في صبيحة باردة شهر يناير الماضي، خرج آلاف المتظاهرين في قلب العاصمة الباكستانية لاهور يهللون باسم أحد القتلة. كانت تلك الجموع تجوب الشوارع وتردد الشعارات وترفع صور بطلها، الذين لم يكن سوى شاب ملتح يدعى ممتاز قدري. قبل عشرة أيام من تلك المظاهرة، قام قدري، الذي كان مكلفا بالحراسة الشخصية لحاكم إقليم البنجاب، سلمان تيسير، بإفراغ رصاصات رشاشه في ظهر الحاكم. وبعد أن تم سجن قدري، أصبح يمثل رمزا لكل الأحزاب الدينية التي خرجت في تلك المظاهرة. يقول صادق، وهو طالب بأحد المدارس القرآنية: «ينبغي أن يتم الإفراج عن ممتاز قدري لأنه أنقذ شرف الإسلام»، ويضيف بالقول: «لقد كان الحاكم تيسير مجدفا. وحسب ما ينص عليه ديننا، فينبغي إعدامه.» إلى جانبه كان يقف بعض الفتيان يحملون صورة للقتيل وقد أشعلوا فيها النار وهم يصرخون: «لقد مات الفاسق، لقد مات الكلب». كانت الجريمة التي ارتكبها سلمان تيسير، العضو البارز بالحزب الشعبي الباكستاني، وهو الحزب الحاكم، لائكي وتقدمي، متمثلة في مطالبته بمراجعة «قانون التجديف»، الذي أدرجه ديكتاتور إسلامي سنة 1986 ضمن القانون الجنائي الباكستاني. وينص هذا القانون على الحكم بالإعدام على كل من يقذف الرسول [عليه الصلاة والسلام]. ورغم أن هذه العقوبة لم تطبق بعد، إلا أن توجيه اتهام من هذا القبيل كفيل بإدخال الأشخاص المتهمين إلى السجن. والواقع أن هذا القانون يتم اللجوء إليه مرارا من أجل الانتقام من بعض الأشخاص وترهيب الأقليات الدينية، والتي بالكاد تبلغ 3 بالمائة من الساكنة، غير أن أفرادها يمثلون 50 بالمائة من المتهمين بالتجديف. ولد ممتاز قدري، البالغ من العمر 26 عاما، في مدينة روالبندي، وانضم إلى قوة شرطة إقليم البنجاب سنة 2003، ليلتحق عاما بعد ذلك بقوات الشرطة النظامية 2004 حيث انضم إلى الشعبة الخاصة لبعض الوقت قبل أن يتم إرجاعه إلى قوات الشرطة النظامية لأسباب تأديبية. تم اختيار قدري للتدريب في قوة الصفوة في سنة 2007 قبل بدء عمله في حراسة الشخصيات الهامة في حكومة إقليم البنجاب. يقول أحد المسؤولين البارزين في شرطة روالبندي، والمطلع على السجل الشخصي والمهني لممتاز قدري، إنه كان يخضع لفحوص طبية دورية منذ التحاقه بقوة الشرطة، وقد أجرت الشعبة الخاصة تحريات عن خلفية عائلته قبل انضمامه إليها. وقال مسؤول بارز في مدينة روالبندي: «هذا ما تظهره سجلاته». لكن الحقيقة أن ممتاز قدري لم يخضع لاختبار نفسي أو أي عملية تقييم أمني، وأن ميوله الدينية التي كانت معروفة للجميع داخل قوة الشرطة لم تحرك أيا من مسؤوليها للقيام بعملية تقييم أمني جديدة، ولا تظهر سجلاته الشخصية أنه ثبت أنه غير صالح لحراسة الشخصيات الهامة للغاية نتيجة لتوجهاته الدينية المتشددة. الحقيقة أيضا أنه من الشائع جدا في سلك الشرطة أن يوجد مجندون لهم انتماءات دينية أو يرتبطون بمجموعة دينية أخرى. ولعل أخطر جانب في اغتيال سلمان تيسيرأنها نُفذت على يد أحد حراسه الشخصيين المنتمين إلى نخبة من عناصر الشرطة التي تدربت تحديداً لمحاربة الإرهابيين في إقليم البنجاب، وقد أخبر ممتاز قدري زملاءه بأنه سيطلق النار على الحاكم، ولم يقم أي منهم بإيقافه أو الإبلاغ عنه. كان الحراس الآخرون يراقبون ما يحصل حين أمطر قدري جسم تيسير بأكثر من عشرين رصاصة، ثم أنزل رشاشه بكل هدوء. تشهد باكستان اضطرابات كبرى منذ فترة طويلة، غير أن اغتيال سلمان تيسير، أكثر السياسيين الليبراليين شجاعةً على الإطلاق، عاد لتسليط الضوء على تلك الاضطرابات. لطالما كانت النخبة الحاكمة في باكستان هي المسيطرة على الوضع، وما كان جيشها ليسمح بتفكك البلاد، وستبقى ترسانتها النووية بأمان، لكن بعد ذلك الحادثة أصبحت الشكوك هي المخيمة على ما يمكن أن يحدث. أما أخطر جانب لاغتيال تيسير، فكان واقع أن العملية نُفذت على يد أحد حراسه الشخصيين المنتمين إلى نخبة من عناصر الشرطة في إقليم البنجاب، علماً أن تلك العناصر تدربت تحديدا لمحاربة الإرهابيين. أخبر ممتاز قدري زملاءه بأنه سيطلق النار على الحاكم، ولم يقم أيٌّ منهم بإيقافه أو الإبلاغ عنه. كان الحراس الآخرون يراقبون ما يحصل حين أمطر قدري جسم