أسفر الاستقبال الذي خص به جلالة الملك محمد السادس يوم 11 أبريل رئيس مجلس المنافسة عبد العالي بنعمور، عن إعطاء نفس جديد للمجلس والانتقال به من مجرد مؤسسة استشارية تستقبل الشكايات من الأطراف المعنية المنصوص عليها في القانون وتتدارسها دون أن يكون لها الحق في تفعيلها أو في نشر خلاصاتها، إلى مؤسسة معززة بمهام جديدة وإمكانيات واسعة تسمح لها باتخاذ المبادرة والقيام بتحريات في القضايا التي تعتبرها تستحق الأولوية، وبدل أن تسلم نتائج عملها إلى أطراف بعينها، فقد صار بإمكانها أن تنشرها لتصبح في متناول العموم. التوجيهات الملكية المطمئنة شكلت بالنسبة لعبد العالي بنعمور منعطفا جديدا نحو تقنين العلاقات الاقتصادية والتجارية، وتحويل خلاصات البحث إلى قضايا تلزم السلطات التنفيذية والقضائية بالبت فيها ووضع حد لمظاهر الإفلات من العقاب، لكنه في نفس الوقت نبه إلى أن هذا التحول سيواجه معارضة قوية من طرف «جيوب المقاومة»، وهذه المعارضة سوف لن تتخذ شكلا مباشرا وإنما ستدفع إلى تسخير أوساط أخرى، وخاصة منها بعض الأجهزة الإعلامية. وبالمناسبة دعا الصحافة الوطنية إلى التحلي بالمصداقية والمساهمة في خدمة هذا الورش الوطني عوض التحول إلى أدوات تحت تصرف اللوبيات المستفيدة من اقتصاد الريع ومن الممارسات التي تتناقض مع قانون المنافسة. على المستوى العملي دعا بنعمور إلى المصادقة على مشروع القانون الجديد في الدورة البرلمانية الحالية لتفادي ضياع الوقت، كما دافع عن مبدأ الفصل بين السلط، ومن خلاله على استقلالية المجلس وعلى ضرورة تعامل القضاء مع التقارير المحالة عليه من طرف المجلس بالجدية التي تستحقها، فالتقارير وصكوك الاتهام التي تحرر تكون عديمة الجدوى ما لم تخضع للمحاكمة العادلة، وما لم تجد الأحكام النهائية طريقها إلى التنفيذ. وإلى نفس المنحى اتجهت آراء الخبراء والفاعلين الاقتصاديين الذين استقرأنا وجهات نظرهم حول ما يمكن لهذا الجهاز أن يمثلة من قيمة مضافة في المشهد الاقتصادي... محمد حوراني: نطالب بالاعتراف بقيمة «المنافسة الحرة» دستوريا أشاد محمد حوراني، رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، بالدفعة الجديدة التي أعطاها جلالة الملك لمؤسسة مجلس المنافسة، وقال حوراني إن توسيع صلاحيات هذا المجلس وجعله آلية فعالة لتقنين مجال المنافسة ، يلتقي تماما مع مطالب الاتحاد العام لمقاولات المغرب المتمثلة في تهييء الأجواء المناسبة لاشتغال المقاولات. وأكد حوراني أن من ضمن المقترحات التي طلبت من الاتحاد العام لمقاولات المغرب من أجل تعديل الدستور، يوجد مطلب المنافسة الحرة كقيمة مهمة لابد أن يعترف بها دستوريا. وقال رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب: لقد كنت من السباقين الى المطالبة بضرورة تطوير مجلس المنافسة بما يخول له تطبيق قوانين المنافسة على أرض الواقع و اعطائها معنى تطبيقيا.. فالمغرب الآن، يضيف حوراني، أصبح في أمس الحاجة إلى جهاز من هذا النوع يسهر على احترام قوانين السوق، ولا شك أن هذا سيمنح الاقتصاد الوطني قيمة مظافة كان يفتقر إليها، خصوصا وأن للمغرب التزامات على الصعيد الدولي، سواء في وضعه المتقدم مع الاتحاد الاوربي كشريك استراتيجي يطالب بملاءمة القوانين المغربية مع المعايير الأوربية، بما في ذلك المعايير التي تهم جانب المنافسة..