كان الاجتماع الخاص للمجلس الوطني يوم 25 فبراير المنصرم ، محطة أخرى للتأكيد على أولوية الاصلاح الدستوري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي في مقاربة الاتحاد الاشتراكي للانسداد والاحتقان اللذين وسما الحقل السياسي الوطني لأمد غير قصير. وهكذا تضمن البيان الصادر عن هذ ا الاجتماع من بين ما تضمنه، الدعوة الى إصلاح دستوري شامل وعميق يفضي الى إقامة ملكية برلمانية ترتكز على نسق مؤسساتي، يضمن فصلا واضحا ودقيقا للسلط في انسجام مع المعايير الكونية للتدبير الديمقراطي ، وفي مقدمتها تكريس ربط ممارسة السلطة بالمسؤولية السياسية. كما دعا البيان الى برنامج وطني لمحاربة الفساد واقتصاد الريع ، والفصل بين السلطة السياسية والادارية وبين عالم المال والأعمال، واتخاذ تدابير مستعجلة تتضمن إصلاحات اقتصادية واجتماعية تنهض بالوضع المعيشي للأغلبية المسحوقة وتقلص من الفوارق الاجتماعية. لقد عبر المجلس الوطني في هذا الاجتماع الخاص عن اعتزازه بتظاهرات 20 فبراير ودور الشبيبة الطلائعي فيها ، معتبرا مطالبها الاصلاحية من صميم البرنامج السياسي للاتحاد الاشتراكي الذي ناضل من أجله لعقود على مختلف الواجهات. بين اجتماعي 25 فبراير الماضي و19 مارس الذي سينعقد نهاية هذا الاسبوع ، لمناقشة والمصادقة على منهجية تحضير المؤتمر التاسع للحزب في غضون السنة الجارية ، يتوسط تاريخ 9 مارس هاتين المحطتين الحزبيتين كلحظة تاريخية متميزة ومفصلية في مسار الاصلاح الديمقراطي، إنها لحظة تجدد التقاء إرادة ملك وشعب في منعطف تاريخي جديد ونوعي. لقد سال مداد غزير حول أبعاد ودلالات ورهانات الخطاب الملكي ،وأشبع شرحا وتفسيرا وتأويلا، داخليا وخارجيا، كما خلق دينامية سياسية وحزبية جديدة، وأنعش الامل في الاصلاح والتغيير خاصة وأن المرتكزات السبعة للعرض الملكي للإصلاح الدستوري تتجاوب بعمق مع مطالب لها تاريخ ، وأصبح لها اليوم امتداد شعبي عبرت عنه تظاهرات 20 فبراير، ولها بالتأكيد ضمانات التحقق الواقعي وفي مقدمة هذه الضمانات إرادة الملك والشعب . ولعل ما هو مطلوب بإلحاح الآن هو الانخراط المنظم والجماعي لكل مكونات الحقل السياسي والحزبي والاكاديمي وفعاليات المجتمع المدني في حوار وطني حول تفاصيل المرتكزات السبعة للإصلاح .وحول الآليات القمينة بصياغة وثيقة دستورية جديدة ترسي هندسة دستورية تتحقق فيها روح الديمقراطية ، والتي ليست شيئا آخر غير فصل السلط وتوازنها وتدقيق اختصاصاتها، وتؤسس لقواعد بناء الدولة على أساس تعاقدي وتعددي، وعلى قاعدة مقومات الديمقراطية كثقافة حداثية وكمشروع سياسي يستلهم ويتمثل القيم الكونية لحقوق الانسان، فذلك هو ما يحصن كل بناء ديمقراطي مؤسسي من الارتداد على نفسه. إن المشاركة الواسعة بمختلف الاشكال في هذا الورش الاصلاحي المفتوح والمنفتح على كل مكونات المجتمع وفعالياته المتعددة والمتنوعة ، هو ما سيضفي على إعداد اللجنة المكلفة من طرف ملك البلاد الطابع التأسيسي الديمقراطي لمشروع الدستور الجديد الذي سيعرض على استفتاء شعبي .