تيسير بأكثر من عشرين رصاصة، ثم أنزل مسدسه بكل هدوء. أشارت التقارير إلى أن كبار المسؤولين عن قدري كانوا على علمٍ بآرائه المتطرفة، وقد نُقلت أصداؤها إلى السلطات العليا، ولكنه بقي في وظيفته رغم ذلك. لم تكن تلك الحادثة أول هجوم يرسخ الاستنتاج القائل بأن المجاهدين يتسللون إلى الجيش الباكستاني، وقد أدى دعم هذا الجيش في الأصل للمقاتلين الإسلاميين إلى نشوء مصدر قلق شديد. حين كان برويز مشرف رئيسا، نجا من محاولتي اغتيال على يد الجيش والضباط في القوات الجوية. تعتبر الاستخبارات الأميركية أحد هؤلاء الضباط، إلياس كشميري- مغوار سابق في الجيش سرعان ما أصبح ناشطا في تنظيم القاعدة- من أخطر القادة الإرهابيين بقدر أسامة بن لادن. وفي سنة 2007، نفذ ضابط جيش باكستاني تفجيرا انتحارا ضد ‹مجموعة الخدمات الخاصة› التابعة للجيش الباكستاني. ما يثير قلقا أكبر هو أن الليبراليين والمعتدلين الباكستانيين يلتزمون الصمت ويشعرون بالخوف بعد حادثة الاغتيال، فقد اختفت حليفة تيسير الوحيدة في البرلمان، شيري رحمن، عن الأنظار، وبينما أعلن الملالي والسياسيون، وحتى بعض الصحافيين، صراحةً أن مقتل تيسير كان مبررا بسبب آرائه الليبرالية، قلة من الشخصيات أبدت دعمها له. هذه هي معضلة المجتمع الباكستاني: لطالما حصلت الأحزاب الإسلامية المتطرفة على نسبة ضئيلة من أصوات الناخبين، ومع ذلك ترضخ النخب الحاكمة لأولئك المتعصبين. كان تيسير شخصية سياسية جذابة وله شعبية واسعة. وكان أعداؤه من المجرمين غير المنتخبين. هو كان يحصد الأصوات الانتخابية، وهم كانوا يجمعون الأسلحة. منذ حقبة السبعينيات، حين قرر الدكتاتور في تلك الفترة، محمد ضياء الحق، بأن الجيش حصل على المصداقية من خلال تحالفه مع المتطرفين الإسلاميين، ضعفت المؤسسات السياسية كثيراً بفعل التطرف. يحتج الجنرالات الباكستانيون على ما ييقال، معتبرين أنهم يحاربون الإرهابيين وأن أفضل إثبات على ذلك هو سقوط الضحايا في صفوفهم. هذا الأمر صحيح، فعلى أعلى المستويات، يدرك الجيش أنه مضطر إلى محاربة المقاتلين الإسلاميين، لكنه لا يزال يحاول التمييز بين الإرهابيين، ويبدي ترددا في تصميمه على أداء هذه المهمة، ويبقى مهووسا بكسب عمق استراتيجي أكبر في الخارج، في حين يشتعل الوضع المحلي في بلاده. لنفكر بوضع حركة ‹طالبان› الأفغانية التي تتمركز قيادتها كاملة في منطقة شمال وزيرستان التي تحد أفغانستان. رفض الجيش الباكستاني مهاجمة أي جماعات مرتبطة بالحركة، مدعيا أنه لا يملك القدرات لفعل ذلك، لكن عمليا، لا يزال الجنرالات الباكستانيون مقتنعين بأن الطريقة الوحيدة لفرض نفوذهم في أفغانستان يجب أن تمر عبر طالبان، علماً أنهم كانوا على شراكة معها طوال 20 سنة. إذا كانت باكستان تعجز عن عكس مسارها التراجعي، فستؤول الجهود الأميركية في أفغانستان إلى الفشل حتما. طالما تبقى ‹طالبان› و›القاعدة› في أمان وتحظيان بالدعم في مكان اختبائهما في باكستان، فسيبقى التقدم في أفغانستان مؤقتا. يمكن أن تعود ‹طالبان› بسهولة إلى قواعدها في باكستان، وأن تسمح للقوات الأميركية بالانسحاب في مرحلة لاحقة من هذه السنة، ثم العودة بعد أخذ استراحة وإعادة التسلح، بهدف تجديد المعركة ضد حكومة كابول. عند حصول ذلك، ستواجه الولاياتالمتحدة خياراً صعباً يقضي بالاختيار بين اللجوء مجدداً إلى خطوة زيادة عدد القوات العسكرية أو متابعة انسحابها مقابل عودة نشوء ‹طالبان› على الساحة الأفغانية. ومن جانبه، دعا البابا بنديكتوس السادس عشر باكستان الى الغاء قانون منع التجديف المعمول به في البلاد، وذلك بعد ايام قليلة من اغتيال الزعيم السياسي الباكستاني الليبرالي سلمان تسيير الذي كان من ابرز معارضي القانون. وقال البابا إن القانون يستخدم كمبرر للعنف ضد الأقليات الدينية وسيما الأقلية المسيحية. وأشار البابا في كلمته: «من القوانين التي تحرم الناس حقهم في حرية العبادة، يجب علينا ان نذكر قانون منع التجديف المعمول به في باكستان، وانا التمس من قادة هذا البلد ان يتخذوا الخطوات الكفيلة بإلغائه لأنه يستخدم كمبرر لإلحاق الظلم والأذى بالأقليات الدينية.» عن «ليبراسيون» الفرنسية