، ممكن، وصعب، وجميل أيضا للتأمل، ولمحاولتنا هاته في نفس الوقت. تازة اليوم حضرت مناخ النقاش العام بالجامعة وتهنئ الاخ الصديق بوجمهة العوفي على إنجازه العلمي غير المسبوق