1 لكل «وضع اعتباري» يتصف به فرد من أفراد المجتمع مدلول قيمي داخل الحقل الاجتماعي ا لثقافي ، ويتحدد في الأنثروبولوجيا كقيمة رمزية أو سلطة روحيةتوسطية)،القائم بها مرتبط بالخارق والمقدس .. وفي السوسيولوجيا يتعين كوظيفةوالقائم بها ينجز دورا اجتماعيا بما يمارسه من سلوك أو إنتاج ينشط الثقافة أو يلبي الحاجات الثقافية الدنيوية للمجتمع معبرا عن الاختيارات والمطامح والصراعات الاجتماعية . ومن ثم فمصطلح «الوضع الاعتباري» يعطي مكانة يحظى بها كل من يعمل في المجتمع ،مكانة تحمل دلالات تتكيف ونوعية «الأدوار» التي ينفذها الفاعلون ؛بمعنى أن «الوضع الاعتباري» ليس حكرا على فئة دون فئة ، خصوصا إذا بقي مجرد قيمة معنوية رمزية.؛ فالمعلم والقاضي والطبيب ، والفقيه والفنان والكاتب ، والعالم ، والساحر.. وغيرهم، يمتلكون هذا الوضع كنوع من الاعتراف بالتميز ووجود الأثرالنافع ، وحين نستجلي طبيعة «الوضع الاعتباري» في الثقافة، سوسيولوجيا،نكتشف أنه وضع تشرحه الوظيفة المنوطة بمن يتولى القيام بفعل من الأفعال التالية :إنتاج الأفكار التي تغني الثقافة أو تعديلها وانتقادها.التعبير بواسطة خطاب عن مواقف تترجم وتعلل وتشرح مصالح وحاجات المجتمع المادية والروحية .. ومعنى ذلك أن «الوضع الاعتباري» يتراوح بين القوة والضعف ويتفاوت في الأهمية وفي العائد النفعي الذي يكتسبه صاحبه بحسب طبيعة الحقل الثقافي وما يعرفه من صراعات و مننازعات و توافقات من حيث القوة والضعف ؛ أي أنه وجه من أوجه المصالح الاجتماعية ، وأيضا أداة رمزية من أدوات تنظيم الصراع الاجتماعي داخل حقل الثقافة . فإذا كان المجتمع مشكلا من طبقات أو تشكيلات مختلفة ، فمن تحصيل الحاصل أن يكون هناك اختلاف في تعيين من يمنح صفة «الوضع الاعتباري» ومدلولها ، بل قد يحظى بها البعض لدى تشكيلة اجتماعية ولا يحظى بها غيره،بل قد يكون في كثير من الحالات موضع رفض وتكفير ونبذ خصوصا حين تنشط الخلافات الإيديولوجية والدينية والمذهبية - في الثقافة الواحدة أوفي الثقافة الهجينة ? مما يولد عنه حدة الصراع وتباعد الاختيارت، مما يفضى إلى صعوبة الاتفاق على حصر الصفة. ومرد ذلك إلى الثقافة نفسها ،بالنظر إلى وظائفها الكبرى : - وظيفة اجتماعية خاصة بالمجتمع كذات جماعية : في حالة توافق أوتنافر؛ حيث تقوم الثقافة بمهام التواصل والتعايش والاحتفاظ بالهويةالعامة والذاكرة ( هوية من ؟ وذاكرة من؟) - وظيفة إيديولوجية ؛ إذ تعبر عن الاختيارات والقيم المرتبطة بمصالح ومطامح الفئات المجتمع.ونظرتهم إلى أنفسهم وإلى العالم ( مصالح من ؟).. - وظيفة إنسانية ، تنظر الثقافة من خلال نفسها لترى نفسها في علاقة مع ثقافات أخرى ، تجاورها وتحاورها وتستفيد منها وتساهم معها في إعطاء الإنسان المجتمع مكانا في الحضارة والتاريخ ومستقبل الإنسانية.( علاقة التبعية أم التكافؤ). ونتيجة لذلك يتشبع»الوضع الاعتباري» بقيم يصعب حصرها حصرا دقيقا . 2 نخلص إلى القول بأن علينا أن ننظر إلى «الوضع الاعتباري» في كل مرة مقترنا بمن يسند إليهم ، ولا يجوز أن نعتبره محتوى واحدا وعلى درجة واضحة:أي إن قوته من قوة الدور الذي يتحمله صاحبه. ولا أظن أن»الوضع الاعتباري» للفقيه يتطابق مع ما للمعلم مثلا ، أو الطبيب والفيلسوف ، أو الممثل مع الكاتب ، ولا الكاتب مع من يعترف به مثقفا ؟؟ وليس مهما أن نتفق على مدلوله «المعنوي» العام الذي يشمل كل من ينشط في الحقل الثقافي ويحظى بتقدير الناس له أو يدعيه ادعاء . 3 وبالنظر إلىواقع الثقافة الثقافة المغربية ،وهي كما نعرف ثقافة هجينة ،متعددة ،و بها تنازع وتنابذ والتباس:لغويا وإيديولوجيا وارتباطات ( بثقافة لآخر،)وانعدام الوسائل وغموض الهدف التربوي ..وانعدام سياسة ثقافية رسمية ( أو غير معلنة تحبذ إبقاءالتوتر وعدم الوضوح ) ،مما يعني أن هناك عوائق تشكيك في من يتصف بصفة «الوضع الاعتباري» هنا أو هناك ، وتتركه فقط في حدوده المعنوية التي لا تلزم أحدا ولا يحتكرها أي مثقف أو كاتب . 