أو في علاقة المغرب بمناخ العولمة الذي ينبني أصلا على مبدأ القوة التنافسية للمقاولات، لذلك يشتغل الاتحاد العام لمقاولات المغرب على ورش تأهيل مقاولاتنا الوطنية لمجابهة هذا الوضع، وهنا تكمن أهمية مجلس المنافسة يتمتع بجميع الاختصاصات التي تمكنه من السهر على فرض أجواء المنافسة الشريفة.. كما أن من شأن هذا المجلس إذا ما تطور أداؤه، أن يساهم في تحسين مناخ الأعمال بالمغرب مع ما يعنيه ذلك من تشجيع للاستثمارات الخارجية وجعل الاقتصاد المغربي أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب.. وأثار حوراني بعض مظاهر انعدام تكافؤ الفرص في الساحة الاقتصادية، ومن ذلك مثلا، اطلاق الدولة لبعض طلبات العروض المجحفة في حق المقاولات المغربية، كأن ترفع سقف دفاتر التحملات إلى مستويات عليا يعلم الجميع أنها لا تتوفر في المقاولة المغربية، على الرغم من كون هذه المقاولة باستطاعتها تنفيذ مشروع هذه الصفقة..وهذا موضوع لا يمكن لمجلس المنافسة وحده أن يعالجه ما لم تراجع مسطرة إعداد الصفقات العمومية بشكل عام يضمن نوعا من تكافؤ الفرص. من جهة أخرى أكد رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب أنه لم يسبق له أن توصل بشكايات من بعض المقوولات تهم موضوع المنافسة و لكن هذا لايمنع من وجود مجموعة من الاختلالات التي تنتظر من المجلس تصحيحها، وأن علي هذه المؤسسة تقع مسؤولية جسيمة في تقنين وتخليق الممارسات الاقتصادية بما يحفظ لمناخ الأعمال جاذبيته ويضمن لجميع المستثمرين حقهم في ولوج السوق دون تمييز بين كبير أو صغير.. خالد الحريري : الحكومة تلكأت في مطلب توسيع صلاحيات مجلس المنافسة قال خالد الحريري عضو لجنة المالية بمجلس النواب إن الرفع من صلاحيات مجلس المنافسة كان مطلبا داخل الفريقي الاشتراكي منذ سنتين، فقد اتضحت لدينا منذ البداية، وقبل ما أفرزته حركية 20 فبراير، يضيف الحريري، محدودية أداء هذا المجلس بصيغته الحالية ، وهامش التحرك الضيق الذي لديه لا يخوله معالجة ملفات في حجم تلك المطروحة على أرض الواقع، وبالتالي نادينا بضرورة توسيع صلاحياته بما يضمن له النجاعة في تحقيق الأهداف التي أنشئ من أجلها، غير أننا للأسف لمسنا في الحكومة الكثير من التردد والتماطل.. الآن وقد جاء التجاوب من طرف جلالة الملك، نأمل أن يتم تدارك الوقت الضائع وأن يخرج هذا المجلس بحلته الجديدة بعد أن يقطع مراحل عرض المشروع علي الحكومة وعلى المجلس الوزاري قبل أن يصل الى البرلمان ليأخذ نصيبه من المناقشة والاغناء.. وبالنسة لتركيبة المجلس قال الحريري إن الطاقم الذي سيتكون منه لابد وأن تتوفر فيه عناصر الخبرة والنزاهة والدراية بالملفات، غير أن ذلك لا يعني أن المواصفات التقنية هي المطلوبة لذاتها.. بل يمكن أن يتكون المجلس من