ولعله سيكون من الضروري في هذه اللحظة الحابلة بالآمال، والواعدة بغد ديمقراطي حقيقي ،اتخاذ تدابير استباقية ومستعجلة سواء من طرف الدولة أو من طرف الاحزاب. من جهة الدولة ، ولأجل خلق مناخ ثقة أقوى، فإنها مطالبة بقرارات منسجمة مع السياق الجديد بعد 9 مارس وقبله 20 فبراير، وفي مقدمتها: - إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وفي مقدمتهم ما يعرف بالمعتقلين الستة في ملف بلعيرج ومن بينهم مناضلو وقادة حزبي «البديل الحضاري» و»الأمة»، ومراجعة ملفات معتقلين آخرين بإرادة طيها. -الالتزام بحماية الحق في التظاهر السلمي وفتح تحقيق فوري في الاعتداء على المتظاهرين والمارة يوم 13مارس بالبيضاء، وانتهاك حرمة مقر حزب مناضل في حضرة رمز من رموز المقاومة والنضال الديمقراطي الشعبي ذ محمد بنسعيد. - القيام بإجراءات ملموسة في حق لصوص المال العام الذين أثبتت تقارير المجلس الاعلى للحسابات ارتكابهم لهذا الجرم. - اتخاذ تدابير لإخراج الجهاز السمعي البصري ،خاصة التلفزيوني، من شروده ليصبح قادرا على مواكبة النقاش العمومي حول الاصلاحات، على أساس ضمان الولوج الديمقراطي له لكل الحساسيات والمكونات السياسية وفعاليات المجتمع المدني . - استئناف الحوار الاجتماعي بين الحكومة والنقابات بهدف حل المشكلات العالقة في اكثر من قطاع، وتنفيذ الاتفاقات السابقة وتلبية المطالب المرتبطة بتحسين الاوضاع المعيشية للشغيلة . ومن جهتها ، فان الاحزاب السياسية مطالبة بجعل اصلاح أوضاعها من ضمن الاصلاحات السياسية والمؤسساتية المطلوبة ، خاصة أن الافق الذي فتحه الورش الدستوري يرتبط صميميا بحقل حزبي جديد، هياكل ونخبا واخلاقا ومسلكيات وعلائق داخلية . وفي هذا السياق بات من الاستعجالي التوجه الارادي نحو: - بناء قطبية حزبية بهدف عقلنة التعددية الحزبية الكمية الحالية والمعيقة للتقدم الديمقراطي، مع القطع النهائي مع استراتيجية التحكم الفوقي في الحقل الحزبي الوطني . وقد ابرزت تظاهرات 20فبراير بقوة الحلال من الحرام في التشكيلة الحزبية الوطنية الراهنة. - دمقرطة هياكل الاحزاب الوطنية وتجديد نخبها ، وتحضير مؤتمراتها وفق رؤية تنظيمية مستقبلية ومنفتحة على الافق السياسي الجديد لبلادنا. - الانفتاح على الحركة الشبيبية الجماهيرية الصاعدة بالإنصات لتطلعاتها والمساهمة في الفعل الايجابي الى جانبها ، وتشجيع مبادراتها المستقلة والمنسجمة مع اللحظة التاريخية التي وضع الخطاب الملكي لتاسع مارس أجندتها .. ولاشك في أن اجتماع المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي وهو ينعقد في ظل هذه الاجواء الجديدة الواعدة، سيكون مطالبا بالانكباب على أوضاعه التنظيمية لأجل تفعيل قرارات الندوة الوطنية حول التنظيم من جهة ، والمصادقة على منهجية جديدة لتحضير المؤتمر التاسع المزمع عقده في غضون السنة الجارية من جهة ثانية . ولابد من التأكيد هنا على ضرورة الحفاظ على مستوى التعبئة الشبابية ، فهي سكر الدينامية الراهنة وملحها، وذلك بتحصينها وحمايتها من مناورات وتحرشات خصوم الاصلاح والتغيير من جهة، ومن الرهانات الثورية العتيقة والاوهام الرؤيوية الخرافية من جهة أخرى . وهذه مهمة تقع على عاتق كل ديمقراطي كيفما كانت مرجعيته، وعلى عاتق الشبيبة المغربية التواقة الى غد الحرية والعدالة والكرامة.