4 وكما نعرف أننا في المغرب كثيرا ما رفعنا في مؤتمرات اتحاد- كتاب -المغرب مطلب «الوضع الاعتباري» ، ولم نناقش ماذا يعني ذلك ، ولم نحدد الشروط ، وكأنه مطلب نقابي ، نواجه به وزارة أو حكومة ، في وضع ثقافي واجتماعي كما شرحناه، ، وهذا يعني أننا أردنا من «لوضع الاعتباري» ألا يظل مجرد اعتراف معنوي رمزي ، بل أن تستتبعه حقوق قانونية ومادية . ونسيناأن كل حق مطالب به يستوجب مقتضيات الواجب : كل حق مشروط بواجب وكل اتفاق مشروط بتعاقد بين هذا أو ذاك. و ونسينا أن نعين أطراف التعاقد بحقوق وواجبات من دونها يبقى المطلب غامضا مستحيلا تحقيقه ونسينا أيضا أن نتساءل كفاية ولم نناقش ماذانعني بالضبط : - من هو الكاتب والمثقف وما هي حقوقه وواجباته ؟ - من هذا الذي نطالبه بواجباته نحو المثقف والكاتب ؟ - من هو الكاتب ، هل هو العضو المنخرط في الجمعية باعتبار ما كتبه في زمن انقطع وتوقف ؟؟ أو هو الذي يظل حاضرا بحسب مزاجه ؟ أو هو الذي له علاقات انتفاعية داخليا وخارجيا بمؤسسات وهيئات تتبناه ( قوميا وأوروبيا ) - هل هو الكاتب المثقف الأكاديمي الباحث المنتج ؟ - وهل هو المحامي والبرلماني والقاضي وصاحب المنصب السامي ؟؟ هل الكاتب والمثقف العاطل و المتسكع ؟ إذن ما هو الوضع الاعتباري الذي يتساوى فيه كل هؤلاء ؟ نعم يظل» الوضع الاعتباري» المعنوي والرمزي حقا متاحا لهم جميعاولغيرهم مرجعه ناجم عن درجة وقبمة ما يكتبون، وأما مدلوله المادي النفعي فلن يكون سوى امتياز فوق امياز يحصل الكثر منهم بسبب ارتباطهم بوظائف إدارية وسياسة وحقوقية ومؤسسات دولية ؟؟ وحتى نتحاشى الحساسيات الذاتية التي يمتاز بها عموم الكتاب والمثقفين،ينبغي عدم تشخيص الأسئلة في زيد أو عمر لآن الحساسيات كثيرا ما تدعم الغوض والالتباس في رؤية المشكلات بواقعية وموضوعية ، هكذا يتبن أن هناك أسئلة لم نخض فيها من قبل، فلم تقترب من التساؤل عن طبيعة «الحقل الثقافي» ومكوناته ، ولم نشخص الخلل الذي يحكمه : لم نتساءل مثلا: - من هذا الذي عليه واجبات تخص حق الكتاب والمثقفين ؟ - هل هناك مؤسسات ذات التزام نحوهم ؟ - هل هناك مؤسسة - نقابة تتكلم عن الحقوق والواجبات وتمثل الكتاب والمثقفين وتدافع عما تراه وضعا اعتباريا لهم؟؟ - هل هناك قوانين تعترف بأن «العمل الثقافي» له مردود مثل أي عمل مقترن بحقوق ؟ هل هناك حرص على تفعيل قانون حقوق الأليف وضبط آليا ت تنفيذه لحساب الكتاب والمثقفين والفنانين ؟؟ - هل توجد دور نشر وتوزيع منضبطة لقانون المحاسبة والمراجعة ؟ - هل ما يسمى وزارة الثقافة لها التزام واعتراف بالكتاب والمثقفين بعيدا عن المحسوبية والزبونية والقبلية ؟؟ - هل هناك مقاولات ، مسارح وفرق وجمعيات ذات نفع عام تقر بحقوق من يعمل معها من الكتاب والمثقفين؟ - هل لدينا مؤسسات إعلامية تحترم حقوق من تستغلهم من الكتاب والمثقفين والفنانين ؟ مما شك أن الإجابة عن تلك الأسئلة ستحرج كل من في بطنه عجينه مخمرة عودته على الانتفاخ الفارغ وانتهاز الأماكن السامية ؟؟: نستخلص مما قلنا إن «الوضع الاعتباري» بمستواه المعنوي والنقابي ليس منة وصدقة ومنحة وجائزة.هو صفة يحظى بها كل كاتب ومثقف له حضور في الحقل الثقافي بحضور إبداعه ومواقفه وفكره الذي يثير الانتباه. وهو حق نقابي بمستواه المادي مشروع ومشروط بتحديد الواجبات المفروضة على كل من يشغل أو يستغل عمل الكتاب والمثقفين ؛ أي إن» الوضع الاعتباري» ما بعد المعنوي ناتج عن التزامات تقتضي وجود مؤسسات تعمل وفق قواعد وقوانين تعاقد وتفاوض وشراكة قادرة على ترجمة الوضع الاعتباري عمليا . وإلى أن ينتظم الحقل الثقافي ويتمأسس وتنتفي الحساسيات وسلوكها الانتهازي ومسببات الخلل وغموض السياسة الثقافية ، فإن على الكتاب والمثقفين أن يقنعوا ب«الوضع الاعتباري» المعنوي ؛ فهم في غير حاجة إلى المطالبة به ،إذ من يطالب به بهذا المدلول ليس أصلا كاتبا ولا مثقفا ، ولا أحد يطلب إلا ما لا يملكه ؟