أعضاء من مختلف المشارب على أن تتم الاستعانة بالتقنيين والخبراء في معالجة الجوانب التقنية.. ويتفق الحريري مع ضرورة اخذ المجلس مسافة من كل المؤثرات الخارجية وخصوصا من الجمعيات المهنية أو القطاعية.. أما الملفات التي على المجلس أن يتناولها، فيرى الحريري أنها لاغ تتعلق بالضرورة بمحاربة الامتيازات بل عليه أن ينكب بشكل متواز على ملفات لها ارتباط وثيق بمجال المنافسة، والساحة الاقتصادية تعج بالأمثلة الصارخة عن اختلال قواعد المنافسة في مجالات حيوية كقطاع الاتصالات و قطاع الاسمنت... كما أن عليه أن يبادر إلي تنفيذ البعد الاجتماعي من إنشائه والمتمثل في محاربة التجمعات المصالحية بين المقاولات لفرض اسعار غير معقولة على السوق متفق عليها ضمنيا، بما يؤثر سلبا على القدرة الشرائية للمواطنين. وبالنسبة لتعيين رئيس هذه المؤسسة ألح الحريري أنه ينبغي أن يكون، شأنه شأن جميع التعيينات في المناصب السامية، نابعا من مجلس الحكومة، وقد نص الاتحاد الاشتراكي على ذلك في مقترحات التعديلات الدستورية.. أما بالنسبة لمظاهر الريع، فيعتبر الحريري أن الموضوع متشعب وفضفاض وفيه الكثير من الزوايا التي لاتدخل قطعا في اختصاصات المجلس، صحيح أنه ينبغي تقنين الامتيازات الممنوحة ولكن الأهم هو شفافية منح هذه الامتيازات، لأنه ليس من الممكن القطع معها نهائيا، فالرخص التي تمنحها الدولة ينبغي أن تخضع لمعايير واضحة وشفافة تخول للجميع الاستفادة منها، كما تترك حصصا محددة لذوس الاحتياجات الخاصة أو ما شابههم.. ادريس بنعلي لن يكون من السهل القطع مع ممارسات تأسست عبر زمن طويل قال الخبير الاقتصادي ادريس بنعلي إن اضفاء الصفة التقريرية على عمل مجلس المنافسة يعتبر أمرا حاسما في نجاعته وأداء دوره كاملا في السهر على احترام قواعد اللعبة الاقتصادية. وأضاف بنعلي في حديث خص به ««الاتحاد الاشتراكي»» أن المهمة الأساسية التي ينبغي أن يضطلع بها هذا المجلس هي ضمان حرية المنافسة ومحاربة الاحتكار، حيث أن اقتصاد السوق يتعارض مع مبدأ الاحتكار كما أن الاحتكار مرادف لاقتصاد الريع، وقد فطنت الأدبيات الاقتصادية منذ القرن التاسع عشر إلى هذا التعارض بين الاقتصاد الليبرالي الذي يلتزم بقواعد السوق واقتصاد الريع، الذي تختبئ وراءه ، ماأسماه بنعلي ««الطفيليات»» التي تعيش على امتيازات ممنوحة دون أن تساهم في خلق قيمة مضافة للاقتصاد. واعتبر بنعلي أن القطع مع اقتصاد الريع ونظام الامتيازات الذي مازال معمولا به في بلادنا سيعرض مجلس المنافسة لحرب ضروس، لأنه لن يكون من السهل القطع مع ممارسات تأسست عبر زمن طويل ، خصوصا وأن المستفيدين من هذه الوضعية يشكلون لوبيات قوية ستحارب بكل مالديها من إمكانيات للحفاظ على امتيازاتها وهذا أمر طبيعي، لذلك، يضيف بنعلي، لن نستغرب إذا مارأينا مجموعات الضغط تهاجم هذه المؤسسة الجديدة التي هي مجلس المنافسة، والتي يمكن أن تنعتا بمختلف النعوت بما فيها انعدام الخبرة والنزاهة والتحيز..،.إلخ من هنا يؤكد الخبير الاقتصادي علي ضرورة آن يتمتع بعضوية مجلس المنافسة أشخاص تتوفر فيهم الخبرة والاحترافية اللازمة لمعالجة إشكاليات تقنية دقيقة تتطلب دراية تامة بمناحي الشأن الاقتصادي، كما ينبغي أن تتوفر فيهم وجوبا شروط المصداقية والنزاهة بألا يكون لديهم أي ارتباط أو تأثير كيفما كان نوعه من عالم المال والأعمال، هذا بالاضافة الى ضرورة تحلي الأعضاء المكونين لهذا المجلس بروح النقد والقدرة على الدفاع عن أفكارهم وقراراتهم بكل جرأة.. وهذا ما يطرح أهمية الاستقلالية المادية والمعنوية التي ينبغي أن يتمتع بها المجلس حتي يؤدي مهامه بحيادية مطلقة.. وقال بنعلي إن مبدأ التدرج مطلوب في عمل المجلس لأنه لن يستطيع محاربة ممارسات شاذة تكرست عبر التاريخ في ظرف وجيز، خصوصا وأن أمر يقتضي تغيير عقليات وإرساء معالم ثقافة جديدة.. وبالتالي سيكون عليه معالجة هذه الملفات عبر مراحل احتراما لهذا التدرج.. عزيز لحلو الاقتصاد المغربي مازالت تتحكم فيه لوبيات منفعية قال الدكتور عزيز لحلو استاذ الاقتصاد بالمدرسة الوطنية للإدارة إنه أمر جيد أن تعطى لمجلس المنافسة الصلاحيات الكاملة لممارسة مهامه لتخليق شؤون المنافسة وفرض النظام علي الجميع، غير أنه استطرد قائلا إن الأمر سيكون عسيرا للغاية، فالاقتصاد المغربي مازالت تتحكم فيه لوبيات منفعية وفيوداليات متشعبة المصالح تستفيد منذ زمن طويل من نظام الامتيازات الذي نما في ظل اقتصاد الريع، وأعطى لحلو نموذجا صغيرا بما يجري مثلا في قطاع اللوحات والملصقات الاشهارية، حيث الفوضى تطغى على التقنين، والزبونية تتعالى فوق القواعد المعمول بها دوليا في هذا المجال، وقس على ذلك في مجالات التجارة والصناعة...وغيرها وبالتالي يضيف لحلو، فإنه حتى لو افترضنا جدلا أن المجلس القادم لشؤون المنافسة، ستكون له سائر الضمانات لفرض القوانين علي الجميع، بما في ذلك الضوء الأخضر الذي تلقاه مؤخرا من المؤسسة الملكية، فإنه سيصطدم بواقع متشعب تتقاطع فيه المصالح، وبالتالي سيتطلب الأمر وقتا طويلا لتغيير الأمور، وليقتنع الجميع بأن المصلحة العامة للاقتصاد الوطني فوق كل اعتبار وأن القوانين وضعت لتطبق لا لتنتهك.. ويرى عزيز لحلو أن مجلس المنافسة في شكله الجديد ينبغي أن يتسلح بترسانة من القوانين لمواجهة هذا التحدي، وليقطع مع الكثير من العادات السيئة التي ترسخت في المعاملات الاقتصادية والادارية، كالمحسوبية والزبونية والاعتبارات التمييزية التي تتحرك بها السلطات الادارية أحيانا مع ذوي النفوذ.. إذن فعوامل الفساد متداخلة ولا يمكن لمجلس المنافسة وحده أن يجابهها ما لم تشتغل آليات أخرى بنفس منطق التطهير والتخليق، كالهيأة العليا لمحاربة الرشوة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي.. غير أن النقطة الأهم التي يركز عليها الدكتور عزيز لحلو هي ضرورة تطهير الفعل السياسي من تأثير ونفوذ سلطة المال، فالمغرب في أمس الحاجة اليوم إلي فاعلين سياسيين محترفين، بعيدين عن التواطؤ مع رجال الأعمال أو مع مافيا المصالح، سياسيون يشتغلون ببرامج تخدم المصلحة العامة وليس مصالحهم الشخصية.. وهنا يكمن الإشكال الصعب..